محافظ الشرقية يستقبل مفتي الجمهورية بمكتبه بالديوان العام    جامعة المنصورة الجديدة تحصد الثاني عالميا في مجال الابتكار بتكنولوجيا المعلومات والإتصالات    فيدان: محادثات إسطنبول أثبتت جدوى التفاوض بين روسيا وأوكرانيا    بدء إعلان نتائج الترم الثاني لصفوف النقل بالمدارس ابتداءً من السبت    فى ليلة ساحرة.. مروة ناجى تبدع وتستحضر روح أم كلثوم على خشبة مسرح أخر حفلاتها قبل 50 عام    حسن حسني.. «القشاش» الذي صنع البهجة وبصم في كل الفنون    مصطفى شوبير يتعاقد مع شركة تسويق إسبانية    أسامة نبيه: أثق في قدرتنا على تحقيق أداء يليق باسم مصر في كأس العالم    الرئيس السيسي يؤكد لليونان التزام مصر الكامل بالحفاظ على المكانة الدينية والفريدة لدير سانت كاترين    خريطة الأسعار اليوم: انخفاض الزيت واللحوم والذهب    اليونيسف يفضح جرائم الاحتلال: استشهاد وإصابة 50 ألف طفل فلسطيني منذ 7 أكتوبر    فيلم سينمائي يشاهده 4 أشخاص فقط في السينما الخميس    «Top 7 يوتيوب».. تامر حسني في الصدارة ومنافسة شرسة بين الراب والمهرجانات (تفاصيل)    خطيب المسجد الحرام: الحج بلا تصريح أذية للمسلمين والعشر الأوائل خير أيام العام    في لفتة إنسانية.. بعثة القرعة تعيد متعلقات حاجة فقدتها في الحرم    4 وفيات و21 مصابا بحادث انقلاب أتوبيس بمركز السادات    الإفتاء تحذر: الأضحية المريضة والمَعِيْبَة لا تجزئ عن المضحي    حكم من شرب أو أكل ناسيا فى نهار عرفة؟.. دار الإفتاء تجيب    اتحاد الكرة ينعى الناقد الرياضي خالد كامل    ضبط تشكيل عصابي تخصص في تزوير راغبي الحصول على مستندات رسمية بالقليوبية    بعد «come back to me» الشعبية.. يوسف جبريال يشكر تامر حسني عبر السوشيال ميديا (فيديو)    108 ساحة صلاة عيد الأضحى.. أوقاف الإسماعيلية تعلن عن الأماكن المخصصة للصلاة    1800 كرتونة لحوم ومواشي.. كيف تستعد مديرية التموين في جنوب سيناء لعيد الأضحى؟    ترامب يتحدّى أوامر القضاء.. وواشنطن تُخفي الأزمة الدستورية تحت عباءة القانون    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة لتيسير الأمور وقضاء الحوائج.. ردده الآن    خطيب الحرم المكي يحث الحجاج على الالتزام.. ويشدد: لا حج دون تصريح    تحرير 146 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار الغلق    مجلس جامعة القاهرة يقرر صرف 2000 جنيه مكافأة لجميع العاملين والهيئة المعاونة    ليلة في حب وردة وبليغ حمدي.. «الأوبرا» تحتفي بروائع زمن الفن الجميل    ديو "إهدى حبة" يتصدر التريند.. ديانا حداد والدوزي يشعلان الصيف    كأس العالم للأندية.. ريال مدريد يعلن رسميا ضم أرنولد قادما من ليفربول    الرئيس اللبنانى يزور العراق الأحد المقبل    طهران: تقرير الاستخبارات النمساوية المشكك في سلمية برنامجنا النووي كاذب    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد الشهيد بالقليوبية    المشاط تلتقي المنسق المقيم للأمم المتحدة بمصر لمناقشة جهود تحقيق التنمية الاقتصادية    جامعة قناة السويس تواصل تمكين طلابها.. الملتقى التوظيفي السادس ب"السياحة والفنادق" يجمع كبرى المؤسسات    نائب وزير الصحة يتفقد عددا من المنشآت الصحية فى البحر الأحمر    جيش الاحتلال يعلن انضمام لواء كفير إلى الفرقة 36 للقتال في