شهدت سوريا خلال الأسبوع الأخير حالتين منفصلتين استهدفتا فنانين سوريين في دمشق وريف حلب، تمثّلت الأولى في مقتل الفنانة ديالا صلحي الوادي داخل منزلها في حي المالكي بدمشق، والثانية في اعتداء جسدي ومعنوي على المطرب الشعبي عمر خيري خلال مشاركته في حفل زفاف بمدينة الباب شمالي البلاد. أثار الحادثان تفاعلًا واسعًا، مع اختلاف الأسباب المعلنة وراء كل منهما، فبينما حُدد السبب المُعلن في قضية ديالا على أنه سرقة، تم تحديد السبب الآخر على أنه اضطهاد وتعنيف. مقتل ديالا الوادي في دمشق تصدرت الأنباء في الساعات الأخيرة قضية ديالا الوادي ابنة الموسيقار صلحي الوادي، داخل منزلها في العاصمة السورية دمشق، وذلك بعد الحديث عن تعرضها لعملية سرقة انتهت بمقتلها داخل المنزل. واللافت في قضية ديالا أنها ليست الأولى من نوعها مع تكررها بعد استهداف عدد من الفنانين السوريين خلال أيام قليلة بينهم عمر خيري وتوفيق شيا في أحداث السويداء، وبحسب ما أُعلن تعرضت الفنانة لعملية سطو مسلح داخل منزلها في حي المالكي بدمشق. ووفق المعلومات الأولية، فقد طارد الجاني الضحية حتى مدخل منزلها، ثم اقتحم المكان ونفذ الجريمة، حيث استولى على مبالغ مالية ومصوغات ذهبية قبل أن يهرب إلى جهة غير معلومة حتى الآن. وتحمل ديالا الوادي الجنسيتين البريطانية والعراقية، وهي ابنة المايسترو والمؤلف الموسيقي العراقي الراحل صلحي الوادي، مؤسس المعهد العالي للموسيقى في دمشق، ووالدتها سينثيا كانت من أبرز المدرسات في المعهد. من جانبها، نعت نقابة الفنانين السوريين – فرع دمشق الفنانة الراحلة في بيان مقتضب جاء فيه: "تعازينا القلبية بوفاة الفنانة ديالا صلحي الوادي إثر سطو مسلح في منزلها. إنا لله وإنا إليه راجعون". أما فرع المباحث الجنائية التابع لوزارة الداخلية السورية، فتابع التحقيقات في الحادثة، ولم تصدر حتى الآن أي بيانات رسمية تكشف تفاصيل إضافية عن الجناة أو الدوافع. تعليق المرصد السوري من جانبه، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن مقتل الفنانة ديالا الوادي يعكس تفاقم معدلات الجريمة في العاصمة السورية، بما في ذلك المناطق التي يُفترض أنها خاضعة لتشديد أمني. وأشار المرصد، في بيانه، إلى أن الحادثة تندرج ضمن سياق تصاعد الجرائم الجنائية منذ بداية العام، حيث وثق مقتل 254 شخصًا في 228 جريمة، بينها 20 جريمة في العاصمة دمشق فقط، مطالبًا الجهات الرسمية بالإفصاح عن نتائج التحقيق وضمان العدالة للضحية. وبحسب إحصاءات المرصد حول الجرائم المرتكبة خلال العام الجاري، توزعت الحصيلة على النحو التالي: دمشق العاصمة: سجلت 20 جريمة، راح ضحيتها 22 شخصًا، بينهم 13 رجلًا و6 نساء و3 أطفال. ريف دمشق: شهد 18 جريمة أودت بحياة 19 شخصًا بينهم 17 رجلًا، وسيدة واحدة، وطفل. حلب: تم توثيق 16 جريمة خلفت 18 قتيلًا بينهم 15 رجلًا، وسيدة، وطفلان. حمص: بلغ عدد الجرائم فيها 11، سقط فيها 11 قتيلًا بينهم 8 رجال، وسيدتان، وطفل. حماة: تصدّرت المشهد ب25 جريمة راح ضحيتها 28 شخصًا، معظمهم من الرجال. اللاذقية: شهدت 16 جريمة أسفرت عن مقتل 17 شخصًا بينهم 15 رجلًا، وسيدة، وطفل. دير الزور: سجلت 26 جريمة خلفت 27 قتيلًا، بينهم 3 أطفال و4 نساء. إدلب: بلغ عدد الجرائم فيها 23 شخصا، أسفرت عن سقوط 25 ضحية بينهم 6 سيدات. درعا: كانت الأعلى من حيث عدد الضحايا، ب44 جريمة قتل أودت بحياة 52 شخصًا، بينهم 3 أطفال و6 سيدات. طرطوس: شهدت 6 جرائم راح ضحيتها 9 أشخاص بينهم 3 نساء. السويداء: