الحرية: عضوية دولة فلسطين بصفة مراقب أتت لكي تسقط تعليق مفعول إعلان الإستقلال، فدولة فلسطينالمحتلة أراضيها والمعترف بها وبحقوق اللاجئين من أبنائها هي التي ستجدد إنخراط فلسطين في العملية السياسية عندما تُستوفى متطلباتها • وراء الإمتناع عن القرار الضغط الأميركي المتقاطع مع موقف حكومة إسرائيل التي ترى في إنجاز سياسي فلسطيني إضعافاً لحيثية إستمرار إحتلالها • ينبغي النظر إلى التصويت بالإمتناع من زاوية عدم الإستجابة للموقف الأميركي (والإسرائيلي) مما يجعل الرهان في مكانه على موقف الدول الذي تبنته، لجهة تقدمها نحو الإنضمام إلى معسكر الأكثرية التي إنحازت إلى فلسطين • المحاولات الأميركية والأوروبية عشية التصويت على قرار العضوية المراقبة ، لم تنقطع من أجل الحصول على تعهد فلسطين بعدم استثمار هذه العضوية من أجل الإنضمام إلى نظام روما والمحكمة الجنائية الدولية • المنحى الإيجابي للموقف الدولي حيال الحقوق الوطنية لشعب فلسطين يتحرك بالوجهة المطلوبة ، بقدر ما يشتد النضال الوطني ضد الإحتلال، وبقدر ما يتحسن الأداء السياسي والدبلوماسي الفلسطيني المواكب له (1) 1- في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 1988، والإنتفاضة الشعبية تجتاح الأراضي الفلسطينيةالمحتلة من أقصاها إلى أقصاها، تبنت الدورة الثامنة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني «إعلان الاستقلال» الذي سرعان ما أثمر عن إعتراف أكثر من 120 دولة بصيغ مختلفة بدولة فلسطين. وكان من المفترض أن تستكمل هذه الخطوة التاريخية بطرح عضوية دولة فلسطين على الأممالمتحدة، ولهذا الغرض قرر المجلس الوطني، إحالة هذا الملف إلى المجلس المركزي الذي إنعقد في آذار(مارس) 1989 ليكلف اللجنة التنفيذية بمهام حكومة دولة فلسطين، وانتخب رئيسها رئيساً لدولة فلسطين وعين رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير وزيراً للخارجية في الحكومة العتيدة.. كما كان من المفترض أن تعلن منظمة التحرير بسط سيادتها على أراضي دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967.. 2- غير أن الأمور أخذت منحى مغايراً، عندما إنخرطت قيادة م.ت.ف في مسار آخر أُفتتح رسمياً في مؤتمر مدريد (30/10/1991) والمفاوضات التي تلتها، ومر– بالتوازي – بمفاوضات «القناة الخلفية» قبل أن يفضي إلى إتفاق أوسلو («إعلان المبادئ») في 13/9/1993. لقد قيل وكتب الكثير عن هذا الإتفاق وما إنطوى عليه من سلبيات، والتي من أبرزها: تعليق مفعول «إعلان الإستقلال» بقدر ما يتعلق الأمر بسريانه على أرض الضفة والقطاع، حيث إرتضت م.ت.ف أن يكون وجودها على الأرض الفلسطينية، خلال المرحلة الإنتقالية بصيغة سلطة حكم ذاتي لا بصيغة دولة مستقلة. أبعد من هذا، فبموجب إتفاق أوسلو أصبحت الأراضي التي إستولت عليها إسرائيل بعدوان ال67، أرضاً متنازعاً عليها يتقرر مصيرها من خلال المفاوضات التي تجري بين الطرفين. 