أسبوع يفصلنا عن القمة ال40 لقادة مجلس التعاون الخليجي المُزمع انعقادها في العاصمة السعودية الرياض، وهي القمة الثالثة على التوالي التي تُعقد على وقع الخلاف الذي ينخر في الكيان الخليجي، مع استمرار المقاطعة التي تفرضها دول السعودية والإماراتوالبحرين ومصر على قطر لأكثر من عامين، وسط بوادر حلحلة تلوح في الأفق وتُنبئ بانفراجة قريبة لطيّ صفحة الخلاف. كانت الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب (مصر والسعودية والإماراتوالبحرين) قطعت علاقاتها مع قطر منذ 5 يونيو 2017، على خلفية دعمها وتمويلها الإرهاب وتدخّلها في الشؤون الداخلية للدول، وهو الأمر الذي تنفيه الدوحة. ومنذ ذلك الحين، لم يجتمع العاهل السعودي وأمير قطر في أي قمة خليجية، لكنهما شاركا في أعمال قمة جامعة الدول العربية التي انعقدت في 31 مارس الماضي في تونس. مؤشرات إيجابية والقمة المُرتقبة هي تاسع قمة خليجية اعتيادية تستضيفها الرياض منذ نشأة المجلس. وتأتي فيما تلوح في الأفق مؤشرات باقتراب حل الخصومة الخليجية بين قطر من جانب والسعودية والإماراتوالبحرين من جانب آخر، لاسيّما مع مشاركة الدول الثلاث في بطولة كأس الخليج العربي "خليجي 24" المُقامة في الدوحة خلال الفترة من 24 نوفمبر وحتى 6 ديسمبر الجاري. في وقت سابق من الشهر الماضي، نقلت وكالة "بلومبرج" الأمريكية عن مسؤول خليجي وصفته بالمُطلع قوله، إن الجهود الرامية لحل الأزمة تكتسب زخمًا جديدًا، مُشيرًا إلى أن جهود الوساطة تركز حاليًا على إصلاح العلاقات بين قطر والسعودية، على أن يتم إصلاحها مع الإمارات لاحقًا. في السياق ذاته، أكّد نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله، الاثنين، أن هناك مؤشرات إيجابية ل"طيّ صفحة الخلاف بين الأشقاء"، حسبما نقلت وكالة الأنباء الكويتية (كونا). وبينما لم يتحدّث المسؤول الكويتي-الذي تقوم بلاده بدور الوساطة في الأزمة الخليجية- تفصيليًا عن تلك المؤشرات، اعتبر أن "اجتماع أبناء الخليج في بطولة (خليجي 24) بالدوحة، بالإضافة إلى تحديد موعد للقمة والاجتماع الوزاري في 9 ديسمبر الجاري الحالي هو حتمًا مؤشر إيجابي"، على حد وصفه. كما أعرب الجارالله عن أمله في أن يكون التمثيل في القمة الخليجية في أعلى مستوى، لتكون قمة الرياض "طريقًا لعودة القمم الخليجية كما كانت". وهو الأمر الذي أعرب عنه الأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني، إذ قال: "أثق القمة الخليجية ال40 ستخرج بقرارات بنّاءة تعزز من اللُحمة الخليجية، وتُعمّق الترابط والتعاون والتكامل بين الدول الأعضاء وترسخ أركان هذا المجلس المبارك"، على حد تعبيره. وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في تقرير سابق لها أن وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني أجرى زيارة غير مُعلنة إلى الرياض الشهر الماضي للقاء كبار المسؤولين السعوديين، وهو ما عدّته الصحيفة "مؤشراً لنجاح الجهود الحثيثة التي بُذِلت حتى الآن لإنهاء الخلاف الخليجي". ونقلت الصحيفة عن مسؤولين عرب وأمريكيين قولهم إن الوزير القطري قدّم عرضًا مُفاجئًا لإنهاء الخلاف أثناء وجوده في الرياض، يتمثل في "استعداد الدوحة لقطع علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين المصنّفة إرهابية"، وهو الأمر الذي من شأنه تلبية أحد مطالب دول الرُباعي العربي لإنهاء مقاطعتهم المفروضة على قطر. والعام الماضي، كشف وزير الخارجية القطري أن مُباحثات سعودية كويتية تُجرى لحل الأزمة، غير أن "الموقف الواضح يُشير إلى أنه لا يوجد تقدّم في موقف الدول المُقاطعة لحل الخلاف القائم، فيما تحافظ قطر على موقفها وتدعم الوساطة الكويتية"، بحسب قوله. وقال في مقابلة مع الفاينانشال تايمز البريطانية، ديسمبر الماضي: "لا يوجد تقدم حتى الآن مع المقاطعة، وأي بادِرة نحو المصالحة يجب أن تأتي أولاً من الدول المُقاطعة لقطر، خاصة من المملكة العربية السعودية". دعوتا أمير