سُجل فيها 20 جريمة قتل أسفرت عن 23 قتيلًا، بينهم 4 نساء. القنيطرة: سجلت جريمة واحدة راحت ضحيتها سيدة. الرقة: شهدت جريمتين قتل، سقط فيهما رجلان. المطرب عمر خيري في حادثة منفصلة، وقبل يومين بالتحديد، تعرض المطرب الشعبي عمر خيري لاعتداء أثناء مشاركته في حفل زفاف بمدينة الباب في ريف حلب السوري، حيث تم تداول قضيته بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي. وأظهرت مقاطع مصورة مجموعة من الشبان يوقفون خيري عن الغناء في زفاف، ثم يعتدون عليه بالضرب، ويحلقون شعره بالقوة، ويكتبون عبارات مهينة على وجهه باللون الأسود على جبينه وحول فمه، مع توجيه عبارات مسيئة وإجباره على ترديد شعارات سياسية موالية للإدارة السورية الحالية التي يرأسها أحمد الشرع. وتضاربت الروايات حول خلفية الاعتداء، حيث أشار بعض النشطاء إلى أن السبب يعود إلى مواقف سابقة للمطرب تُعتبر مؤيدة للنظام السوري، فيما ربط آخرون الحادثة بمواقف دينية أو أيديولوجية للمجموعة المعتدية تجاه الغناء. رد وزارة الداخلية السورية من جانبها، نفت وزارة الداخلية السورية على لسان المتحدث باسمها نور الدين البابا، أي علاقة لعناصر الأمن العام بالحادثة. والذي قال في تصريح صحفي: "ننفي بشكل قاطع ما يُتداول على مواقع التواصل حول تعرض مطرب شعبي للاعتداء من قِبل عناصر الأمن العام في مدينة الباب بريف حلب. لا علاقة لأي جهة أمنية بالحادثة المذكورة". وأضاف، نور البابا، أن الوزارة تواجه ما وصفها ب"حملات تضليل تهدف إلى تشويه صورة الأمن العام". ماذا قال المرصد السوري؟ أما المرصد السوري لحقوق الإنسان، فعلق على الحادثة، معتبرًا أن الاعتداء يمثل مؤشرًا خطيرًا على غياب الحماية القانونية للمواطنين، بمن فيهم العاملون في المجال الفني. وانتقد المرصد طريقة تعامل السلطات الأمنية السورية مع الحادثة، مشيرًا إلى أن التحقيقات والتحركات الرسمية لا تبدأ إلا بعد تداول القضية بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي. كما اعتبر أن ذلك يعكس أزمة ثقة بين المواطنين والجهات المسؤولة، في ظل ما وصفه بسياسة "التجاهل حتى الضجة". توفيق شيا وخلال الأحداث والاشتباكات المسلحة الأخيرة التي شهدتها مدينة السويداء جنوبي سوريا، قُتل المصمم الفني السوري توفيق شيا البالغ من العمر 64 عامًا. ويُعد شيا، من أبرز الوجوه الإبداعية في مجال التصميم الفني، وعُرف بشغفه بالطائرات الورقية التي حوّلها إلى منصات طائرة للتعبير عن رسائل ثقافية، فكانت طائراته تحمل صورًا للفنانة اللبنانية فيروز خلال حفلتها في دمشق عام 2008، وجداريات محمود درويش، ورسوم الفنان الفلسطيني ناجي العلي، لتحلّق فوق سماء المدن السورية كأعمال فنية رمزية. ولم تكن أعماله المذكورة سوى جزء من مسيرته، التي بدأت منذ تخرجه من كلية الفنون الجميلة في دمشق عام 1961، حيث قدم نماذج فنية غير تقليدية، من أبرزها تصميم لمنجنيق من وحي شخصية صلاح الدين الأيوبي، ونرجيلة صنعت من بقايا قنبلة وشاشة تلفاز مهشمة، عُرضت لاحقًا في أحد المتاحف الفرنسية. ولا تزال تفاصيل مقتله غير واضحة في ظل تصاعد التوترات الأمنية في السويداء، التي تشهد منذ أسابيع أعمال عنف متفرقة تسببت بمقتل مدنيين ونزوح عدد كبير من العائلات، من جانبها نعت الكاتبة السورية نهى سويد، شيا، ووصفت رحيله بالخسارة المؤلمة للمشهد الثقافي السوري، مشيدة بما وصفته ب"مسيرته الحرّة، وأفكاره التي كانت تحلق عكس الريح"، بينما لم تتضح الدوافع الحقيقية وراء مقتله حتى الآن.