مباحثات مصرية كينية لتعزيز التعاون النقابي المشترك    "نيويورك تايمز": ترامب ربط سلوك ماسك غير اللائق بال"مخدرات"    أمريكا تدرس دعم مؤسسة "غزة الإنسانية" بنصف مليار دولار    "إذا حدث كذب".. متحدث الزمالك ينشر "حديث" تزامن مع تصريحات زيزو    حمدي فتحي: قرار مشاركتي بكأس العالم جاء بالتنسيق مع الخطيب    «الداخلية» تكشف حقيقة اقتحام منزل سيدة وسرقتها بالجيزة    ليلة من الفن الأصيل تجمع بين فنان العرب محمد عبده والمايسترو هانى فرحات (صور)    «الدبيكي»: نسعى لصياغة معايير عمل دولية جديدة لحماية العمال| خاص    أوكرانيا: أمامنا 12 شهراً لتلبية شروط التمويل الكامل من الاتحاد الأوروبي    اليونسيف: هناك غضباً عالمياً مما يجري في غزة.. واستخدام الجوع سلاحا جريمة حرب    الثلاثاء أم الأربعاء؟.. موعد أول يوم عمل بعد إجازة عيد الأضحى 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 7 يونيو 2025    «المشكلة في ريبيرو».. وليد صلاح الدين يكشف تخوفه قبل مواجهة إنتر ميامي    حسام المندوه: تعاقدنا مع الرمادي لهذا السبب.. وسنعيد هيكلة الإدارة الرياضية في الزمالك    نتيجة وملخص أهداف مباراة المغرب ضد تونس الودية    محمد الشناوي: الزمالك هو المنافس الحقيقي ل الأهلي وليس بيراميدز    مبالغ خيالية.. إبراهيم المنيسي يكشف مكاسب الأهلي من إعلان زيزو.. وتفاصيل التعاقد مع تركي آل الشيخ    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الأخير.. أسعار الذهب اليوم السبت 7 يونيو بالصاغة محليا وعالميا    شديد الحرارة والعظمى في القاهرة 36.. حالة الطقس اليوم    للمسافرين ثاني أيام العيد.. مواعيد قيام القطارات من محطة بنها إلى المحافظات السبت 7 يونيو    سفارة الهند تستعد لإحياء اليوم العالمي لليوجا في 7 محافظات    محاضرة عن المتاحف المصرية في أكاديمية مصر بروما: من بولاق إلى المتحف الكبير    يسرا توجه رسالة إلى تركي آل الشيخ بسبب فيلم «7 Dogs»: نقلة نوعية للسينما    منال سلامة ل"الفجر الفني": لهذا السبب قد أرفض بطولة.. ولا أفكر في الإخراج    دار الإفتاء تكشف آخر موعد لذبح الأضحية    تجارة الخدمات بالصين تسجل نموًا سريعًا في أول أربعة أشهر من عام 2025    أجواء فرحة العيد في حديقة الحرية أول أيام عيد الأضحى| فيديو    وفاة سائق سيارة إسعاف أثناء عمله بمستشفى بني سويف التخصصي    سوزوكي توقف إنتاج سيارتها «سويفت» بسبب قيود التصدير الصينية على المعادن النادرة    المطران فراس دردر يعلن عن انطلاق راديو «مارن» في البصرة والخليج    الكنيسة الإنجيلية اللوثرية تُعرب عن قلقها إزاء تصاعد العنف في الأراضي المقدسة    البابا تواضروس يهاتف بابا الفاتيكان لتهنئته بالمسؤولية الجديدة    تفاعل مع فيديو هروب عجل قفزًا في البحر: «رايح يقدم لجوء لأوروبا»    أخبار × 24 ساعة.. المجازر الحكومية تستقبل أكثر من 9800 أضحية أول أيام العيد    صلى العيد ثم فارق الحياة.. تشييع جنازة صيدلي تعرض لأزمة قلبية مفاجئة في الشرقية    بسبب ماس كهربائي.. السيطرة على حريق نشب في كشك بكرداسة    باختصار.. أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. 42 شهيدا بغزة منذ فجر أول يوم العيد.. انتخابات مبكرة بهولندا في 29 أكتوبر المقبل.. إسقاط مسيرة استهدفت موسكو.. وبوتين يهنئ المسلمين بعيد الأضحى    فيفا يدخل ابتكارات تقنية غير مسبوقة فى كأس العالم للأندية 2025    ولي العهد السعودي: نجاح خدمة ضيوف الرحمن نتيجة جهود الدولة في رعاية الحرمين والمشاعر المقدسة    "الخارجية الفلسطينية" تُرحب برفع عضوية فلسطين إلى "دولة مراقب" في منظمة العمل الدولية    سالى شاهين: كان نفسى أكون مخرجة سينما مش مذيعة.. وجاسمين طه رفضت التمثيل    بصورة مع والدته.. حسن شاكوش يحتفل بعيد الأضحى    اليوم.. فرقة رضا فى ضيافة "هذا الصباح" على شاشة إكسترا نيوز    بمشاركة 2000 صغير.. ختام فعاليات اليوم العالمي للطفل بإيبارشية المنيا    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    لأصحاب الأمراض المزمنة.. استشاري يوضح