انتهاء الاختبارات العملية والشفوية لطلاب كلية العلوم الرياضية    المجمعات الاستهلاكية تستقبل المواطنين اليوم الجمعة حتى هذا الموعد    ضمن أعمال الموجة 26.. إزالة 13 حالة مخالفة بناء بمدينة الطود بالأقصر    المشاط: الاستقرار الاقتصادي ضرورة لدفع النمو لكنه لا يكفي بدون إصلاحات لتمكين القطاع الخاص    وزير الإسكان: تشغيل المرحلة الثانية جزئيا من محطة مياه القاهرة الجديدة    40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة فى المسجد الأقصى    جامعة هارفارد تقاضى ترامب بعد إلغائه حقها فى تسجيل الطلاب الأجانب    جوارديولا: مواجهة فولهام معقدة.. وهدفنا حسم التأهل الأوروبى    قمة الأهلي والزمالك.. حقيقة رحيل الرمادي.. صلاح مهدد.. ومعجزة بيراميدز| نشرة الرياضة ½ اليوم    حريق هائل بمخزن كاوتش بأحد قرى الدقهلية    علم الوثائق والأرشيف.. أحدث إصدارات هيئة الكتاب    خدمة جديدة في بنك الدم باستخدام MCS+ بمجمع الإسماعيلية الطبي    بينها عيد الأضحى 2025.. 13 يوما إجازة تنتظر الموظفين الشهر المقبل (تفاصيل)    وفاة موظفة بديوان عام محافظة المنيا صدمتها سيارة    ضبط مدير مسئول عن شركة إنتاج فنى "بدون ترخيص" بالجيزة    ننشر مواصفات امتحان العلوم للصف السادس الابتدائي الترم الثاني    البريد المصري يحذر المواطنين من حملات احتيال إلكترونية جديدة    "طلعت من التورتة".. 25 صورة من حفل عيد ميلاد اسماء جلال    قصور الثقافة تعرض مسرحية تك تك بوم على مسرح الأنفوشي    خطيب المسجد النبوى يوجه رسالة مؤثرة لحجاج بيت الله    الأهلي يجهّز ملف شامل للرد على شكوى بيراميدز بالمحكمة الرياضية    أخبار الطقس في السعودية اليوم الجمعة 23 مايو 2025    منها «استقبال القبلة وإخفاء آلة الذبح».. «الإفتاء» توضح آداب ذبح الأضحية    القاهرة الإخبارية: الاحتلال استهدف أهالي حاولوا الوصول إلى شاحنات المساعدات    محافظ الجيزة: الانتهاء من إعداد المخططات الاستراتيجية العامة ل11 مدينة و160 قرية    غدًا.. جلسة عامة لمناقشة مشروع قانون تعديل بعض أحكام "الشيوخ"    "فيفا" يعلن استمرار إيقاف القيد عن 7 أندية مصرية.. ورفع العقوبة عن الزمالك بعد تسوية النزاعات    استمرار تدفق الأقماح المحلية لشون وصوامع الشرقية    انطلاق قافلة الواعظات للسيدات بمساجد مدينة طلخا في الدقهلية    أرني سلوت ينتقد ألكسندر أرنولد بسبب تراجع مستواه في التدريبات    شرطة الاحتلال تعتقل 4 متظاهرين ضد الحكومة بسبب فشل إتمام صفقة المحتجزين    أسعار الحديد والأسمنت اليوم فى مصر 23-5-2025    وفد الصحة العالمية يزور معهد تيودور بلهارس لتعزيز التعاون    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 137 مخالفة لمحلات لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    "بئر غرس" بالمدينة المنورة.. ماء أحبه الرسول الكريم وأوصى أن يُغسَّل منه    الدوري الإيطالي.. كونتي يقترب من تحقيق إنجاز تاريخي مع نابولي    الحوثيون يعلنون استهداف مطار بن جوريون بصاروخ باليستي    صلاح يتوج بجائزة أفضل لاعب في البريميرليج من «بي بي سي»    غلق كلي لطريق الواحات بسبب أعمال