قطر بالرغم من قطع دول الرُباعي العربي علاقتهم الدبلوماسية والتجارية مع قطر، التزمت السعودية بالأعراف والتقاليد البروتوكولية وحرصت على دعوة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد رسميًا لحضور القمة الخليجية ال39 التي استضافتها العام الماضي بعد اعتذار سلطنة عمان عن استضافتها، والقمة ال40 المُزمع أن تحتضنها هذا الشهر. وكان من المقرر أن تُعقد القمة الخليجية ال40 في الإمارات، لكنها طلبت أن تُعقد في السعودية دون أن تُفصح عن الأسباب. ويُعتقد أن الرياض دفعت باتّجاه استضافة القمة بدلًا من الإمارات لتعزيز احتمالات مشاركة أمير قطر شخصيًا، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس" عن المحلل الإقليمي والبروفسور في جامعة "كينجز كولدج" في لندن أندرياس كريج. والعام الماضي، وجّه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز دعوة رسمية إلى أمير قطر لحضور القمة ال39، لكنه لم يُلبِ الدعوة واقتصر تمثيل بلاده في هذه القمة على مستوى "وزير دولة فقط"، إذ تم إيفاد وزير الدولة للشؤون الخارجية سلطان بن سعيد المريخي ليرأس الوفد القطري في القمة. الأمر الذي أثار حفيظة وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، الذي انتقد عدم حضور أمير قطر للقمة، وغرّد وقتذاك عبر تويتر: "كان يجب أن يقبل أمير قطر المطالب العادلة (لدول المقاطعة) وأن يحضر القمة". وقبل أيام من القمة الخليجية ال40، أعلنت الدوحة أن أمير قطر تلقى دعوة من العاهل السعودي للمشاركة في قمة الرياض. وأفادت وكالة الأنباء القطرية الرسمية "قنا" بأن الشيخ تميم بن حمد ثاني تلقى "رسالة خطية" من الملك سلمان تضمنت دعوة لحضور اجتماع الدورة ال40 للمجلس، تسلّمها وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، خلال استقباله أمين عام مجلسي التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني. ولا يُعرف حتى الآن مستوى التمثيل القطري للقمة الخليجية هذا العام. شهدت القمة الخليجية التي استضافتها الكويت عام 2017، غياب قادة السعودية والإماراتوالبحرين وكذلك سلطنة عُمان، بينما حضرها أمير قطر وأمير الكويت، بالإضافة إلى وفود على مستوى الوزراء من باقي الدول. ملفات القمة ال40 تُعقد قمة الرياض ال40 برئاسة خادم الحرمين الشريفين، ويُتوقع أن تبحث عددًا من الموضوعات المهمة لتعزيز مسيرة التعاون والتكامل بين الدول الأعضاء في مختلف المجالات السياسية والدفاعية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وبحث التطورات السياسية الاقليمية والدولية والأوضاع الأمنية في المنطقة وانعكاساتها على الأمن والاستقرار، حسبما أعلن الأمين العام للمجلس عبداللطيف بن راشد الزياني. فضلًا عن بحث سبل مواجهة التهديدات لدول المجلس، ومسار السياسة الدفاعية لدول الخليج الست القائمة على "مبدأ الأمن الجماعي المتكامل والمتكافل لغرض الدفاع عن كيان ومقومات ومصالح دول المجلس وأراضيها وأجوائها ومياهها الإقليمية، وتأكيد المبادئ التي تضمنتها اتفاقية الدفاع المشترك بين دول المجلس". ويُتوقع تأكيدها على"مواقف الدول الأعضاء بشأن العلاقات مع إيران، وضرورة التزام الأخيرة بالأسس والمبادئ الأساسية المبنية على ميثاق الأممالمتحدة ومواثيق القانون الدولي ومبادئ حُسن الجوار، واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها، وإيقاف دعم وتمويل وتسليح المليشيات والتنظيمات الإرهابية". وفي الوقت نفسه، يُنتظر أن تصادق القمة ال40 على تعيين وزير المالية الكويتي السابق نايف الحجرف رسميًا لمنصب أمين عام مجلس التعاون الخليجي، ليكون الأمين العام الكويتي الثاني في تاريخ المجلس بعد أول أمين عام عبدالله بشارة. كما سيخلف الأمين العام الحالي البحريني عبداللطيف الزياني بعد اعتذار سلطنة عُمان عن ترشيح أمين عام للمجلس. ويضم المجلس الخليجي الذي تأسّس في 25 مايو 1981، كلًا من السعودية وعمانوالإماراتوالكويتوالبحرينوقطر.