أفضل طريقة لتناول البروتين في العيد    أستاذ رقابة على اللحوم يحذر من أجزاء في الذبيحة ممنوع تناولها    احذر من الإسراع في تخزين اللحوم النيئة داخل الثلاجة: أسلوب يهدد صحتك ب 5 أمراض    بعد غياب 5 سنوات، مفاجأة في لجنة تحكيم "ذا فيوس كيدز" الموسم الجديد    زيزو: جمهور الزمالك خذلني وتعرضت لحملات ممنهجة لتشويه سمعتي (فيديو)    حدث في منتصف ليلًا| أسعار تذاكر الأتوبيس الترددي على الدائري.. وموجة حارة بكافة الأنحاء    تفشي الحصبة ينحسر في أميركا.. وميشيغان وبنسلفانيا خاليتان رسميًا من المرض    رئيس الشئون الطبية ب التأمين الصحى يتفقد مستشفيى صيدناوي والمقطم خلال إجازة العيد    مع قرب انتهاء أول أيام عيد الأضحى.. الغرف التجارية: لا داع للقلق السلع متوفرة.. شعبة الخضروات: انخفاض ملحوظ في الأسعار.. المخابز: لا توجد إجازة لتلبية احتياجات المواطنين    أسعار الكتاكيت والبط اليوم الجمعة 6 يونيو 2025    وزير الأوقاف يشهد صلاة الجمعة بمسجد سيدنا الإمام الحسين بالقاهرة    حكم من فاتته صلاة عيد الأضحى.. دار الإفتاء توضح التفاصيل    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة السامرى والعجل

ورد ذكر القصة في سورة الأعراف الآيات 148- 154، قال الله تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ، وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ، وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ، قَالَ ابن أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِي الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ، وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}.

وقال تعالى: في سورة طه الآيات83-98، {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى، قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى، قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمْ السَّامِرِيُّ، فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمْ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي، قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ، فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ، أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً، وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمْ الرَّحْمَانُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي، قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى،قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلاَّ تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي، قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إسرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي، قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ، قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي، قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً، إِنَّمَا إِلَهُكُمْ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً}.
قصة عبادتهم العجل في غيبة كليم الله (سيدنا موسى عليه السلام) عنهم:
يذكر تعالى ما كان من أمر بني إسرائيل، حين ذهب موسى عليه السلام إلى ميقات ربه فمكث على الطور يناجيه ربه ويسأله موسى عليه السلام عن أشياء كثيرة وهو تعالى يجيبه عنها.
فعمد رجل منهم يقال له هارون السامري، فأخذ ما كانوا استعاروه من الحلي، فصاغ منه عجلاً وألقى فيه قبضة من التراب، كان أخذها من أثر فرس جبريل، حين رآه يوم أغرق الله فرعون على يديه. فلما ألقاها فيه خار كما يخور العجل الحقيقي. ويقال إنه استحال عجلاً جسداً أي لحماً ودماً حياً يخور، قال قتادة وغيره. وقيل بل كانت الريح إذا دخلت من دبره خرجت من فمه فيخور كمن تخور البقرة، فيرقصون حوله ويفرحون.
{فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ}. أي فنسي موسى ربه عندنا، وذهب يتطلبه وهو هاهنا! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، وتقدست أسماؤه وصفاته، وتضاعفت آلاؤه وهباته.