خان يونس    ضبط 33 كيلو مخدرات بحوزة 8 متهمين في أسوان ودمياط    ريا أبي راشد: أجريت مقابلة تلفزيونية مع مات ديمون بعد ولادة ابنتي بيومين فقط    رئيس التنظيم والإدارة يستعرض التجربة المصرية في تطبيق معايير الحوكمة    حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن البحر الأحمر    وزير الإسكان: بدء إرسال رسائل نصية SMS للمتقدمين ضمن "سكن لكل المصريين 5 " بنتيجة ترتيب الأولويات    بنيامين نتنياهو يدخل غرفة العمليات.. ومسؤول آخر يتولى إدارة إسرائيل    رئيسة القومي للمرأة تلتقي الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف    القومي للبحوث يرسل قافلة طبية إلى قرية دمهوج -مركز قويسنا- محافظة المنوفية    المضارون من الإيجار القديم: مد العقود لأكثر من 5 سنوات ظلم للملاك واستمرار لمعاناتهم بعد 70 عامًا    ماكرون يتحدث مجددا عن الاعتراف بدولة فلسطينية.. ماذا قال؟    مصرع وإصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بطريق مصر السويس الصحراوي    3 ساعات حذِرة .. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم : «شغلوا الكشافات»    «تعامل بتشدد».. تعليق ناري من طاهر أبو زيد على انسحاب الأهلي من القمة    موعد مباراة الاتحاد والقادسية في نهائي كأس خادم الحرمين والقنوات الناقلة    «مالوش طلبات مالية».. إبراهيم عبد الجواد يكشف اقتراب الزمالك من ضم صفقة سوبر    "فوز إنتر ميامي وتعادل الإسماعيلي".. نتائج مباريات أمس الخميس 29 مايو    فرنسا تحظر التدخين في الأماكن المفتوحة المخصصة للأطفال بدءًا من يوليو    البرلمان يوافق نهائيًا على تعديلات قوانين الانتخابات    تقارير: أرسنال يقترب من تجديد عقد ساليبا    عيار 21 الآن بعد الارتفاع العالمي.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 30 مايو 2025 بالصاغة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إذا غاب العقل انشغل القوم بالجلباب والنقاب والشراب- محمد محمود الإمام- الشروق المصرية
نشر في مصر الجديدة يوم 16 - 12 - 2009

لم أكن أود أن أقتطع من المساحة المحدودة لى لمخاطبة القراء الأعزاء بالدخول فى الهوجة التى ثارت مؤخرا بشأن ارتداء النقاب، وتحويلها إلى ساحة تصفى فيها بعض الحسابات، بما فيها الهجوم على شيخ الأزهر، وكأن موضوعها هو الفيصل فيمن يتولى الإشراف على شئون العقيدة. غير أن الأمر بدا أنه يمثل حلقة فى سلسلة لا تفرغ حلقاتها، يتصيدها كل جانب تحقيقا لغرض فى نفس يعقوب.. وما أكثر اليعاقبة. والأخطر من ذلك أنه صب فى مشكلة أعم وأخطر، هى أسلوب الإعلام فى اجتذاب انتباه الناس إلى قضايا تشغلهم عن التناول الصحيح والمجدى للمشكلات التى يواجهونها فى حياتهم ومستقبلهم.
أتذكر أنه بعد هزيمة 1967 أصيب العديد بصدمة، وكان منهم أحد أفراد معهد التخطيط القومى الذى كنت أديره، فإذا به يخلع البدلة ويلبس جلبابا ويطيل لحيته، وطبيعى أن مثل هذا السلوك لم يكن هو الذى مكّن جيشنا الباسل من العبور، بل كان اللجوء إلى العلم وقيام سلاح المهندسين بالدور الرئيسى بدلا من أولئك المساكين الأميين الذين تفرض عليه الجهادية، فيتهرب منها من يملك 21 جنيها بدلا أو من يصيب نفسه بعاهة وإلا فمصيره أن يتعامل مع أسلحة حديثة وهو لا يستطيع فك الخط على الرغم من مجانية التعليم.