3 - إن عضوية دولة فلسطين بصفة مراقب في الأممالمتحدة أتت لترفع الإجحاف المزدوج الذي ألحقه اتفاق أوسلو بالحقوق الوطنية، الهبوط بمكانة الإستقلال إلى الحكم الذاتي، وبمكانة الأرض المحتلة إلى الأرض المتنازع عليها.. إن عضوية دولة فلسطين بصفة مراقب أتت لكي تسقط تعليق مفعول إعلان الإستقلال، فدولة فلسطينالمحتلة أراضيها والمعترف بها أو بحقوق اللاجئين من أبنائها الذي يكفله القرار 194، وبجميع قرارات الأممالمتحدة التي تكفل الحقوق الوطنية هي التي ستجدد إنخراط فلسطين في العملية السياسية عندما تُستوفى متطلباتها. إن المكانة المحصّلة لدولة فلسطين خطوة مهمة – لاريب على طريق الإنعتاق من قيود إتفاقات أوسلو. وهذه المكانة لم يكن بالإمكان إدراكها لولا إتساع دائرة القناعة على أوسع نطاق دولياً ،أن موعد اللقاء قد أزف مع الحقوق الوطنية المشروعة لشعب فلسطين. إن قراءة متأنية لما ورد في الورقة المقدمة في «المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات» (ملف) حول إتجاهات التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة تؤكد هذا الإستخلاص، لا بل تفتح الآفاق أمام تعزيزها للصالح الوطني. (2) المراجعة السريعة لإتجاهات التصويت في الأممالمتحدة تبرز ما يلي: من أصل 188 دولة تمثل 97% من عضوية الجمعية العامة للأمم المتحدة (193 دولة)، إنحازت إلى فلسطين بالموافقة على «رفع مكانتها إلى مركز دولة غير عضو بصفة مراقب في المنظمة الدولية» 138دولة (73%) وضدها 9 دول (5%) مع إمتناع 41 دولة (21%). هذه النتيجة، بمدلولها السياسي، تظهرِّ حقيقة توفر شروط إستعداد المجتمع الدولي وجاهزيته منذ الآن للإعتراف بمكانة فلسطين كدولة كاملة العضوية في الأممالمتحدة، الأمر الذي يمكن إثباته – أيضاً – عند التوقف أمام مفردات المشهد التصويتي في الجمعية العامة وخلفياته: 1- لقد صوتت ضد مشروع القرار المقدم ب «ترقية المكانة» 9 دول: الولاياتالمتحدة، إسرائيل، كندا، بنما، تشيكيا+ 4 دول من المحيط الهادئ (جزر مارشال، ميكرونيزيا، نادرو، وبالاو). ورغم شموله ل 9 دول ، ونظراً لبداهة وقوف إسرائيل ضد رفع مكانة فلسطين، ليس إعتباطاً أن يُختزل التصويت ضد المشروع المقدم – بمدلوله السياسي – بموقف وتصويت الولاياتالمتحدة، إن كان من زاوية تناغم أوتاوا– عادة – مع سياسة واشنطن بفعل عمق العلاقات الأميركية الكندية وصلابتها، أو من حقيقة إصطفاف الدول الأخرى خلف الموقف الأميركي من ملفات سياسية عدة، ومنحها الملف الفلسطيني، البعيد أصلاً عن إهتمامات هذه الدول، التي يبقى موقفها حيال الموضوع الفلسطيني محدود التأثير، إن لم يكن عديمه، فضلاً عن عزلته في محيطه القاري. 2- إنفردت تشيكيا بتصويتها من بين 42 دولة أوروبية إنقسمت مناصفة بين تأييد القرار (20دولة) والإمتناع عنه (21 دولة)؛ وكذلكبنما من بين جميع دول أمريكا اللاتينية (33 دولة) التي إنحازت بغالبية 89% (26دولة) لصالح القرار مقابل 6 دول وحتى على مستوى مجموعة دول المحيط الهادئ (14 دولة) يسهل ملاحظة أن دول هذه المجموعة – في الموضوع الفلسطيني – ليست معقودة اللواء بشكل تلقائي للموقف الأميركي: فالدول الأربع السابق ذكرها التي صوتت ضد فلسطين تقف مقابل 85 دول، منها 4 دول من أهم بلدان قارة أوسيانيا: أوستراليا وبابوا – غينيا الجديدةاللتين، إمتنعتا عن القرار ومعهما 4 دول (فيجي، ساموا، تونغا، وفانواتو)، ونيوزيلاندا وتيمور الشرقية ومعهما ودولتان (جزر السلمون، وتوفالو). 