غادر معظمهم الشوارع، ولاذوا نحو قطارات مترو الأنفاق.. هناك يتكدس الركاب جنبًا إلى جنب، في رحلات لا تنقطع منذ السادسة صباحًا حتى الواحدة من صباح اليوم التالي. المتسولون.. ظاهرة تؤرق الأجهزة الأمنية في مترو الأنفاق، وانقسمت فيها التحليلات ما بين الفعل من أجل الحاجة، أو الثراء!. دمعتان حقيقيتان كانتا أم مصطنعتان، وملابس متسخة قديمة، أو لفافة طبية.. أشياء كفيلة لأن تُكسبك تعاطف ركاب المترو، وتدر عليك أموالًا كثيرة في وقت قصير... لكن، ماذا بعد؟!. ''يا اخواتي.. جوزي متوفي، وعندي طفلين.. واحد منهم مريض وبيحتاج علاج شهري ب 1000 جنيه، والتاني بيحتاج علبة لبن كل 3 أيام''.. ورق صغير انتشر أيضًا في قطارات المترو، توزعه سيدات على الركاب، يدعين أنهن غير قادرات على الكلام.. وهي وسيلة جيدة للحصول على الأموال. أشخاص تبدوا عليهم علامات المرض والشيخوخة بالفعل.. وأخرون فقدوا أطرافًا من أجسادهم.. وطائفة أخرى لا يُمكنك التفريق من كونهم يتسولون للحاجة أم الثراء.. وفي النهاية يحصلون أيضًا على ما يُريدون. ''الحل الأمني وحده لا يكفي''.. هكذا يقول ضابط كبير في شرطة النقل والمواصلات، المخول لها تأمين المترو.. يرى الضابط أن انتشار المتسولين في القطارات لايجب مواجهته أمنيًا فقط، بل يجب القضاء على المشكلة من الجذور، من خلال تقديم المضبوطين لوزارة التضامن الاجتماعي، من أجل فحص حالاتهم، وتقديم المساعدات لهم.. ''لن يخرج أحد للتسول ومد يده، سوى لو كان في حاجة حقيقة لذلك''.. بهذه الكلمات يصف الضابط حال المتسولين. ضابط آخر يقول إنه لا يُحرر مخالفات ضد المتسولين والباعة الجائلين، تعاطفًا معهم. الجنود هم أكثر رجال الشرطة تعاطفًا مع المتسولين.. معظمهم لا يُحررون مخالفات ضدهم، وأخرون يكونون علاقات صداقة معهم. المخالفات تبلغ قيمتها 15 جنيهًا، من المفترض أن تُدفع كلما تم ضبط المتسول أو البائع داخل القطارات، بالإضافة إلى التحفظ على ما بحوزتهم من أموال حصيلة التسول، لكن مصادر أخرى أكدت أن الأمر أكبر من ذلك، فالتسول والبيع يُدار وفق منظومة، ولكلا الفريقين كبير، فمعظم الباعة الجائلين لهم قائد يعملون تحت مظلته.. يتجمعون يوميًا أعلى محطة العتبة، وينطلقون من هناك. وعن التسول، أكدت المصادر أن هناك سيدة تُديرهم، يتجمعون بمحطة كلية الزراعة، مساء كل يوم، وهذه السيدة سبق ضبطها أكثر من مرة، ولاتحمل بطاقة إثبات شخصية.. تقول إن اسمها ''نعيمة.م.ع'' في العقد الخامس من عمرها، ومعروف عنها ''تسريحها'' للأطفال الصغار ''ليس بعيدًا أن يكون هؤلاء الصغار ضحايا عمليات خطف.. لكن لا يوجد دليل على ذلك''. بعض الضباط وفق المصادر لا يُطاردون الباعة، لكنهم يُجبرونهم على دفع عدد من الغرامات يوميًا، مقابل العمل طوال اليوم دون ضبطهم، ويُحسب ذلك العدد من الغرامات كمجهود للضباط أمام قياداتهم.