الأزهر ينفي ما تم تداوله بشأن اقتراح وكيله بتشكيل لجان فتوى مشتركة مع الأوقاف    شعبة الخضروات: خلال الشهرين المقبلين سيحدث انخفاض في أسعار الليمون    النائب عاطف المغاوري: خلاف حول رفع الإيجار القديم 20 ضعفًا.. وطالبنا بشرائح    الحكومة الفلسطينية ترفض الآلية الإسرائيلية المقترحة لتوزيع المساعدات الإنسانية في غزة    تطورات وتفاصيل مهمة يكشفها موقع أكسيوس بشأن غزة ونووى إيران.. فيديو    باكستان: نريد السلام ولكنا سنتصدى لأي عدوان من جانب الهند    ردا على ضرب مطار بن غوريون.. النيران الإسرائيلية تشتعل في اليمن    ترامب: لست متأكدا مما يرغب رئيس وزراء كندا في مناقشته خلال اجتماع البيت الابيض    موعد مشاهدة مباراة الإياب بين باريس سان جيرمان وآرسنال في دوري أبطال أوروبا والقنوات الناقلة    الزمالك يستكمل اجتماع حسم مصير بيسيرو عصر اليوم    سقوط تشكيل عصابي تخصص في سرقة المواقع الانشائية بمدينة بدر    ضبط مبلط بتهمة الاعتداء الجنسي على طفل في المنيا بعد استدراجه بمنزل مهجور    هل يجوز الحديث مع الغير أثناء الطواف.. الأزهر يوضح    5 مرشحين لتدريب الزمالك حال إقالة بيسيرو    مدرب سيمبا: خروج الزمالك من الكونفدرالية صدمة كبرى فهو المرشح الأول للبطولة    الحكومة تصدر بيانا بشأن "البنزين المغشوش" في محطات الوقود    ارتفاع كبير ب400 للجنيه.. مفاجأة في أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة (محليًا وعالميًا)    رغم هطول الأمطار.. خبير جيولوجي يكشف أسباب تأخير فتح بوابات سد النهضة    موجة حارة.. بيان مهم ل الأرصاد يكشف طقس اليوم الثلاثاء 6 مايو (احذروا الشبورة)    تامر حسني ومصطفى حجاج يشعلان حفل زفاف رنا رئيس    الدولار ب50.63 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء 6-5-2025    العالم بعد منتصف الليل.. سلسلة انفجارات تهز حلب.. وقصف خان يونس (فيديو)    شريف فتحي يقيم مأدبة عشاء على شرف وزراء سياحة دول D-8 بالمتحف المصري الكبير    نائب وزير السياحة والآثار تترأس الاجتماع الخامس كبار المسؤولين بمنظمة الثمانية    محافظ الغربية: لا تهاون في مخالفات البناء.. واستعدادات شاملة لعيد الأضحى    سعر الخوخ والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الثلاثاء 6 مايو 2025    مؤتمر منظمة المرأة العربية يبحث "فرص النساء في الفضاء السيبراني و مواجهة العنف التكنولوجي"    فرط في فرصة ثمينة.. جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بعد تعادل نوتنجهام فورست    لتفادي الهبوط.. جيرونا يهزم مايوركا في الدوري الإسباني    قابيل حكما لمباراة سموحة والطلائع.. ومصطفى عثمان ل زد والاتحاد    "READY TO WORK".. مبادرة تساعد طلاب إعلام عين شمس على التخظيظ للوظيفة    التعليم توجه بإعادة تعيين الحاصلين على مؤهلات عليا أثناء الخدمة بالمدارس والمديريات التعليمية " مستند"    جموع غفيرة بجنازة الشيخ سعد البريك .. و"القثردي" يطوى بعد قتله إهمالا بالسجن    رابط النماذج الاسترشادية لامتحان الرياضيات التطبيقية لطلاب الثانوية العامة 2025    أرقام جلوس الثانوية العامة خلال أيام :تقليص عدد اللجان ومنع عقدها فى «مقرات الشغب» بالسنوات السابقة    مصرع طالب إثر انقلاب دراجة بخارية بقنا    وزير وفنان وطالب :مناقشات جادة عن التعليم والهوية فى «صالون القادة»    إيناس الدغيدي وعماد زيادة في عزاء زوج كارول سماحة.. صور    سفيرة الاتحاد الأوروبى بمهرجان أسوان لأفلام المرأة: سعاد حسنى نموذج ملهم    أصل الحكاية| ديانة المصريين القدماء.. حتحور والبقرة المقدسة بين الرمز والواقع    هجوم عنيف بمسيرات أوكرانية يستهدف موسكو ووقف الرحلات في 3 مطارات    "كتب روشتة خارجية".. مجازاة طبيب وتمريض مستشفى أبو كبير    احترس من حصر البول طويلاً.. 