3- مقابل ضآلة التصويت ضد قرار «رفع مكانة فلسطين» (5%)، يبرز إرتفاع التصويت بالإمتناع (21%، أي 41 بلداً من أصل 188)، نصفه (21 بلداً) في أوروبا، وبما يشمل نصف عدد بلدان القارة المشاركة بالتصويت (21 بلداً من 42)؛ والباقي يتوزع قارياً على: أمريكا اللاتينية (6 بلدان من 33)، أفريقيا (5 بلدان من 41) وأوسيانيا (6 بلدان من 14). 4- بشكل عام نسبت بلدان الإمتناع موقفها إلى الإنعكاس السلبي لقرار الجمعية العامة على العملية التفاوضية، فضلاً عن عدم جدواه باعتبار أن دولة فلسطين – على أرض الواقع – لن تقوم إلا بنتيجة المفاوضات الثنائية وليس ضمن جدران الأممالمتحدة، فالطريق الوحيد لتطبيق مبدأ الدولتين يتمثل بالمفاوضات كما كانت تؤكد دائماً الولاياتالمتحدة في إجتماعات الرباعية الدولية. هذا ما حرصت واشنطن على إبرازه في عديد من المحطات، منها ما ورد على لسان الرئيس الأميركي أوباما (19/5/2011): «التحركات الرمزية الهادفة، إلى عزل إسرائيل في الأممالمتحدة لن تؤدي إلى قيام دولة مستقلة .. والجهود الهادفة إلى مشروع نزع شرعية إسرائيل ستبوء بالفشل».. «الولاياتالمتحدة ستقف في وجه محاولات الإستفراد بانتقاد إسرائيل في المحافل الدولية».. 5- من هنا التأكيد أن وراء الإمتناع عن القرار – بالنسبة لعدد لا يُستهان به من الدول - الضغط الأميركي المتقاطع مع موقف حكومة إسرائيل التي ترى في إنجاز سياسي فلسطيني إضعافاً لحيثية إستمرار إحتلالها، إلى جانب خشيتها من أن تتبع عضوية دولة فلسطين في الأممالمتحدة، عضويتها في الولايات المختصة للمنظمة الدولية وإنضمامها إلى إتفاقيات ومواثيق وبروتوكولات دولية تعزز مكانة فلسطين من جهة، وتسمح لها – من جهة أخرى – وللمجتمع الدولي بمساءلة الإحتلال الإسرائيلي ومحاكمة ممارساته، لا بل تعريض هذا الإحتلال والقيّمين عليها للملاحقة القانونية دولياً. في السياق – يجدر التذكير بأن المحاولات الأمريكية والأوروبية عشية التصويت على قرار العضوية المراقبة لفلسطين في الأممالمتحدة، لم تنقطع من أجل الحصول على تعهد فلسطين بعدم استثمار هذه العضوية من أجل الإنضمام إلى نظام روما والمحكمة الجنائية الدولية (ICC)؛ تماماً كما بذلت محاولات من قبل الاتحاد الأوروبي عندما كانت فلسطين بصدد التوجه إلى مجلس الأمن من أجل إطلاق آلية قبول عضويتها الكاملة في الأممالمتحدة في أيلول (سبتمبر 2011) من أجل التراجع عن ذلك مقابل الإكتفاء بالعضوية المراقبة التي تمنحها الجمعية العمومية وإلتزام الدول ال 27 بالتصويت إلى جانب فلسطين مع إمتناع الولاياتالمتحدة شرط التعهد الفلسطيني بعدم الإدعاء ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية (12/9/2011)؛ وهذا ما يلتقي أيضاً وأيضاً مع الطرح المشترك في 20/9/2011 لتوني بلير (مبعوث اللجنة الرباعية الدولية) وكاثرين آشتون (منسقة الدفاع والسياسة الخارجة الأوروبية) بتعهد دول الإتحاد – في حال إكتفى الفلسطينيون بالتوجه إلى الجمعية العامة وليس إلى مجلس الأمن – بالتصويت إلى جانبهم شرط عودتهم إلى المفاوضات بدون شرط (أي التنازل عن متطلبات المفاوضات الجدية، وفي مقدمتها وقف الاستيطان)، وشرط ألا يتقدموا بطلب الإنضمام إلى نظام محكمة الجنايات الدولية. 