منذ عشرات السنين، كانت الأقصر مسرحًا لزيارات ملوك ورؤساء العالم، من ونستون تشرشل الذي استراح بين جدران "ونتر بالاس"، مرورًا بالملكة إليزابيث الثانية، وصولًا إلى الزيارة التاريخية الأخيرة للعاهل الإسباني الملك فيليبي السادس وزوجته الملكة ليتيزيا. وتعد كل زيارة من هذه الزيارات كانت نقطة مضيئة في تاريخ السياحة المصرية، ودعاية مجانية تساوي ملايين الدولارات. وجاءت زيارة فيليبي السادس وليتيزيا للأقصر قبل أيام قليلة من بدء الموسم السياحي الشتوي، ما جعلها محط أنظار المهتمين بقطاع السياحة. المشاهد التي التقطت للملك والملكة داخل معبد حتشبسوت، وهما يلتقطان صور "سيلفي" في قلب التاريخ، حملت رسائل طمأنة بأن مصر آمنة، ورسالة انبهار بحضارة لا تزال تبهر قادة العالم كما تبهر زائريها. يصف محمد عثمان، رئيس لجنة تسويق السياحة الثقافية بالأقصر، هذه الزيارة بأنها "حملة دعائية بلا تكلفة"، موضحًا أن ظهور ملك إسبانيا وزوجته في مواقع أثرية مثل الكرنك والأقصر والبر الغربي هو في حد ذاته أقوى من أي إعلان أو حملة ترويجية. ويضيف عثمان: "توقيت الزيارة مثالي، فهي تسبق مباشرة ذروة الموسم الشتوي، ومن المتوقع أن تعطي دفعة قوية للأسواق الأوروبية، خاصة السوق الإسبانية." أما الخبير السياحي الدكتور عبدالعظيم كامل، فيؤكد أن زيارات الملوك ورؤساء الدول تحمل دائمًا تأثيرًا مضاعفًا، لأن السائح الأجنبي يرى في هذه الصور ضمانة شخصية للأمن والاستقرار. ويقول الخبير السياحي: "حين يرى المواطن الإسباني ملكه يتجول بين آثار الأقصر ويعبر عن رغبته في العودة، فهذا ينعكس فورًا على حجوزاته"، مضيفًا: "نتوقع أن تزيد نسب الإشغال الفندقي في الأقصر وأسوان بشكل ملحوظ هذا الشتاء." اللافت في زيارة فيليبي السادس أنها لم تقتصر على الجانب البروتوكولي، بل تخللتها لحظات إنسانية وطريفة، مثل مزحة علي فاروق، كبير عمال الحفائر، حين قال للملك وهو في مقبرة جحوتي: "الملك جحوتي سعيد بزيارتكم ويتمنى أن تعودوا مرة أخرى"، فابتسم الملك وضحك، قبل أن يترك رسالة بخط يده في فندق ونتر بالاس كتب فيها: "إقامة مميزة في الأقصر.. نأمل أن نعود مرة أخرى." الأقصر لم تكن غريبة على زيارات العائلات الملكية، فمن الملك فاروق الذي كان يقضي الشتاء في المدينة، إلى الإمبراطور الإثيوبي هيلا سيلاسي، وصولًا إلى الأمير تشارلز والأميرة ديانا، كلها زيارات صنعت صورة الأقصر ك"عاصمة للسياحة الملكية" بامتياز، واليوم يأتي الملك فيليبي السادس ليضيف فصلًا جديدًا في هذه الذاكرة، مؤكدًا أن الأقصر ما زالت وجهة ملوك الحاضر كما كانت لملوك الماضي. على المستوى العملي، تشير مؤشرات السياحة إلى زيادة مرتقبة في الرحلات الجوية من مدريد إلى الأقصر خلال الأشهر المقبلة، مع توقعات بارتفاع نسب الإشغال الفندقي. ويؤكد خبراء أن هذه الزيارة ستفتح شهية شركات السياحة العالمية لتنظيم رحلات جديدة، خاصة أن الصور والمشاهد التي نقلت عالميًا صنعت دعاية لا تقدر بالمال.