9 أسباب شائعة لالتهاب المسالك البولية    10 حيل ذكية، تهدي أعصاب ست البيت قبل النوم    رنا رئيس تتألق في زفاف أسطوري بالقاهرة.. من مصمم فستان الفرح؟ (صور)    4 أبراج «ما بتتخلّاش عنك».. سند حقيقي في الشدة (هل تراهم في حياتك؟)    رسميًا.. جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2025 بالجيزة (صور)    وكيله: عقد عطية الله مع الأهلي ينتهي بنهاية المونديال.. ولدينا عروض عربية    "كاميرا وروح" معرض تصوير فوتوغرافي لطلاب "إعلام بني سويف"    على مساحة 500 فدان.. وزير الإسكان يتابع الموقف التنفيذي ل "حدائق تلال الفسطاط"    تطور جديد في أزمة ابن حسام عاشور.. المدرس يقلب الموازين    ضبط طفل تحرش بكلب في الشارع بالهرم    جاي في حادثة.. أول جراحة حوض طارئة معقدة بمستشفى بركة السبع (صور)    هل ارتداء القفازات كفاية؟.. في يومها العالمي 5 خرافات عن غسل اليدين    أمين الفتوى يوضح حكم رفع الأذان قبل دخول الوقت: له شروط وهذا الأمر لا يجوز شرعًا    الإفتاء توضح الحكم الشرعي في الاقتراض لتأدية فريضة الحج    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



همام يغادر أمستردام.. حكايات مصريين على متن آخر رحلة لمصر من مطار سخيبول
نشر في مصراوي يوم 21 - 03 - 2020


انفوجرافيك - مايكل عادل:
على عكس جميع أنحاء هولندا، التي خلت تقريبًا من المارة؛ امتلأ مطار سخيبول -الواقع على أطراف العاصمة الهولندية أمستردام- بالحركة. الجميع في حالة تأهب، خطوات متسارعة لا تخلو من الحرص، ومحاولة البقاء على المسافات.
وجوه تحمل ملامح مختلفة، أسيوية، وأفريقية وحتى أوروبية، أغلبها مغطى بكمامات، فيما يقبض البعض الآخر على بيديه على زجاجات المطهرات الكحولية، لكن شيئًا ما وسط كل ذاك يجعل الأذهان شادرة وهو أن الجميع يريد أن العودة لأرض الوطن، قبل أن يصبح عالقًا في بلدٍ غريب.
داخل صالة المغادرة الثانية، بدأت الملامح تتوحد، ملامح مصرية خالصة تصطف أمام لافتة رقم 24، كانت مخصصة لتسجيل حضور ركاب آخر رحلات شركة مصر للطيران المتجهة إلى مطار القاهرة الدولي.
12 ظهرًا
عادل واللافتة رقم 24..
بين صفوف غير منتظمة، ومسافات غير متساوية، أمام مكاتب تسجيل التذاكر، وتسليم الحقائب؛ وقف "عادل" يجري مكالمة حاسمة مع زوجته مريم: "ينفع تاخدي زينة وتروحي تقعدي عند ماما اليومين دول"، ترد الزوجة بكلمات لم نسمعها، وكأنها تعترض، يردف عادل بعدها بمزيد من الحسم: "معرفش.. المهم إني أرجع ألاقي مفيش حد في البيت".. ثم يُغلق الخط.
عادل شاب ثلاثيني يعمل في هولندا لسنوات لا يحسب عددها، يخشى على زوجته وابنته من عدوى فيروس كورونا المحتملة، التي قد يحملها معه من هولندا، أو يكتسبها من حركته بين المطارات.
كان عادل يعود إلى أسرته الصغيرة كل عام في الإجازات الصيفية، لكن عودته هذه المرة جاءت فجأة بغير ميعاد، بعد أن علم بقرار تعليق حركة الطيران في جميع المطارات المصرية بدءًا من الخميس 19 مارس: "مفكرتش.. سيبت شغلي وشقتي وكل حاجة ورجعت على أول طيارة".
كان يخشى على أهل بيته من الإصابة في غيابه، ويخشى على نفسه من المرض في بلد غريب "أنا معرفش أنا ممكن أرجع تاني إمتى، بس الأصعب كان إني معرفش أقدر أسافرلهم إمتى".