كوبري زويل.. وتحويلات مرورية لمدة يومين    رئيس بعثة الحج الرسمية: وصول 9360 حاجا من بعثة القرعة إلى مكة المكرمة وسط استعدادات مكثفة (صور)    رمضان يدفع الملايين.. تسوية قضائية بين الفنان وMBC    الخارجية: الاتحاد الأفريقى يعتمد ترشيح خالد العنانى لمنصب مدير عام يونسكو    الأمين العام للأمم المُتحدة يعلن تعيين ياسمين فؤاد أمينة تنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر    ضبط 379 قضية مخدرات وتنفيذ 88 ألف حكم قضائى فى 24 ساعة    الهلال يفاوض أوسيمين    يدخل دخول رحمة.. عضو ب«الأزهر للفتوى»: يُستحب للإنسان البدء بالبسملة في كل أمر    «التنظيم والإدارة» يبحث مع «القومي للطفولة» تعزيز التعاون في مراجعة الهيكل التنظيمي للمجلس    رئيس الأركان الإسرائيلي يستدعي رئيس «الشاباك» الجديد    المشروع x ل كريم عبد العزيز يتجاوز ال8 ملايين جنيه فى يومى عرض    بسمة وهبة ل مها الصغير: أفتكري أيامك الحلوة مع السقا عشان ولادك    جامعة القاهرة تعلن عن النشر الدولى لأول دراسة بحثية مصرية كاملة بالطب الدقيق    زلزال بقوة 6.3 درجة يهز جزيرة سومطرة الإندونيسية    دينا فؤاد تبكي على الهواء.. ما السبب؟ (فيديو)    موعد نهائي كأس أفريقيا لليد بين الأهلي والزمالك    نموذج امتحان مادة الmath للصف الثالث الإعدادي الترم الثاني بالقاهرة    أدعية مستحبة في صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    خدمات عالمية.. أغلى مدارس انترناشيونال في مصر 2025    جانتس: نتنياهو تجاوز خطًا أحمر بتجاهله توجيهات المستشارة القضائية في تعيين رئيس الشاباك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لميس الحديدي تكتب: صاحبة الجلالة.. وأنا
نشر في مصراوي يوم 04 - 02 - 2019

قبل أن أبدأ أولى كلماتي يجب أن أشكر زملائي في موقع مصراوي لاستضافة قلمي وسط جمع من الصحفيين وكتاب الرأي الذين أكن لهم الكثير من الاحترام.
و أخص بالشكر زميل الطريق مجدى الجلاد الذى رافقني لحظات السعادة والقلق والكفاح على مدار سنوات طويلة، وكان دومًا أمينًا على مقالاتي ب«المصرى اليوم» حين شغل رئاسة تحريرها في أزهى عصورها الصحفية.
ونبدأ المشوار من جديد:
أستسمح القارئ العزيز لأبدأ كتاباتي بمقال شخصي جدا (عود بعده للشأن العام)، مقال اعتذاري للقلم الذي شغلت عنه ولم يهجرني، لكن عذري أنني لم أتخل يوما عن مهنتي التي تعلمتها وعشقتها ونذرت حياتي العملية لتحقيقها بالكتابة أو على الشاشة.
في كل الأحوال، وتحت كل الأضواء كنت دائما صحفية. في بطاقة الرقم القومي المهنة: صحفية. في جواز السفر المهنة: صحفية. لم أغيرها أبدا لوصف آخر. فقد كنت ومازلت أعتبرها من أشرف وأسمى المهن، رغم التعثر والسهام الموجهة لها ولمزاوليها، وكم كان فخرى وسعادتي بقيدي في نقابة الصحفيين المصرية. يومها شعرت أنني على أعتاب تحقيق الحلم الكبير: بلاط صاحبة الجلالة. ثلاثون عاما وأكثر من الدراسة والعمل والجهد والمثابرة والمنافسة الشرسة، لا أذكر أنني توقفت خلالها يوما عن التعلم، أو أن حوارا جاءني بمحض الصدفة. فكلمة الحظ لم تكن أبدا صديقتي، إلا في أساتذتي الذين عاصرتهم وعلموني.
