في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم على الاتفاق بين إسرائيل وحركة حماس، المزمع توقيعه غدًا الإثنين في مدينة شرم الشيخ بمصر، وذلك برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والوسطاء من مصر وقطر وتركيا، تتصاعد الأسئلة حول مستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السياسي ومدى قدرته على تجاوز تداعيات حرب غزة التي لم تحقق أهدافها المعلنة، حيث إن الحرب التي خاضها ضد فصائل المقاومة في القطاع فتحت بابًا واسعًا لمعركة داخلية يواجه فيها نتنياهو ملفات فساد واتهامات بالمسؤولية عن الإخفاقات العسكرية، إلى جانب عزلة دولية غير مسبوقة. "لن تكون حرب غزة آخر معارك نتنياهو السياسية" هكذا أعربت الدكتورة رانيا فوزي خبيرة الشؤون الإسرائيلية المختصة في تحليل الخطاب الإعلامي عن رأيها في نهاية مسيرة رئيس الوزراء الإسرائيلي السياسية، إذ قالت إنه "يخوض معارك أخرى داخل إسرائيل، أبرزها المواجهة مع المحكمة العليا الإسرائيلية التي تُعنى بمحاكمته في قضايا الفساد المتورط فيها، فضلًا عن أنه يواجه عزلة دولية متزايدة، إلى جانب معارك سياسية داخلية متشابكة، خاصة بعدما فشلت حرب غزة في تحقيق أهدافها المعلنة والمتمثلة في القضاء على حركة حماس أو إسقاط قدراتها العسكرية. وتضيف فوزي خلال حديثها ل"مصراوي"، أن ما جرى في اتفاق شرم الشيخ، أظهر بوضوح أن نتنياهو لن يحضر مراسم التوقيع بنفسه، بل أوكل إلى الإدارة الأمريكية مهمة ضمان تنفيذ الاتفاق، ومن المتوقع أنه بعد المرحلة الأولى من الاتفاق، ستواجه الحكومة الإسرائيلية عراقيل داخلية تقودها حكومة نتنياهو نفسها، فالأحزاب المتطرفة مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش لم تعلن انسحابها من الائتلاف الحكومي بعد، ومن المرجح أنهما يخططان لعرقلة تنفيذ الاتفاق ونقضه بعد تسلّم الأسرى والجثامين، نتيجة للضغط الشعبي داخل إسرائيل. وعلى الرغم من كل المؤشرات السابقة لعرقلة اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس، توضح خبيرة الشؤون الإسرائيلية إلى أنه هناك ضمانات أمريكية تضمن الالتزام ببنود الاتفاق، رغم محاولات إسرائيل، وخصوصًا رون ديرمر مستشار نتنياهو ووزير الشؤون الاستراتيجية، إيجاد ثغرات تسمح لها بالتحلل من بعض الالتزامات، ولا سيما الانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة. بقاء مؤقت فيما يرى الدكتور محمد وازن الباحث المتخصص في الدراسات الإسرائيلية، أن الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ وتحرك ملف الأسرى الإسرائيليين غير المشهد تمامًا، حيث إن المزاج العام في إسرائيل يميل لإنهاء الحرب وتحميل نتنياهو المسؤولية، مع ارتفاع واضح في نسب المطالبين باستقالته فورًا أو بعد الهدنة، لكن رغم ذلك، فخروجه الفوري غير محسوم، إذ يعتمد على تماسك ائتلافه، ومسار تنفيذ الاتفاق، وضغط لجان التحقيق المنتظرة، فضلًا عن أن البيت الأبيض يدفع باتجاه الاستقرار المؤقت، بينما الشارع يزداد غضبًا، ما يجعل بقاءه سياسيًا مؤقتًا. ويوضح الباحث المتخصص في الشؤون الإسرائيلية خلال تصريح ل"مصراوي"، أن اليمين الديني- القومي بزعامة بن غفير وسموتريتش يلوّح بإسقاط الحكومة إذا اعتُبر الاتفاق "تنازلًا" أو إبقاءً لحماس، لكن وجود دعم محتمل من المعارضة في الكنيست يوفّر لنتنياهو هامش تحرك ضيق لتفادي السقوط الآن، كما أن العلاقة بينه وبين اليمين المتشدد باتت في مرحلة "انعدام الثقة"، والانفجار وارد بمجرد ظهور أول تعثر ميداني أو خلل في تنفيذ الصفقة، مشيرًا إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد شدًّا وجذبًا حادًا داخل