استعرض النائب علاء مصطفى، عضو مجلس الشيوخ، خلال الجلسة العامة للمجلس اليوم الإثنين، برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، رئيس المجلس، طلب مناقشة مقدم منه، موجه إلى وزير الأوقاف الدكتور أسامة الأزهري، بشأن استيضاح سياسات الحكومة حول مكافحة التطرف الديني وتعزيز ثقافة التسامح في مصر في خضم التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم. وقال النائب، في طلب المناقشة: إن مصر تواجه تحديات جمة؛ لعل أبرزها ظاهرة التطرف الديني التي توثر بين الحين والآخر على السلم الاجتماعي والأمن القومي، مضيفًا: وفي الوقت ذاته، تشرق على أرض مصر حضارة عريقة تعرف بقيم التسامح والاعتدال، متجسدة في التعايش السلمي بين مختلف الأديان والثقافات على مر العصور. وأضاف مصطفى أن مكافحة التطرف الديني وتعزيز ثقافة التسامح في مصر مسؤولية جماعية تتطلب تضافر الجهود من مختلف فئات المجتمع ، بدءًا من الدولة ومؤسساتها، مرورًا بالمؤسسات الدينية والأزهر الشريف، ووصولاً إلى المنظمات المدنية والأفراد، فمن خلال العمل معًا يمكننا بناء مستقبل أكثر أمانًا وتسامحًا لجميع أبناء مصر، محافظين على هويتها الحضارية العريقة وقيمها النبيلة. وتابع النائب: تتجلى ظاهرة التطرف الديني في مصر بأشكال عديدة؛ منها التطرف الفكري الذي يقوم على تبني أفكار متعصبة تكفر المخالف وتبرر العنف باسم الدين، مضيفًا: كما يظهر التطرف السلوكي في صورة أعمال عنيفة أو تحريض على الكراهية. واستطرد مصطفى: تنبع جذور التطرف الديني في مصر من عدة عوامل متداخلة؛ نذكر منها الجهل الديني الذي يجعل البعض عرضة للتأثر بالأفكار المتشددة، مشيرًا إلى أن الفقر والبطالة بيئة خصبة لنمو الأفكار المتطرفة؛ خصوصًا بين الشباب، ويلعب الخطاب الديني المتطرف الذي يسيء فهم النصوص الدينية ويشجع على الكراهية والعنف، دورًا بارزًا في تغذية التطرف، ولا نغفل عن التأثيرات الخارجية لجماعات وتنظيمات متطرفة تسعى لنشر أفكارها في مختلف الدول. وأوضح النائب أنه لمواجهة التطرف وتعزيز التسامح، تبذل جهود كبيرة على عدة مستويات على الصعيد الحكومي، تنظم حملات توعوية للتصدي للخطاب المتطرف ونشر الوعي الديني الصحيح، مضيفًا: كما يتم تطوير المناهج الدراسية لتعزيز قيم التسامح واحترام الآخر، بالإضافة إلى محاربة المحتوى المتطرف على الإنترنت. وأشار مصطفى إلى أن وزارة الأوقاف تتخذ خطًّا أساسيًّا وثابتًا وواضحًا في مكافحة الفكر المتطرف وترسيخ قيم التسامح والعيش المشترك، وذلك من خلال العمل على محورَين؛ الأول: بناء نظرية فكرية في مواجهة التطرف، وذلك من خلال تصحيح المفاهيم ونشر الفكر الإسلامي الوسطي الصحيح من خلال ما يقرب من 370 مؤلفًا ومترجمًا إلى العديد اللغات الأجنبية المختلفة. والثاني: العمل الميداني؛ وذلك من خلال الدخول في صميم المواجهة، بتكثيف العمل الميداني والتحصين الفكري المباشر، لا سيما ما يتصل بتحصين النشء والشباب من الفكر المتطرف؛ من خلال مساجد الأوقاف والعلماء والأئمة المتميزين والواعظات المتميزات. وذكر النائب أن الأزهر الشريف اتخذ خطوات جادة لتجديد الفكر؛ ومنها مؤتمر تجديد الفكر والعلوم الإسلامية، الذي هدف إلى تصحيح المفاهيم التي حرفها المتطرفون وتفنيد آرائهم ودحض نظرياتهم، إضافة إلى مناقشة الغلو والتطرف والعوامل التي تؤدي إلى انتشارهما، كما تناول أسباب انتشار الإرهاب وخطورته على السلم والأمن العالمي، وترسيخ مفهومي المواطنة والتعايش السلمي، وذلك من أجل نشر ثقافة الاختلاف والتنوع والتعايش المجتمعي، مشيرًا إلى أن الأزهر الشريف سعى إلى إنشاء مرصد باللغات الأجنبية؛ لمكافحة الإرهاب والتطرف، والذي حقق وجودًا قويًّا ودورًا بارزًا في تصحيح المفاهيم المغلوطة التي تبثها الجماعات المتطرفة باستخدام كل الوسائل والتقنيات الحديثة. وأضاف مصطفى أن من أبرز الجهود المبذولة في هذا الأمر، ما تقوم به دار الإفتاء المصرية في كيفية معاجلة قضايا التطرف وقضايا الإرهاب؛ وجهوده في مواجهة الأفكار المتشددة، وفي سبيل ذلك دشنت دار الإفتاء المصرية مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة، عام 2014، وهو أداة رصدية وبحثية لخدمة المؤسسة الدينية باعتبارها المرجعية الإسلامية الأولى في مجال الفتوى، وتم تدشين مرصد الإسلاموفوبيا عام 2015، ويختص برصد ظاهرة الخوف من الإسلام ومعالجتها، وتقديم كل التصورات والتقديرات الضرورية لمواجهتها، وتصحيح المفاهيم والصور النمطية المغلوطة عن الإسلام والمسلمين في الخارج. وأكد النائب أن دور مكافحة التطرف لا يقتصر على المؤسسات الرسمية؛ بل يمتد ليشمل الأسرة والمجتمع، لافتًا إلى أن غرس قيم التسامح والاحترام للآخر في نفوس الأبناء منذ الصغر، ونشر ثقافة الحوار والنقاش البناء، من شأنه أن يحصن أفراد المجتمع ضد الأفكار المتطرفة. وأكد مصطفى أن تحقيق نجاح ملموس في مكافحة التطرف وتعزيز ثقافة التسامح، يتطلب اتخاذ خطوات عملية، من خلال تحسين جودة التعليم الديني ونشر الوعي الديني الصحيح، بالإضافة إلى تعزيز مهارات التفكير النقدي لدى الطلاب، ويعد تفعيل دور الإعلام عنصراً مهمًّا، سواء من خلال نشر ثقافة التسامح والاحترام للآخر، أو من خلال محاربة خطاب الكراهية، والتعاون الدولي في مكافحة والعنف على كل المنصات الإعلامية. وتابع النائب: "ولا يمكن إغفال أهمية التعاون الدولي في مكافحة التطرف الديني والإرهاب وتبادل الخبرات والمعلومات بين الدول، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الدولي، والذي من شأنه أن يضعف من قدرة الجماعات المتطرفة على الانتشار والتأثير." وأشار مصطفى إلى أن مكافحة التطرف الديني وتعزيز ثقافة التسامح مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الجميع؛ فمن خلال تضافر الجهود على كل المستويات يمكن بناء مجتمع مصري متسامح ومتعايش ينعم بالسلام والأمن والاستقرار.