ومنذ ذلك الوقت استشرى وهم التشبه بمظاهر معاصرى الرسول (صلعم)، ليس فقط ارتداء الجلباب بل وجوب تقصيره. ولو أن هذا كان من تعاليم الإسلام لما خص به الله حدثا معينا بعد أن فتح الله لرسوله فتحا مبينا، وأمر جل شأنه المؤمنين «لقد صدق الله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا» (سورة الفتح، الآية 27). كان ذلك أمرا بعد صلح الحديبية بدخول المسجد الحرام بعد أن أظهر الله المؤمنين على الكفار وكف أيديهم عنهم وأحل لهم المغانم، تصديقا لرؤيا الرسول أنه وأصحابه قد دخلوا المسجد وقد حلقوا وقصروا فاستبشروا بها النصر، واعتبروه خلعا لرداء الحرب، فلم تعد الإطالة مطلوبة لإخفاء السلاح. أما الادعاء بضرورة التقصير اقتداء بالرسول على أساس أنه هو الذى يجلب النصر فهو ما يضيف إلى الأمية ما هو أشر منها وهو الجهل.
والمصيبة أن الجهل ينتشر انتشار النار فى الهشيم، إذ ينتقل من أفواه من عجزوا عن تحصيل العلم الذى يهدى الله الإنسان إليه ليعلمه بالقلم ما لم يعلم، إلى عقول من قطعوا فى العلم شوطا بعيدا. ويصل ضرر أولئك ذروته حينما ينفذ إلى عقول الشباب فيصيبها بالتجمد، أو يستنكرونه فينحرفوا لأنهم لم يجدوا قدوة كتلك التى جسدها ابن رشد، فاهتدى بها من لم يسمعوا من القرآن حرفا.
أما قضية الحجاب التى اختارها السيد وزير الثقافة من بين منظومة الثقافة العربية الإسلامية، تقربا ممن خذلوا أحلامه التى بنى عليها قصورا فى الهواء، فهى شاهد على أن لنا شركاء من أهل الغرب الذين يستنكرون مقومات ثقافتنا، يشاركوننا فى العبث.. مع فارق واحد ولكنه جوهرى، أنهم يرون بجانبها ما هو ألزم وأنفع للحياة، بينما ننغلق بتوهم أن الدنيا ممر إلى جنة الخلد، ولو سفكنا الدماء مقابل صكوك غفران. ولو تأمل أهل الغرب من عاصروا جريتا جاربو فى منتصف القرن العشرين، لرأوا الإبداع يبدو فى أغطية الرأس للرجال والنساء معا، وأن أغطية الوجه من دلالات حسن الذوق ورفعة الشأن.
ولم يكن فى ذلك غضاضة لأنه لم يفسر تفسيرا عقائديا. وحين بدأ الإسلام فى الانتشار لديهم، فتكاثرت أعداد المهاجرات بعد أن كانت الهجرة تقتصر على الذكور، وتزايد وهو الأخطر فى نظرهم عدد الذين اعتنقوا الإسلام بعد أن ساهمت ثورة الاتصالات فى توفير معرفة به كانت غائبة فيما سبق، أصابهم ذعر لم يصبهم مثله عندما تغلغل اليهود فى مجتمعاتهم مستندين إلى أنهم أصحاب عهد قديم لا يهدد أهل العهد الجديد. أما ما حدث عندنا فكان العكس، حيث انتشر الحجاب لأمرين: الأول هو توفير التكاليف الباهظة لتصفيف الشعر، والثانى هو المشاركة فى متع الذكور، ومنها مداعبة النارجيلة فى مقاه ينمو عددها بسرعة نمو البطالة بين الشباب والمعاش المبكر بين ضحايا الخصخصة من الكبار. ولعل لهن بعض العذر حيث إن النارجيلة ذات الأربعة ليات كانت تجمع بين العجائز فى الحرملك، خاصة فى دول المشرق العربى اقتداء بعهد الخلافة التركية.