هل كان ذلك الحلم الأول؟ في الواقع لا. فالعائلة صوتها صدح في الإذاعة المصرية منذ بداياتها من الرائد عبد الحميد الحديدي أول رئيس للإذاعة المصرية، إلى عمى حسنى الحديدي كبير المذيعين في الستينيات، وبعدهما هالة الحديدي والراحل فاروق شوشة. الحلم إذن كان الإذاعة، لكنه تغير عند التحاقي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وكتابتي لأول موضوع صحفي في جريدة الجامعة «القافلة» التي ترأست تحريرها فيما بعد، هناك اكتشفت عشقي الحقيقي: الصحافة. ربما كان تمكني من اللغة العربية عاملا مساندا، فوالدي د. علي الحديدي كان أستاذا للأدب العربي الحديث في الجامعات المصرية والعربية، وعضوا بمجمع اللغة العربية، بمعنى أنه لم يكن مسموحا لنا أن نخطئ في الإعراب أو أن تكون مخارج ألفاظنا غير واضحة، وكنا نقرأ الأدب والشعر ونختلط بأصحابهما في بيتنا كما نقرأ الصحافة اليومية ونقابل أهلنا. أحببت العربية، مع إتقاني لغات أخرى، لكنني عشقت مهنة البحث عن الحقيقة.
لا أذكر جيدا أول درس تعلمته في علم الصحافة فقد حظيت بعدد من الأساتذة المصريين والأجانب ذوي الشأن حينها. لكنني أذكر وبوضوح وجه أستاذي الصحفي الكبير جلال الدين الحمامصي حين سلمته مقالي الأول (كان يدرسنا كتابه المقال)، قرأه وعيوني مثبتة على ملامح وجهه الصارم ونظر لي دون ابتسام قائلا: ستكونين صحفية ذات شأن، احرصي أن يعرف القارئ الموضوع ومقصدك من أول فقرة، لن يصبر عليك القارئ كثيرا. وكان ذلك دستوري من وقتها.
درس ثانٍ قدمه لي أستاذي لويس جريس - كان رئيس تحرير مجله صباح الخير في منتصف الثمانينيات بجانب عمله في الجامعة الأمريكية- فقد سمح لي- وأنا طالبة- أن أنشر بعض الترجمات على صفحات المجلة الاجتماعية الأشهر. وأتذكر جيدا فرحتي باسمي مكتوبا في نهاية أول موضوعاتي الصحفية وكأنه من ذهب. منه تعلمت الدقة والحرص، فلا تأخذك الصياغة بعيدا عنهما، لكنه أيضا علمني أن اكتشف نفسي وألا أكف عن المحاولة فربما نجحت الفتاة الصغيرة فيما لم ينجح به الكبار. لويس جريس كان يراهن على المواهب يكتشفها ويفتح لها الطريق، فكلف الفنان جمال هلال برسم بورتريه لي كان غلاف مجلة صباح الخير، في أواخر الثمانينيات، وكتب أسفل منه: انتظروا هذه الصحفية.
درس ثالث تعلمته من أستاذي مفيد فوزي، الذي رأس تحرير صباح الخير بعد لويس جريس، كنت قد تخرجت في الجامعة وأجريت في واشنطن أول حوار مع د. إبراهيم شحاته نائب رئيس البنك الدولي أوائل التسعينيات حول أولى موجات الإصلاح الاقتصادي المصري.
أخد مفيد فوزي الحوار من الصحفية المبتدئة، وإذا به على غلاف المجلة تحت عنوان: «الدواء المر». لم يكن ذلك عنواني، لكنه تعبير استخدمه د. شحاتة في الحديث والتقطه مفيد فوزي، وكانت المرة الأولى التي يطلق فيها هذا المصطلح. من مفيد تتعلم الكثير في فن الحوار، ومنه تعلمت كيف تكتب عنوانًا حقيقيًا وجاذبًا في نفس الوقت، معايير الجاذبية لا تنفي الدقة.