قال الله تعالى مبيناً بطلان ما ذهبوا إليه، وما عولوا عليه من إلهية هذا الذي قصاراه أن يكون حيواناً بهيماً أو شيطاناً رجيماً: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً}. وقال: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ}.
فذكر أن هذا الحيوان لا يتكلم ولا يرد جواباً، ولا يملك ضراً ولا نفعاً، ولا يهدي إلى رشد، اتخذوه وهم ظالمون لأنفسهم، عالمون في أنفسهم بطلان ما هم عليه من الجهل والضلال.
{وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ}. أي ندموا على ما صنعوا {وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ}.
ولما رجع موسى عليه السلام إليهم، ورأى ما هم عليه من عبادة العجل، ومعه الألواح المتضمنة التوراة، ألقاها، فيقال إنه كسرها. وهكذا هو عند أهل الكتاب، وإن الله أبدله غيرها، وليس في اللفظ القرآني ما يدل على ذلك، إلا أنه ألقاها حين عاين ما عاين.
وعند أهل الكتاب: أنهما كانا لوحين، وظاهر القرآن أنها ألواح متعددة. ولم يتأثر بمجرد الخبر من الله تعالى عن عبادة العجل، فأمره بمعاينة ذلك.
ولهذا جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن حبان عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس الخبر كالمعاينة". ثم أقبل عليهم فعنفهم ووبخهم وهجنهم في صنيعهم هذا القبيح فاعتذروا إليه، بما ليس بصحيح، قالوا إنا {حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ}. تحرجوا من تملك حلي آل فرعون وهم أهل حرب، وقد أمرهم الله بأخذه وأباحه لهم، ولم يتحرجوا بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم من عبادة العجل الجسد الذي له خوار، مع الواحد الأحد الفرد الصمد القهار!.
ثم أقبل على أخيه هارون عليه السلام قائلاً له {يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلاَّ تَتَّبِعَنِي}. أي هلا لما رأيت ما صنعوا اتبعتني فأعلمتني بما فعلوا، فقال: {إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إسرائِيلَ}. أي تركتهم وجئتني وأنت قد استخلفتني فيهم.
{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}. وقد كان هارون عليه السلام نهاهم عن هذا الصنيع الفظيع أشد النهي، وزجرهم عنه أتم الزجر.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ}. أي إنما قدر الله أمر هذا العجل وجعله يخور فتنة واختباراً لكم، {وَإِنَّ رَبَّكُمْ الرَّحْمَانُ}. أي لا هذا {فَاتَّبِعُونِي}. أي فيما أقول لكم {وَأَطِيعُوا أَمْرِي، قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى}. يشهد الله لهارون عليه السلام {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً}. أنه نهاهم وزجرهم عن ذلك فلم يطيعوه ولم يتبعوه.
ثم أقبل موسى على السامري {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ}. أي ما حملك على ما صنعت {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ}. أي رأيت جبرائيل وهو راكب فرساً {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ}. أي من أثر فرس جبريل. وقد ذكر بعضهم أنه رآه، وكلما وطئت بحوافرها على موضع اخضّر وأعشب، فأخذ من أثر حافرها، فلما ألقاه في هذا العجل المصنوع من الذهب كان من أمره ما كان.
ولهذا قال: {فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي، قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ}. وهذا دعاء عليه بأن لا يمس أحداً، معاقبة له على مسه ما لم يكن له مسه، هذا معاقبة له في الدنيا، ثم توعده في الأخرى فقال: {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ} - وقرئ {لَنْ تُخْلَفَهُ} {وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً}. قال: فعمد موسى عليه السلام إلى هذا العجل، فحرقه قيل بالنار، كما قاله قتادة وغيره. وقيل بالمبارد، كما قاله عليّ وابن عباس وغيرهما، وهو نص أهل الكتاب، ثم ذراه في البحر، وأمر بني إسرائيل فشربوا، فمن كان من عابديه علق على شفاههم من ذلك الرماد ما يدل عليه، وقيل بل اصفرت ألوانهم.
ثم قال تعالى إخباراً عن موسى أنه قال لهم: {إِنَّمَا إِلَهُكُمْ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً}.
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}
وهكذا وقع. وقد قال بعض السلف: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} مسجلة لكل صاحب بدعة إلى يوم القيامة!