وقد تكون للحجاب درجات، بدءا بغلالة شفافة اللون وانتهاء بأخرى سميكة سوداء اللون، وقد تجمع المرأة بين الاثنتين، كما كان شائعا فى الشمال السورى. ومن خلالهما تمارس المرأة حريتها فى تأمل من أمامها دون أن يفصح وجهها عما يدور بخلدها، وهى ميزة يحرم منها الرجال مهما أجادوا البحلقة، الأمر الذى يحصر المواجهة بين شخصين من الجنسين فى تأمل المحاسن والمفاتن، دون القيام بما أمر به الدين وهو غض الطرف، واعتبار الاثنين مخلوقين أراد الله باختلاف مواصفاتهما تواصل الحياة لا إثارة الغرائز، وإضاعة الوقت الذى يجب أن يسعى الخلق فيما أمرهم به الخالق من إعمار الأرض استحقاقا للخلافة عليها.
ويصل أمر تكثيف الحجاب منتهاه عندما يتحول إلى نقاب، تشبها بما كان يمارسه الفرنجة من لهو فى حفلات تنكرية كان بعضها ينتهى إلى مآسى. ولعل هذا ارتبط بالعباءة التى تنتشر فى أماكن كثيرة من الدول العربية، والتى استعاضت عنها بنات البلد المصريات بالملاءة اللف التى يتفنن بعضهن فى ارتدائها على نحو يبرز من المفاتن ما يعجز البكينى عن إظهاره. ويكملنه بالبرقع الذى يفسح مكانا للعينين وتحجب ثقوبه الكثير من معالم الوجه، لينصرف النظر عنه إلى ما أسماه عبدالعزيز محمود «العود الملفوف».
لعل فكرة النقاب تبدأ مع الصغيرات كلعبة أقرب إلى الاستغماية منه إلى تذكير بالدين الحنيف.. لأن التى ترتديه لا تراه إلا فى المرآة. والأغرب من ذلك بأن يمتد النقاب إلى باقى الجسد ليخرج بين اليدين فى شكل قفاز يمنع جريمة المصافحة باليد التى قد تنقض وضوء الرجل. وفوق هذا وذاك فإن النقاب وتوابعه يضرب فى السواد ولعله بذلك يحاكى قيام الفلاحات بارتداء الجلباب الأسود قبل إجراء الإصلاح الزراعى وورود تحويلات المغتربين ووقوعهن فى مشكلة ارتداء ملابس ملونة لابد من تغييرها من حين لآخر، حتى لا تتهمن بأنهن لا يمتلكن غيرها. باعتقادى أن أول بند فى حقوق الإنسان، هو التخلص من هذا القبح، وتمكين المرأة من أداء واجباتها إزاء المجتمع.
وأخيرا يمتد الأمر من الجلباب إلى الجورب، فإذا بأحد العاملين فى الإعلام يعلق على حديث متلفز عن قضية فى غاية الخطورة، فيظهر قدرته على الملاحظة بأن يربط شكوى أحد المتحدثين من مرضه وبين دخوله فى الأستديو بدون حذاء اكتفاء بالشراب. قد تجرى مباراة حول قوة الملاحظة تعرض فيها مناظر على أشخاص ثم يسألون عن بعض دقائقها، كلون ربطة عنق رجل أو موقع ظل شجرة. إلا أن هذا لا يقصد به أن يكون موضعا للإعلام. إن انغماس الإعلام فى أحاديث الجلباب والنقاب والشراب تفسر سبب البلاء الذى تعيشه الأمة العربية فيحيل بعضا من شبابها إلى قتلة وقراصنة، ويجعلها تلهث وراء استثمار أجنبى يأتى بتكنولوجيا لا تساهم فى تطويرها بمثقال ذرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.