6 – ينبغي النظر إلى التصويت بالإمتناع من جانبه الإيجابي، أي من زاوية عدم الإستجابة للموقف الأميركي (والإسرائيلي). إن الإمتناع على خلفية هذه الممانعة يجعل الرهان في مكانه على موقف الدول الذي تبنيه، لجهة تقدمها نحو الإنضمام إلى معسكر أكثرية ال 73% التي إنحازت إلى فلسطين. يعزز هذا التقدير ما سبق التنويه إليه حول إستعداد دول الإتحاد الأوروبي للتصويت جماعة (رغم أن موقف هولندا في حينه لم يكن مؤكداً) لصالح العضوية المراقبة شرط التخلي الفلسطيني عن التوجه إلى مجلس الأمن وعدم الإنضمام إلى الICC أو الإدعاء أمامها؛ كما يعززه التأكيد بما أقدمت عليه «الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا» (التي تضم 47 دولة هي دول القارة + روسيا + دول القوقاز الثلاث: جورجيا، أذربيجان، أرمينيا) في 4/10/2011 أثناء إجتماعها في ستراسبورغ عندما أقرت دعوة فرنساوروسيا والبرتغال (التي صوتت إلى جانب العضوية في 29/11/2012) وبريطانيا وألمانيا والبوسنة (التي إمتنعت عن طلب العضوية المراقبة في 29/11/2012) إلى دعم الطلب الفلسطيني بالحصول على العضوية الكاملة في الأممالمتحدة. نكتفي بهذه الإشارات السريعة التي لا تقطع بنهائية موقف أي من الدول المذكورة، بقدر ما تسعى إلى إبراز الإستعداد الحقيقي المتوافر لديها لتطوير موقف بالإتجاه الداعم لفلسطين وليس العكس. (3) في ضوء ما تقدم من الطبيعي التذكير بأن المنحى الإيجابي للموقف الدولي حيال الحقوق الوطنية لشعب فلسطين يتحرك بالوجهة المطلوبة ، بقدر ما يشتد النضال الوطني ضد الإحتلال، وبقدر ما يتحسن الأداء السياسي والدبلوماسي الفلسطيني المواكب له. وهذا ما ينقلنا إلى مستوى آخر من البحث الذي ليس هو موضوع هذه العجالة، ومع ذلك لا بد من إبداء ملاحظة رئيسية تطول الحركة السياسية والدبلوماسية الفلسطينية إنطلاقاً من تجارب سابقة ينبغي السعي بعدم تكرارها، حيث كانت القيادة الفلسطينية تحجم عن إستثمار مواقف دولية بالغة الأهمية، نذكر منها: فتوى محكمة لاهاي الدولية بشأن «الجدار» (تموز/ يوليو/2004)، و«تقرير القاضي غولدستون» بشأن جرائم الحرب التي إرتكبتها إسرائيل إبّان عدوانها على القطاع (12/2008- 1/2009). على خلفية هذه السوابق لا يسعنا سوى التأكيد على ضرورة الإسراع بإستثمار ما يترتب على ترقي مكانة فلسطين من إمكانيات تفتح أبواب العضوية في عدد وافر من الوكالات المختصة للأمم المتحدة، ومن الإنضمام إلى مواثيق وإتفاقيات وبروتوكولات دولية، التي من شأن أي منها، وكلها مجتمعة أن تقوي فلسطين وتضعف الإحتلال. لقد إنقضت ثلاثة شهور على قرار الجمعية العامة ، ولمّا تستبن بعد الخطوات العملية التي باشرت الهيئات المعنية بتنفيذها من أحل التقدم في هذا المضمار، مع أن القيادة السياسية لا تبخل في تعميم التحذيرات الصادرة عن واشنطن في عدم ولوج طريق الوكالات والإتفاقيات الدولية. * عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عضو المجلس الوطني الفلسطيني