ثم أخبر تعالى عن حلمه ورحمته بخلقه، وإحسانه على عبيده في قبوله توبة من تاب إليه، بتوبته عليه، فقال: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}.
لكن لم يقبل الله توبة عابدي العجل إلا بالقتل، كما قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} فيقال إنهم أصبحوا يوماً وقد أخذ من لم يعبد العجل في أيديهم السيوف، وألقى الله عليهم ضباباً حتى لا يعرف القريب قريبه ولا النسيب نسيبه، ثم مالوا على عابديه فقتلوهم وحصدوهم فيقال إنهم قتلوا في صبيحة واحدة سبعين ألفاً!
ثم قال تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}. استدل بعضهم بقوله: {وَفِي نُسْخَتِهَا}. على أنها تكسرت، وفي هذا الاستدلال نظر، وليس في اللفظ ما يدل على أنها تكسرت، والله أعلم.
ذكر ابن عباس في حديث الفتون كما سيأتي: أن عبادتهم... على أثر خروجهم من البحر. وما هو ببعيد، لأنهم حين خرجوا {قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}. وهكذا عند أهل الكتاب، فإن عبادتهم العجل كانت قبل مجيئهم بلاد بيت المقدس. وذلك أنهم لما أمروا بقتل من عبد العجل، قتلوا في أول يوم ثلاثة آلاف، ثم ذهب موسى يستغفر لهم، فغفر لهم بشرط أن يدخلوا الأرض المقدسة.
قال تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ، وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}.
ذكر السدي وابن عباس وغيرهما أن هؤلاء السبعين كانوا علماء بني إسرائيل، ومعهم موسى وهارون ويوشع وناذاب وأبيهو، ذهبوا مع موسى عليه السلام ليعتذروا عن بني إسرائيل في عبادة من عبد منهم العجل. وكانوا قد أمروا أن يتطيبوا ويتطهروا ويغتسلوا، فلما ذهبوا معه واقتربوا من الجبل وعليه الغمام وعمود النور ساطع صعد موسى الجبل.
فذكر بنو إسرائيل أنهم سمعوا كلام الله. وهذا قد وافقهم عليه طائفة من المفسرين، وحملوا عليه قوله تعالى: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
وليس هذا بلازم، لقوله تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ}. أي مبلغاً، وهكذا هؤلاء سمعوه مبلغاً من موسى عليه السلام.
وزعموا أيضاً أن السبعين رأوا الله، وهذا غلط منهم، لأنهم لما سألوا الرؤية أخذتهم الرجفة، كما قال تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ، ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. وقال هاهنا {فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ}.
قال محمد بن إسحاق: اختار موسى من بني إسرائيل سبعين رجلاً: الخير فالخير، وقال انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه بما صنعتم وسلوه التوبة على ما تركتم وراءكم من قومكم، صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم.
فخرج بهم إلى طور سيناء، لميقات وقَّته له ربه، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم. فطلب منه السبعون أن يسمعوا كلام الله، فقال: أفعل.
فلما دنا موسى من الجبل، وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله، ودنا موسى فدخل في الغمام، وقال للقوم: ادنوا. وكان موسى إذا كلمه الله، وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه. فضرب دونه الحجاب، ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجوداً، فسمعوه وهو يكلم موسى، يأمره وينهاه: افعل ولا تفعل. فلما فرغ الله من أمره وانكشف عن موسى الغمام أقبل إليهم فقالوا: {يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}.
فأخذتهم الرجفة، وهي الصاعقة فأتلفت أرواحهم فماتوا جميعاً. فقام موسى يناشد ربه ويدعوه، ويرغب إليه ويقول: {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} أي لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء الذين عبدوا العجل منا فإنا براء مما عملوا.
وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جريج: إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم ينهوا قومهم عن عبادة العجل. وقوله: {إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ}. أي اختبارك وابتلاؤك وامتحانك. قاله ابن عباس وسعيد بن جبير وأبو العالية والربيع بن أنس، وغير واحد من علماء السلف والخلف، يعني أنت الذي قدّرت هذا، وخلقت ما كان من أمر العجل اختباراً تختبرهم به كما: {قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ}. أي اختبرتم.