لم تكن لحظة حصولي على جائزة مصطفي وعلى أمين والتي تسلمتها من الراحل مصطفي أمين لحظة عابرة. فكأنه كان يسلم الراية لجيل جديد عليه أن يحافظ على مهنته وسط أمواج سياسية واقتصادية عاتية. لذا اخترت أن تكون بدايتي الصحفية أجنبية، لتكون الممارسة بعيدة عن التلون ومحاولات الاستقطاب، في شبكة إن بي سي الأمريكية، ثم ثلاث سنوات في جريدة النيويورك تايمز الأمريكية تعلمت فيها من فنون الصحافة الكثير. فلا يمكن أن أنسى أول مؤتمر صحفي شاركت به، وكان لوزير الخارجية حينها د. عصمت عبد المجيد، حينها تلعثمت في سؤالي فالتقط زملاء لي الأسئلة، عرفت يومها أن أحدا لن يفسح لك الطريق وأنها مهنة لا تعرف اللعثمة أو الارتباك. وكم كانت سلالم قصر الرئاسة بالاتحادية شاهدة على جيل كامل (ياسر رزق، رندة أبوالعزم، نيهال سعد وغيرهم كثر) حيث كنا نقضي الساعات الطوال بحثا عن خبر أو في انتظار اجتماع مهم، يخرج بعده د. أسامة الباز أو عمرو موسى وزيرا للخارجية أو غيرهم من المسؤولين وقتها لننهكهم بالأسئلة، لا يجب أن تنشر جميعا لكننا كنا دائما نتنافس من سيسأل السؤال الأصعب أولا، من سيحصل على التصريح الحصري. علمتني الصحافة الأجنبية الكثير، لكن الأهم وهو ما أدركته لاحقا اكتشافي أن الحياد مستحيل: فزاويه الخبر اختيار، العنوان اختيار، الصورة اختيار، وحتى المصدر اختيار. الممكن بل المحتم هو تحرى الدقة والموضوعية بمعنى عرض مختلف وجهات النظر. وهذا هو الفرق بين صحافتنا وصحافتهم. فنحن نرى الموضوعية وجهة نظر واحدة.
قد يظن كثيرون أن تميزي في الصحافة الاقتصادية هو تخصص بالدراسة، والحقيقة أنه تخصص بالممارسة والتعلم والقراءة. فقد تخصصت أكاديميًا في الإعلام والصحافة، وكانت العلوم السياسية تخصصًا فرعيا، وعندما قررت الاتجاه للتليفزيون حصلت على الماجستير في الصحافة التليفزيونية.
أما الاقتصاد، فقد كان البحر الذي ألقى بي فيه أستاذي عماد الدين أديب عندما انتزعني من الصحافة الأجنبية لنؤسس معا ومعنا كوكبة من كبار الصحفيين (د. هالة سرحان، صلاح حافظ، صلاح هلال، محمود المراغي، عمرو أديب) مجلة كل الناس وجريدة العالم اليوم، أول صحيفة اقتصادية يومية في العالم العربي.
أذكر جيدًا لقائي معه في فندق هيلتون النيل: لن تكوني صحفية عن حق إلا بالعربية، لدينا مشروع عظيم هو الأول في المنطقة العربية. وبالفعل تركت الصحافة الأجنبية والمرتب الدولاري الضخم لأمسك بحلمي الأصيل. لم يلق عماد أديب بي في اليمّ بلا مجداف، فقد أرسلني إلى رويترز لدراسة الكتابة الاقتصادية، ثم إلى الفاينانشيال تايمز وبلومبرج والوول ستريت جورنال في نيويورك لأعقد أول اتفاقية نشر بين صحيفة عربية والجريدة الاقتصادية الأشهر. وتابعت أنا رحله التعلم في جامعة تافتس ببوسطن لمزيد من دراسة العلوم السياسية.
طريق طويل تدرجت فيه حتى وصلت لرئاسة التحرير وبعدها الشاشة وتلك قصه أخرى؛ هل كان مفروشا بالورود؟ لا.
كانت أشواكه أكثر من زهوره.. مخاطره أكثر من احتفالاته، وصداماته مع كل السلطات في كل العصور لم تتوقف.
لكنني أوقن- لو عاد بي الزمن بكل أحداثه- أنني ما كنت سأختار مهنة إلا هي، مهما تدهور بها الحال، وتعرضت للضغوط التي تغير من طبيعتها أحيانا. أقولها ليس فقط لنفسي، ولكن لجيل شاب من الصحفيين ربما يفقد الحماس أحيانا أو الثقة أحيانًا أخرى في جدوى مهنته: ستبقى الصحافة صوت الناس، السلطة الرابعة ورقيب الأمة. وستبقى الأسئلة الخمسة التي تعلمناها هي الكاشفة عن الحقيقة: متى، ماذا، من، لماذا، أين. وعليهم أن يجيبوا عنها.. ولو بعد حين. وسأبقى فخورة بانتمائي لبلاط صاحبة الجلالة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.