قبل 15 عامًا أجبرتها الحرب بين الشمال والجنوب على ترك السودان والاستقرار في الإسكندرية، حيث التقت شابًا سودانيًا وتزوّجت منه، "معاناتي بدأت بعد الزواج"، هكذا ترى سارة ذات الثلاثين عامًا مأساتها. فرارها من السودان مع شقيقتها الصغرى جعلها تترك كل ما تملك خلفها لتبدأ في الإسكندرية حياة جديدة مليئة بالجهد والتعب من أجل توفير نفقات المعيشة ومتطلباتها الأساسية، دون مراعاة أي ظروف أخرى حتّى لو كان مرضها الذي يكاد يصيب مفاصلها بالشلل،" الإنسان لازم يشتغل ويتعب عشان يعيش حتى لو مش قادر، ما حدش ها يساعده"، تقول سارّة بينما تمسك بإحدى قدميها لتخفف من آلامها. الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجهها سارة مع أطفالها وشقيقتها الصغرى بعد أن تخلّى عنها زوجها بسبب الخلافات الزوجيّة، اضطرتها للعمل في منازل بعض الأثرياء ممن يدفعون المال لقاء القيام بأعمال النظافة اليوميّة التي تتطلبها منازلهم. داخل منزلها تتمدد سارة على سرير صغير رخيص وتحاول تدليك قدميها للتخفيف من حدّة آلام المفاصل التي أصابتها منذ عام تقريبًا، بينما يلهو أحد أطفالها باستخدام الريموت كنترول للتنقّل بين القنوات الفضائية الموجودة على تليفزيون صغير داخل حجرة ضيّقة. أصول سارّة العائلية تعود إلى الشمال وعندما تصاعدت حدّة الاشتباكات بين الشمال والجنوب نزحت إلى الجنوب، لكن الأمور لم تستقر هناك أيضًا، فقررت ترك بلادها والاتجاه شمالًا إلي مصر، وبالتحديد إلي الإسكندرية على ساحل البحر الأبيض المتوسط. بعد أن تركها زوجها صارت أمًا وأبًا لأطفالها وشقيقتها الصغرى، "لا يوجد من يرحم" هكذا تصف حجم المسؤولية التي تتحمّلها لأنها وحدها المطالبة بتوفير نفقات المأكل والمشرب والدراسة وأجرة السكن الذي يحوي أسرتها الصغيرة. تحلم سارة بالعودة إلى السودان لكن أفراد عائلتها تشتتوا بسبب أعمال القتل والاشتباكات المسلّحة التي يشهدها موطنها، وانقطعت عنها أخبارهم منذ عامين تقريبًا. شقيقتها الصغرى تركت والدتها في السودان وآثرت الهرب مع سارة، "مقدرش أعيش من غير سارة"، تقول ذات ال 12 عامًا، التي تتعرّض لمضايقات في الشارع أو في المدرسة بسبب لون بشرتها، وما يزيد من معاناتها كونها لاجئة لا سند لها "بلد مش بلدك لازم تسكت و تحترم نفسك غصب عنك".