سهل عليه هذا القرار، توقف الحياة بشكل جزئي في هولندا، وإغلاق أغلب المؤسسات والمطاعم قبل أيام معدودة، حتى الأيام الأولى من شهر أبريل بشكل مبدئي، في محاولة من الحكومة الهولندية لمحاصرة المرض.
عاد "همام من أمستردام" وهو لا يعرف متى يمكنه العودة.. كان عادل واحدًا من بين عشرات يسلمون حقائبهم، للمغادرة على متن طائرة مصر للطيران، والذين سافروا إلى هولندا لأسباب اختلفت، بين العمل والدراسة والسياحة.
الواحدة ظهرًا..
حسين إلى البوابة G02
اختلطت الجموع والجنسيات من جديد، وتجاوزت حاجز أقسام شركات الطيران، من أجل التوجه إلى البوابات، ولكن قبل الوصول إليها كان على حسين - شاب بالكاد تجاوز العشرين من عمره - المرور على ضباط الجوازات، للحصول على تأشيرة الخروج.
بين صفوف المسافرين من جميع الجنسيات، بدى على حسين الحرص، ظلْ باقيًا على القناع الأبيض متعدد الطبقات فوق وجهه، وحريصًا على المسافة التي بينه وبين الذي يسبقه، وبدى عليه الضيق من قرب من خلفه منه.
حاول ضباط الجوازات ذو الملامح الأوروبية تكثيف تواجدهم، للتقليل من أعداد الصفوف، وإنهاء الإجراءات سريعًا، وخلال دقائق تجاوز حسين قسم الجوازات، وشقّ طريقه صوب البوابة G02.
جلس حسين على أحد المقاعد يتذكر، كيف انقلبت الدنيا رأسًا على عقب خلال بضعة أيام، قبل ثلاثة سنوات أرسله والديه إلى هولندا على نفقتهم الشخصية، لتحقيق حلمه بدراسة الهندسة، بعد أن حصل على شهادة الثانوية العامة "بالطبع الدراسة هنا أفضل" يقول حسين.
منذ أقل من أسبوع تلقى حسين وزملائه رسالة عبر البريد الإلكتروني من الجامعة، كانت تمنحهم من خلالها إجازة حتى السادس من أبريل المقبل، قرار وضع حسن وذويه في مصر في حيرة من أمرهم، في البداية طلبوا منه البقاء في المنزل، وعدم النزول إلا للضرورة.
استجاب حسين "لكن الحياة كانت ماشية هنا في هولندا ومفيش تغيير.. لحد أول الأسبوع"، فجأة أغلقت جميع المتاجر، والمطاعم، وخلت الشوارع من البشر، وبعدها بساعات قليلة، جاء قرار تعليق حركة الطيران إلى مصر منذ التاسع عشر من مارس.
خرج رئيس الوزراء الهولندي -وقتها- في خطاب تلفزيوني، بتصريحات أثارت قلق الشعب الهولندي والمغتربين ومنهم "حسين"، كان ملخصها "أن أغلب الهولنديين سوف يصابون بفيروس كورونا.. وأن أولوية الحكومة الهولندية هي حماية المسنين والمرضى بالفعل بكورونا".
وقتها، لم يتردد حسين في اتخاذ القرار "لو تعبت أتعب وسط أهلي أحسن ما أتعب لوحدي".
قرار قد يُكلف حسين عدم القدرة على العودة إلى هولندا مرة أخرى، خاصة مع اقتراب موعد الامتحانات، لكن المشهد كان له وجه آخر "اللي بيتعب هنا في هولندا مش بيدخلوه المستشفى.. بيقولوله اقعد في البيت".
الثانية ظهرًا
مجدي وكمال في صالة الانتظار..
داخل صالة انتظار قيام الرحلات بمطار سخيبول، تناثرت الوجوه المصرية على مقاعد متباعدة تجنبًا للعدوى، كان من بينهم الكابتن كمال والمهندس مجدي، اللذان جلسا في مقاعد متقابلة، لا يجاور كل منهما الآخر.
كانت رحلة الكابتن كمال في هولندا قصيرة نسبيًا، رغم أنه كان ينوي الاستقرار والعمل مع شقيقه الذي يحمل الجنسية الهولندية في التجارة بفرش السيارات، إلا أنه قرر أن ينهي تلك الفترة سريعًا، ويعود إلى مصر بعد 5 أشهر فقط.. "أوروبا مبقتش زي زمان".
