في مثل هذا اليوم قبل 50 عامًا، في الثامن والعشرين من شهر سبتمبر لسنة 1970، رحل الزعيم الرئيس جمال عبد الناصر، تاركًا خلفه إرثًا وطنيًا كبيرًا وحلم بناء السد العالي. بهذه المناسبة، استرجع مصراوي ذكريات مجموعة من بناة السد العالي، ممن تعاملوا مع الرئيس الراحل أثناء فترة بناء المشروع الذي حمى مصر من أخطار الجفاف والفيضان، واختارته الهيئة الدولية للسدود كأعظم مشروع هندسي في القرن العشرين. عبدالناصر كان واحد منا فراج أبو الحسن أحمد (79 سنة)، قال لمصراوي: "بدأت العمل بالسد العالي عام 1961 في قسم الحقن، أحد أهم الأقسام في المشروع، ورغم الظروف الصعبة التي كنا نعمل فيها، والتي أدت إلى وفاة عدد كبير من زملائنا أمام أعيننا، إلا أننا كنا سعداء بالمشاركة في هذا المشروع القومي الكبير". وأضاف "فراج" أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان يتابع المشروع لحظة بلحظة "كنا نشاهده أثناء تفقده المشروع مرتديًا قميصًا وبنطالاً وكأنه من عامة الشعب، وأحيانًا كان يرتدى الملابس البلدية، وكان حريصًا على مشاركة العمال حماسهم، وكنا نشعر بسعادة بالغة عندما نشاهده يسير بيننا كأنه أحدنا". قفزت في النيل عشانه هذه أبرز ذكريات المهدي شاكر، أحد بناة السد العالي، والذي التحق بالعمل بعد أشهر قليلة من تخرجه بالمدرسة الثانوية الصناعية بأسوان. قال "المهدي"، لمصراوي، إن المصريين عملوا على كافة المركبات والمعدات بالسد، وأثبتوا كفاءة كبيرة أبهرت الروس أنفسهم. وأضاف: "كنت أول مصري يعمل على كراكة روسية، حيث كان العمل عليها مقتصر في البداية على الروس, وكانت كراكة عملاقة تعمل بواسطة 5 مولدات كهرباء بقدرة 6 آلاف فولت، وكانت غالية الثمن، يصل ثمنها إلى ربع مليون جنيه في هذا الوقت في مطلع الستينيات". وقد حصل "المهدي" خلال فترة عمله بالسد العالي على 4 ميداليات، أهداها لمتحف النيل. وعن لقائه الرئيس الراحل، ذكر "المهدي": "كنت أعمل على الكراكة العملاقة في إحدى مرات زيارة الرئيس جمال عبد الناصر للمشروع، احتفالاً بتحويل مجرى النهر. حينها نظر إلى وأشار لي مرحبًا فلم أشعر بنفسي إلا وأنا أقفز من الكراكة في النيل سابحًا في المياه حتى وصلت إليه وصافحني، ثم وجه لي الدعوة على العشاء معه في الاحتفال الذي أقيم وقتها في صحاري، ومنحني ميدالية من الطبقة الخامسة". ذكرى 100 من العمال سيد رضوان، عامل آخر شارك في هذا المشروع العظيم، روى لمصراوي كيف كانوا ينظرون إلى السد باعتباره مشروع حياة أو موت، فقال: "كنا نعمل ليل نهار وفي ظروف صعبة من أجل استكماله، مضحين بأغلى ما لدينا". وأضاف متذكرًا رفاقه الذين قضوا في بناء هذا المشروع الضخم: "لا أستطيع أن أنسى مشهد وفاة أكثر من 100 من زملائي، انهارت عليهم الصخور أثناء أحد التفجيرات بموقع العمل، ورغم ذلك واصلنا العمل حتى تم إنجاز مشروع السد". وقد كان "عم سيد" أحد المكرمين من الرئيس الراحل، ومنح أيضًا الميدالية الخاصة بمشروع السد العالي، ليختتم حديث الذكريات عن هذا المشروع ومؤسسه قائلاً: "بكيناه جميعًا يوم وفاته. حتى النساء والأطفال خرجوا في تجمعات كبيرة لوداع الزعيم جمال عبدالناصر".