كان الشعير رفيقًا لحياة البدو في الحل والترحال كغذاء ودواء، وتفننت المرأة البدوية في إعداد أصناف غذائية عديدة منه، لكن حاليًا لم يعد الشعير مادة غذائية أساسية في حياة البدو مع تغير أنماط الحياة خلال الخمسين سنة الأخيرة. ويرجع باحثون ذلك التراجع في استخدام الشعير إلى تحسن الحالة الاقتصادية للمواطنين والتحول الثقافي والحضاري مع انتشار التعليم والتطور الحضاري والعمراني الذي لحق بمدن المحافظة، ومع ذلك لم ينقرض استخدام الشعير كمادة غذائية مهمة نهائيًا، فما يزال البعض من أبناء البادية يحرصون على تناول المنتجات الغذائية المشتقة من الشعير سواء مطحونًا أو مجروشًا. منتجات بيئية وتراثية يقول عماد بشير القناشي، أمين عام الشباب بنقابة الفلاحين بمطروح إن هناك عددًا محدودًا من التجار متخصصين ما يزالوا يبيعون منتجات الشعير التي يتم إنتاجها يدويًا في القرى والنجوع، كما تحرص بعض محال السوبر ماركت على عرضها في أركان خاصة بها. ويشير إلى أن أغلب من يقبلون على شراء الشعير ومنتجاته يعتبرونه مادة علاجية طبيعية لكثير من الأمراض بجانب كونها ذات قيمة غذائية كبيرة. ويضيف القناشي أن الشعير من الأغذية المهمة للإنسان والحيوان، فهو يماثل القمح من حيث المحتوى الغذائي، لكنه يتفوّق عليه في احتوائه على الأليافن كما أنه غني بالمعادن التي يحتاجها جسم الإنسان كالمنجنيز، والسيلينيوم، والفسفور، والنحاس، والماغنسيوم، والحديد، والزنك، والبوتاسيوم. خبز الشعير المخلوط المخمر والخام المجردق وعن الأصناف الغذائية التي ينتجها البدو من الشعير وتعد جزءً من التراث البدوي، يقول مصطفى صالح رجب، تاجر منتجات بيئية وتراثية إن طحين الشعير "الدقيق" يستخدم في صناعة عدة أنواع من الخبز، فالنوع الأول يكون بعجن دقيق الشعير المخلوط بدقيق القمح بنسب متساوية مع إضافة الخميرة، والنوع الثاني يكون بعجن دقيق الشعير الخام مع الخميرة، أما الثالث ويسمى "المجردق" فيصنع من دقيق الشعير الخام بدون خميرة ورقيق جدًا، كما يتم أيضًا استخدام دقيق الشعير في إعداد "حساء الشعير" وهو شوربة سميكة يضاف لها الزعتر. الدشيشة بديل الأرز والمكرونة.. والبقينة بين الوجبات ويضيف صالح: أما الشعير المجروش في تصنيع مأكولات تطبخ مع الخضار مثل لسان العصفور أو تكون بديلة عن الأرز وتشبه الفريك وتسمى "الدشيشة"، ويمكن طهيه مع اللحم الطازج أو "لحم القديد" وهو قطع اللحم المجففة. ويتابع: يتم إنتاج صنف غذائي من الشعير اسمه "البقينة" أو "الزميتة"، حيث يتم تحميص الشعير على النار ثم يطحن ويؤخذ الدقيق الناتج عنه ويتم خلطه في إناء مع مقدار من الكسبرة الجافة والينسون لإعطائه نكهة ومذاق طيب، ثم يتم إضافة مقدار من زيت الزيتون ويتم عجن هذه المقادير جيدًا ويضاف لها السكر حسب الرغبة، ثم تقدم في أطباق مع الشاي أو القهوة. وغالبًا ما تؤكل "البقينة" أو "الزميتة" في الإفطار أو وقت العصر، إذ من عادة البدو تناول وجبة خفيفة تسمى "العصور"، أما الشعير الحب فيستخدمه أغلب الناس كمشروب مفيد في علاج أمراض الكُلى والحصوات، إذ يتم نقعه وغليه ثم تبريده وشربه طازجًا. الوفاء للعادات والتقاليد والتداوي بمنتجات الشعير يعاود أمين عام الشباب بنقابة الفلاحين بمطروح للحديث قائلًا، إن استهلاك هذه المنتجات هذه الأيام يقل عنه كثير مثل ما كان يستخدم منذ 10 أو 20 سنة، كما أن أغلب من يشترون هذه الأصناف من كبار السن أو جيل الوسط الذين يحرصون على تناول منتجات الشعير الغذائية كنوع من الحنين للماضي ووفاء للعادات والتقاليد. ويشير القناشي إلى أن الكثير من أبناء المدن والحضر يقبلون على استخدام منتجات الشعير الغذائية كعلاج طبيعي فهو يساعد على سلامة القولون والأمعاء، ومنع تكون حصوات المرارة، ودواء مفيد لمرض السكري، وأمراض القلب وهشاشة العظام، ودعم الجهاز المناعي، والحفاظ على مرونة الجلد.