الائتلاف. وعن رؤية المؤسسة الأمنية لأداء نتنياهو خلال حرب غزة، يعتقد وازن أن المؤسسة تميل إلى الواقعية أكثر من السياسة، هي تسعى لتثبيت الهدنة واسترجاع الأسرى وتحقيق استقرار ميداني، وأن الشعارات السياسية المبالغ فيها تضر بالجيش على الأرض، والتوتر بين المستوى العسكري والسياسي ما زال قائمًا منذ 7 أكتوبر، وزاد مع محاولات التدخل في تعيينات الشاباك والجيش، والآن الموقف العام داخل الأجهزة الأمنية الآن هو دعم إنهاء الحرب تدريجيًا، مع مراجعة الأداء السياسي لاحقًا عبر لجان التحقيق. "ثعلب السياسية" وترى الدكتورة رانيا فوزي خبيرة الشؤون الإسرائيلية المختصة في تحليل الخطاب الإعلامي، أنه كانت هناك خلافات شديدة داخل إسرائيل قبل الحرب وأثناءها وبعدها بين نتنياهو والمؤسسة العسكرية، خاصة أن نتنياهو ليس جنرالًا بل رجل سياسة أو ما يمكن وصفه ب"ثعلب السياسة"، موضحة أن أداءه على رأس القيادة السياسية، وما فرضه من إملاءات على المؤسسة العسكرية، كان مرحلة مليئة بالأخطاء، لاسيما في ما يتعلق بعمليتي "جدعون 1" و"جدعون 2"، اللتين فشلتا في تحقيق أهدافهما المعلنة المتمثلة في إسقاط قدرات حركة حماس العسكرية. ولفتت إلى أن العمليات التي شنها نتنياهو على غزة أسهمت في تعميق عزلة إسرائيل الدولية بعد ممارساتها، ولا سيما منع دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، الأمر الذي تسبب في تجويع المدنيين وأثار غضب الرأي العام والمجتمع الدولي ضد إسرائيل، علاوة على ذلك، فإن بنيامين نتنياهو وعددًا من قيادات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية مطلوبون للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب خلال العمليات العسكرية في غزة. الحرب الحالية آخر فصول نتنياهو السياسية ومع الهدوء النسبي في جبهات القتال التي كانت تفتحها إسرائيل، فإن الاحتجاجات الداخلية عادت بقوة، حيث عاد الشارع الإسرائيلي بمطالبة المسؤولين عن الإخفاقات، بسبب وصول أزمة الثقة بين نتنياهو والمجتمع وصلت إلى ذروتها، خاصة بعد عجزه عن تحقيق أهداف الحرب أو تخفيف العزلة الدولية، وفق ما قاله الدكتور محمد وازن المختص في الدراسات الإسرائيلية، الذي لفت إلى أن المؤشرات السياسية ترجّح أن استمرار الهدنة سيفتح الباب لانتخابات مبكرة أو إعادة تشكيل الحكومة، ما يعني أن الحرب الحالية قد لا تكون فقط آخر حروب نتنياهو العسكرية، بل آخر فصوله السياسية أيضًا. كما توضح الخبيرة في الشؤون الإسرائيلية، أن نتنياهو يعتمد على دعم اليمين المتطرف، غير أن اتفاق وقف إطلاق النار المرتقب قد تراجع شعبية اليمين المتطرف وانزياح نتنياهو، فضلًا عن تراجع مكانة الصهيونية، وفي تلك الحالة من المرجح أن تتحول هذه القوى إلى صفوف المعارضة الإسرائيلية، مع احتمال تشكيل حكومة يمين وسط أو يسار وسط تكون هي الأقرب للفوز، كما يُتوقع أن تظهر أحزاب جديدة يقودها شخصيات إسرائيلية من خلفيات عسكرية قد تكون إحدى هذه الشخصيات مرشحة لتولي رئاسة الحكومة مستقبلًا. بينما ترى الدكتورة رانيا فوزي خبيرة الشؤون الإسرائيلية، أن إسرائيل تشهد أزمة قيادة حقيقية، إذ تفتقر إلى شخصيات بديلة قادرة على تولي زمام الحكم، فرغم تورط نتنياهو في ملفات فساد متعددة، فإنه لا يزال يشغل منصب رئيس الوزراء في ولايته السادسة. ويُطرح في إسرائيل تساؤل دائم: "بيبي أو لا بيبي؟"، في إشارة إلى غياب القيادات من الصف الثاني القادرة على منافسته، فجميع من تولوا رئاسة الحكومة من قبله كانوا من خلفيات عسكرية، باستثناء نتنياهو الذي لا يمتلك تاريخًا عسكريًا، على عكس شخصيات مثل إسحاق رابين وشمعون بيريز، الذين شكلوا نماذج مختلفة للقيادة الإسرائيلية.