بالصور: المايسترو يصنع البهجة للأيتام.. أستاذ ''سحاب'' نحن ''الزغاليل''

تسللوا إلى الغرفة، الكل يعرف موقعه، فتيات وصبية، تراصوا بجانب بعضهم البعض، تجمعهم مرارة اليتم وقسوة شارع لا يحنو عليهم أحد إلا قليلًا، جاءوا من أكثر من دار للأيتام ورعاية أطفال الشوارع، أصبحوا كبارًا فجأة بأصواتهم؛ بعد اختيارهم للمشاركة في تدريب كورال تحت قيادة الموسيقار ''سليم سحاب'' قائد الفرقة القومية للموسيقى العربية بدار الأوبرا المصرية.
أصابع ''سحاب'' كانت تنساب على البيانو أمامه؛ فتنساب أرواحهم، يده تعلو مع النغمة، وهم يرددون الآهات، جاءت فقرة الأغاني ''أبجد هوز''، ليترك الأستاذ ''سليم'' الزغاليل يرددون ما حفظوه عن ظهر قلب، في واحدة من بروفات الكورال الذي عكف على تكوينه منذ شهور، يرتفع صوته بين حين وآخر قائلا ''خجلانين ليه.. فين الصوت؟''، يضحك الأطفال في خفة، يوجه رأسه ناحية الصف الأول يسارا، يسمع أحد الأصوات تنطق النغمة بشكل خاطيء، يطلب من المساعدة إحضار الطفلة لتقف بجانبه، يدربها قليلا قبل أن تعود إلى الصف مرة أخرى ثم يبدأ الغناء الجماعي ويكسو وجه ''سليم'' الجد كأنه على المسرح.
زيارة إلى الأوبرا السلطانية في عمان، التقى فيها ''سحاب'' بصديقه ليعرفه على أحد المؤلفين الصغار، كان من أطفال الشوارع، وليذكر له الصديق أن التجربة موجود مثلها في فنزويلا؛ وهي تدريب أطفال الشوارع والأيتام وأبناء الملاجيء على فنون الغناء وتكوين كورال موسيقي، تلمع الفكرة في ذهن ''سحاب''؛ فيقرر تطبيقها في مصر.
حوالي 800 طفل وطفلة التقى بهم المايسترو من أجل انتقاء الأكثر تميزا، اختار منهم 70 ''اخترتهم على أساس صلاحيتهم للغناء.. طول عمري بفكر في مصير هؤلاء الأطفال وإنهم محرومين من كل طرق الحياة السعيدة اللي عايشها أطفال العائلات، ومحتاجين بس فرصة يثبتوا موهبتهم، يمكن يكونوا أحسن مني''، ليبدأ سحاب معسكرا مغلقا مع الأطفال لمدة ست أيام متتاليين في سبتمبر الماضي.
ضحكاتهن المتتابعة كانت تملأ المكان، جلست كل واحدة منهم بجانب صديقتها المفضلة؛ ينتظرن بدء التدريب. ''رضا'' أكبر الموجودين سنا -17 عام-، اتكئت برأسها على العمود خلفها ''البروفة بتبقى حلوة أوي''، قالت بابتسامة، قاطعتها ''شيرين'' الأصغر تحكي تفاصيل أكثر ''بنيجي سبت وتلات من كل أسبوع.. بس مش كلنا من نفس الدار''، آلية اختيارهن من كورال الدار التي يتبعونها تحكيها صديقتهم الثالثة ''منى''، ''جه المايسترو سليم واختار من كل دار الناس اللي صوتها حلو''، لم يصب الخوف إحداهن أثناء الاختبار ''أصلنا بنحب سليم سحاب أوي''، قالت ''شيرين''.
منذ أربعة أسابيع بدأ التدريب، ينتهي المشوار بحفل في منطقة قناة السويس الجديدة، احتفالا بنصر أكتوبر، لا تهتم الفتيات كثيرا لسبب البروفات، طالما يفعلن ما يحببنه، أما انتصار أكتوبر فبمجرد ذكره تتلفت أعين بعضهن متسائلات عن التفاصيل ''أعرف إننا كسبنا إسرائيل فيها''، قالت ''مريم'' الجالسة في الصف الذي يلي صديقاتها ''شيرين'' و''رضا'' و''منى''، لكنها لا تعرف أكثر من ذلك، همهمات مكتومة تبعها تفسير من ''رحمة'' قائلة ''أصل أنا مبحبش الدراسة.. بحب الغنا بس''، أما ''خلود'' فبدت أكثرهم ثقة إذ أضافت ''في أكتوبر مصر حاربت إسرائيل.. عشان كانوا واخدين سينا''.
بين الحين والآخر كانت كلمة ''ملجأ'' تأتي في حديث الفتيات، يتبعها توبيخ ''رضا'' لهم ''متقولوش ملجأ.. اسمه بيت''، يستمر التدريب ساعتين كل مرة، ''شيرين'' يصيبها بعض الفتور أثناء الغناء، لا تُحرك شفتاها دائما مع حركات يد المايسترو ''شيرين مش بتركز.. لكن التدريب بيبقى سهل''، قالت ''رضا''، قبل أن يطلب منهم أحد منظمي التدريب الاعتدال في الجلوس، وتنظيم المقاعد؛ تمهيدا للبدء.
أكواب من مشروب الينسون كانت تمر، يرتشفها الفتيات والأولاد لتسهيل الغناء، ترغب معظم الفتيات أن يصبحن مغنيات ''بس في الأوبرا''، على حد قول ''رضا''، ''مريم'' لا يختلف طموحها لكنها تبتغى العمل كطبيبة بجانب الغناء.
ارتسمت على ''منصور'' -12 سنة- ملامح الفرحة، كان كرفقائه يرتدي تي شيرت دار ''أولادي'' لرعاية الأيتام، اختار الصبي الصف قبل الأخير استعدادا للغناء مع المايسترو ''أنا جيت هنا عشان سحاب يعلمنا الغنا ويخليني أبقى مشهور''، أما ''عماد'' فاختار الصف الأول أمام المدرب، من أجل الاستماع والترديد ''احنا بنغني حاجات مختلفة''.
ليس اليتم وحده ما جمع هشام-10 سنوات- و''خالد'' بصديقهم الجديد ''محمد مصري''، ولكن أيضا حب الغناء والانتماء إلى الكورال، يقول ''هشام'': ''حفظت ذهب الليل وأبجد هوز من ساعة ما جيت الكورال''، بينما اختار ''مصري'' أن ينضم للكورال، أملا في السفر للخارج، بصحبة ''سحاب''، بعد أن سافر مرة للبرازيل في تدريب لكرة القدرم ''أنا عندي الموهبة في الكورة ونفسي يبقى عندي موهبة في الغنا''.