بات الفصل بين الحلول المؤقتة والمستدامة ضرورة ملحة، لكون الفارق فيما بينهما لم يعد وجهات نظر أو حتى عبارة عن مناظرات حوارية أو مناقشات فكرية. قد يظن البعض أن التطرق لبند الحلول المؤقتة خيارًا فعالاً لمدة زمنية قصيرة إلا أن الواقع يُؤكد أن تكلفته تكون أعلى ب كثير من الحلول المستدامة.. ف على سبيل المثال: «عندما يلجأ المريض لأقراص المسكنات دون تشخيص المرض لعلاجه من جذوره.. فيبدو له أنه يُوفر راحة مؤقتة إلا أن المشكلة تتفاقم مع مرور الوقت، وتكون فرصة الشفاء منخفضة للغاية». وبلغة واضحة وأكثر شفافية، نحن لدينا خلط كبير ما بين الأعراض والمشاكل، لكون تعريف الأعراض: ما هو إلا عبارة عن مؤشر ظاهري يدل على وجود أزمة، مثل: «الشخص الذي يُعاني من الصداع فهذا عرض ناتج ربما عن قلة النوم أو إرهاق في العمل أو مؤشر لمرض ما»، بينما تكمن المشكلة في صميم العمل ذاته. وما سبق من سرد تفصيلي للفارق الجوهري ما بين الأعراض والمشكلات، لا يبتعد كثيرًا عن ملف إعادة الانتخابات في 19 دائرة انتخابية على النظام الفردي، لكون نبض الشارع الحقيقي لا يُريد إعادة الانتخابات بل ضرورة تغيير النظام الانتخابي بأكمله، واللجوء إلى النظام الفردي، حيث الاختيار الأمثل للشارع المصري والمعبر الحقيقي عن نبض وصوت المواطن. ولا يُدار المشهد الانتخابي من خلال تصدر أحزاب- هامشية- تُسمى أنفسها بالموالاة أو المعارضة من خلال تمسكها بالنظام الانتخابي الحالي القائم على «القائمة المغلقة المطلقة»، الذي يُعطي الحق لها في الحصول على نصف مقاعد البرلمان دون أي مجهود يُذكر. نحن نعرف أنَّ الحزب- الذي لديه قواعد شعبية حقيقية في الشارع وله برنامج واضح ومحدد الأهداف- هو من يلجأ إلى نظام القائمة سواء كانت مغلقة مطلقة أو نسبية، لا بأن تتكاتف هذه الأحزاب الموالاة والمعارضة في قائمة واحدة فقط دون أي منافسة مع قائمة أخرى.. ليأتي السؤال: «إذا كانت أحزاب المعارضة اجتمعت في قائمة واحدة مع أحزاب الموالاة.. فمن يُشكل القائمة الأخرى المنافسة.. ومن يُحاسب هذه القائمة التي تضم الأخضر واليابس.. كل هذه الأسئلة دون إجابات». لدرجة أن أستاذ أساتذة العلوم السياسية الدكتور، على الدين هلال، تعجب في حواره مع الإعلامية المِهنية، لميس الحديدي، من إجماع كل أعضاء مجلس الشيوخ على انتخاب رئيس المجلس دون أي اعتراض أو حتى امتناع شخص واحد فقط عن التصويت، الأمر الذي فسّره بأنَّ هذا الإجماع يبعث على الخوف وعدم الطمأنينة ويؤكد على أن هذا الشيء معد ومرتب له مسبقاً. ولا يختلف انطباع المثقفين عن فئة المواطنين البسطاء، بأنَّ هذه الانتخابات يجب أن تُعالج جذورها الرئيسية بداية من النظام الانتخابي، حتى يتم استعادة روح الانتخابات الحقيقية وإعادة ترميمها مرة أخرى، لكون السياسية اليوم لا تُدار من خلال صور الأحزاب- الكرتونية- وإنما بالأفعال الحقيقية التي تضمن وجود منافسة نزيهة. إذ كشفت هذه الانتخابات النيابية وكذلك الشيوخ عن «بالون اختبار» لقياس ردود أفعال الشارع، التي ظهرت بمدى عدم الاهتمام بها والتفاعل معها، من خلال حكمهم بأن هذه الانتخابات معروف نتائجها مسبقاً. وما أود قوله في الختام، أنَّ مثل هذه العودة قد تكون صعبة- أي العودة لترميم الروح السياسية والانتخابية مرة أخرى- إلا من خلال الاعتراف بوجود مشكلة في النظام الانتخابي والعمل على تشخيصها وحلها حتى لا يتم تفاقمها على المدى الطويل. حفظ الله مِصر وشعبها ومؤسساتها.