أمضى الضابط البحري عمره في جولات حول العالم، فالسفر في حد ذاته لم يكن غاية بالنسبة له، لكنه كان يبحث عن النجاح بعد التقاعد، وبعد 5 أشهر فقط، وبعد اندلاع أزمة فيروس كورونا، وجد كمال نفسه أمام خيار واحد، ألا وهو العودة "لو حصلي حاجة هنا غير لما يحصلي في مصر.. هنا كل واحد في حاله، مفيش لا جار ولا زميل هيشيلني.. في مصر أنا عالأقل في حضن ولادي".
في المقابل؛ جلس المهندس مجدي، يتلقى اتصالات هاتفية متتالية، من الشركة التي يعمل بها في مصر تارة، والشركات التي كان من المفترض أن يزورها في هولندا تارة أخرى.
كان في رحلة عمل قصيرة، تمتد ل 6 أيام بهولندا، ويتبعها رحلة أخرى إلى ألمانيا، لم تمض منهم سوى 3 أيام فقط، وتبدلت كل الخطط.
صدر قرار تعليق حركة الطيران في المطارات المصرية، قررت الشركة الحجز فورًا والإعداد لعودته، لم تتحمل الشركة فكرة مخاطرة بقاءه في هولندا بميزانية محدودة، حتى فتح المجال الجوي مرة أخرى، حتى وإن كان لم يتعاقد سوى على ماكينة واحدة، من ثلاث ماكينات كان من المفترض أن ينهي عقود شرائهم.
كانت هذه هي المرة السابعة للمهندس مجدي في هولندا، وكانت أمستردام في تلك الأيام القليلة كما لم يشاهدها من قبل، مدينة خاوية منطفئة الأضواء، بعد أن كانت شوارعها تعج بالأفواج من البشر كموسم الحجيج، بحسب وصفه.
يعود مجدي بذاكرته للوراء ويبتسم، ثم يقول "أنا كان ممكن مسافرش أصلا، اتأخرت عالطيارة في مصر، ووصلت على آخر لحظة"، ورغم الحزن الذي يشعر به مجدي لإخفاق رحلته التي بدأ يخطط لها منذ شهرين، كان يعلم أن قرار الشركة بعودته كان صائبًا "محدش عارف الخير فين".
الثانية والنصف
النداء الأخير للرحلة MS 758..
لم يتحرك محمود ورفاقه من مقاعدهم في ساحة الانتظار، رغم اصطفاف أغلب المسافرين، وبدء الركاب بصعود الطائرة، "مش هنقف في طوابير مع الناس هنستنى لما الناس تطلع". هكذا اتفق الرفاق.
وصل محمود مع مجموعة من رفاقه إلى هولندا في بداية الأسبوع، لقضاء عطلة تابعة لأحد برامج شركات السياحة، "الفيزا إللي كانت معانا شهر.. كنا ناويين نطول هنا شوية"، ولكن بعد يومين من وصولهم، تبدل شكل "أمستردام"، وتحولت من مدينة سياحية، مكتظة بالمحلات والمطاعم والعلامات التجارية الشهيرة، إلى مدينة مغلقة، لا يعمل بها سوى خدمة الديليفري إن وجدت.
لم يكن قرار العودة سهل على محمود ورفاقه، أخذتهم بساطة المدينة العريقة، وسائل المواصلات السهلة كالدراجات، والمساحات الخضراء على مرمى البصر، كانت فزاعة الكورونا في نظرهم مبالغ فيها، "فيروس 3% بيموتوا منه.. زي ما البرد أحيانًا ناس بتموت منه.. نسبة حوادث الطرق عندنا أكتر".
لكن قرار وقف حركة الطيران بدل رأيهم "ما أهه أنا مينفعش أكسر فيزا.. ويوم زي 10.. وأديني وفرت فلوس".. هكذا أصبح رأي محمود ورفاقه في النهاية.
على متن الطائرة، ولمدة 4 ساعات ونصف هي مدة الرحلة، التزم خلالها طاقم الطائرة بجميع الإجراءات الاحترازية، من ارتداء الأقنعة والقفازات الطبية، اكتست جميع الوجوه بالوجوم، بين حزن على خطط تبدلت، وخوف من خطر المرور بالمطارات في تلك المرحلة، وقلق على تركوه خلفهم من مصالح ومتاع وأحلام، وأهل سيشاركونهم الخطر بعد العودة لمدة 14 يوم، في عزلة اختيارية، تحسبًا لظهور علامات الإصابة بكورونا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.