انتشرت في الآونة الأخيرة مناقشات جدلية كثيرة حول مواقف لبعض المشاهير تم "فضحها" على وسائل التواصل الاجتماعي سواء عن طريق فيديو مسرب أو صورة أو غير ذلك، وتطورت تلك المناقشات للحكم على أصحابها سواء بصفات أخلاقية أو بالمطالبة بضرورة أن ينالوا عقوبات على سلوكهم، فهل يعد الحديث عن معاصي وذنوب الآخرين تتبعًا لعورات المسلمين؟ أم يعتبرون هم مجاهرون بمعصية؟ وما معنى المجاهرة بالمعصية؟ حاور مصراوي في ذلك الأستاذ الدكتور مختار مرزوق عميد كلية أصول الدين جامعة الأزهر بأسيوط سابقًا، وأجابنا على النحو التالي: * هل يعد الحديث عن معاصي وذنوب الآخرين تتبعًا لعورات المسلمين؟ أم يعتبرون هم مجاهرون بمعصية؟ وما معنى المجاهرة بالمعصية؟ يحرم على الإنسان إذا كان وقع في معصية أن يجاهر بها، فإن المجاهرة بالمعصية تعتبر من الكبائر، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين" وإن من المجاهرة أن يكون الرجل قد عمل عملًا بالليل ثم يصبح فيكشف ستر الله عنه، ومن هنا يجب على الإنسان إذا وقع في معصية أن يستر نفسه، لذا قال أبو بكر الصديق لرجل من الصحابة وقع في معصية: استر على نفسك، وتب، ولا تخبر بذلك أحدًا. فيجب على الإنسان المسلم ألا يتتبع عورات الآخرين ويفضحهم، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو بينه وبين أصدقاءه أو على الفضائيات أو الجرائد، وهي تعد من الكبائر التي يرتكبها كثير من الناس دون اكتراث، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم منها قائلًا: "يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ". ومن هنا فإننا نوصي من يدخلون على مواقع التواصل الاجتماعي ومن يتكلمون في الفضائيات ويكتبون في الجرائد ألا يتبعوا عورات الناس ويشهروا بهم سواء كانوا من المشاهير أو من غير المشاهير، فلابد أن يعلم الإنسان انه بمجرد ما يكتب ما يشين او يعيب شخص آخر فانه قد سلم حسنات التي قام بها لغيره، قال تعالى: "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ"، فالشر الذي نراه هو ما قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟" قَالُوا : "الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ" ، فَقَالَ : "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ". فالعاقل لا يكثر الخصوم الذين يختصمون معه يوم القيامة عند الله عز وجل ويأخذون حقوقهم كاملة لأن الله تعالى يقول: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا". * لكن هل الحديث عن الفضائح المعلنة أو المنشورة عن الآخرين وتبادل الأحكام عنها سلوك طبيعي أم خاطئ؟ إذا كان الإنسان قد قبض عليه من الشرطة ويحاكم أمام القضاء فهو بريء حتى تثبت إدانته، لكن إذا كان حكم نهائي فلا مانع أن يقول الإنسان فلان حكم عليه بكذا وكذا، أما مجرد الاتهام فليس دليلًا على أن يتناول الإنسان الآخرين بالفضيحة. وإن كان الدليل موجودا؟ بالفيديو أو الصور كما نراها على مواقع التواصل؟ معظم الفيديوهات التي نراها على مواقع التواصل والصور مفبركة وهي تقطع وتلصق لتشويه سمعة الناس، وفيها اقتطاع للأحاديث وطمس للحقائق، ويستخدمها البعض لتجريح الناس الذين هم خصوم لهم سواء كانت خصومة سياسية أو رياضية أو غير ذلك، وفي وقت سابق كان إحدى البرامج يقدمها بشكل دائم في مصر وكان مرفوضًا من المجتمع. فمن يتحدث في هذه الأمور؟ المسئول هو الذي يتكلم، أما الرجل العادي فلا، والقرآن يقول في وصف أهل النار: "وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ" في سورة المدثر، ومعناها أنه إذا خاض الناس في الفواحش والمنكرات عن الآخرين فإنهم يخوضون في هذا الأمر دون أن يتثبت ودون أن تكون له روية، ونحن لدينا آية في القرآن تأمرنا أمرًا جازمًا بالتثبت: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ". وكثير من الناس، خاصة على مواقع التواصل، يقرأ نصف الخبر ولا يقرأ باقيه، ثم يسب كاتب الخبر. ولابد أن يتثبت أولًا لأن كل ما نال الآخرين منه سب أو شتم أو قذف أو تشهير سوف يؤخذ من حسناته يوم القيامة، وما على الإنسان إذا ما ترك هذه الأشياء والتزم بما قاله النبي: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. ولابد أن يلتزم الإنسان الأخلاق العالية في الحديث عن الآخرين، فكم رأينا من قضايا اتهم فيها الناس بالفواحش وبالسرقات المالية وما غير ذلك وبرأهم القضاء بعدما اضرت الشائعات بسمعتهم وبأسرهم، وكثير من هذه القضايا كان لا أساس لها من الصحة وإنما أخذت بالاتهام وليس باليقين.