ولهذا قال: {تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ}. أي من شئت أظللته باختبارك إياه، ومن شئت هديته، لك الحكم والمشيئة ولا مانع ولا راد لما حكمت وقضيت.
قال الله تعالى: {أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ، وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}. أي تبنا إليك ورجعنا وأنبنا. قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو العالية وإبراهيم التيمي والضحاك والسدي وقتادة وغير واحد. وهو كذلك في اللغة. {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}. أي أنا أعذب من شئت بما أشاء من الأمور التي أخلقها وأقدرها.
{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}. كما ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله لما فرغ من خلق السماوات والأرض كتب كتاباً فهو موضوع عنده فوق العرش: (إن رحمتي تغلب غضبي) {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}. أي فسأوجبها حتماً لمن يتصف بهذه الصفات: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ} الآية.
وهذا فيه تنويه بذكر محمد صلى الله عليه وسلم وأمته من الله لموسى عليه السلام، في جملة ما ناجاه به وأعلمه وأطلعه عليه. وقد تكلمنا على هذه الآية وما بعدها في التفسير بما فيه كفاية ومقنع، ولله الحمد والمنة.
وقال قتادة: قال موسى: يا رب إني أجد في الألواح أمة هي خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون في الخلق، السابقون في دخول الجنة، رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرؤونها، وكان من قبلهم يقرؤون كتابهم نظراً، حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئاً ولم يعرفوه، وإن الله أعطاهم من الحفظ شيئاً لم يعطه أحداً من الأمم، قال: رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر، ويقاتلون فضول الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الكذاب، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب إني أجد في الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم ويؤجرون عليها. وكان من قبلهم من الأمم إذا تصدق بصدقة فقبلت منه بعث الله عليها ناراً فأكلتها، وإن ردت عليه تركت فتأكلها السباع والطير، وإن الله أخذ صدقاتهم من غنيهم لفقيرهم، قال: رب فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب فإني أجد في الألواح أمة إذا هَمَّ أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف. قال: رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم المشفعون المشفوع لهم، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال قتادة: فذكر لنا أن موسى عليه السلام نبذ الألواح، وقال: اللهم اجعلني من أمة أحمد.
وقد ذكر كثير من الناس ما كان من مناجاة موسى عليه السلام، وأوردوا أشياء كثيرة لا أصل لها ونحن نذكر ما تيسر ذكره من الأحاديث والآثار بعون الله وتوفيقه، وحسن هدايته ومعونته وتأييده.
قال الحافظ أبو حاتم محمد بن حاتم بن حبان في صحيحه: (ذكر سؤال كليم الله ربه عز وجل عن أدنى أهل الجنة وأرفعهم منزلة): أخبرنا عمر بن سعيد الطائي ببلخ، حدثنا حامد بن يحيى البلخي، حدثنا سفيان، حدثنا مطرف بن طريف وعبد الملك بن أبجر شيخان صالحان، قالا: سمعنا الشعبي يقول: سمعت المغيرة بن شعبة يقول على المنبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن موسى عليه السلام سأل ربه عز وجل: أي أهل الجنة أدنى منزلة؟ فقال: رجل يجيء بعدما يدخل أهل الجنة الجنة، فيقال له: أدخل الجنة، فيقول: كيف أدخل الجنة وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا إخاذاتهم؟ فيقال له: ترضى أن يكون لك من الجنة مثل ما كان لملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: نعم أي رب، فيقال: لك هذا ومثله معه، فيقول: أي رب رضيت؛ فيقال له: لك مع هذا ما اشتهت نفسك، ولذت عينك. وسأل ربه: (أي أهل الجنة أرفع منزلة؟ قال: سأحدثك عنهم، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر).
ومصداق ذلك في كتاب الله عز وجل: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
وهكذا رواه مسلم والترمذي كلاهما عن ابن أبي عمر، عن سفيان وهو ابن عيينه به. ولفظ مسلم: "فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل مُلك مَلك من ملوك الدنيا؟ فيقال رضيت رب. فيقال له: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله، فيقول في الخامسة: رضيت رب. فيقال: هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك، فيقول: رضيت رب (قال رب فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت غرس كرامتهم بيدي وختمت عليها، فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر).
قال: ومصداقه من كتاب الله: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
وقال الترمذي حسن صحيح: قال: ورواه بعضهم عن الشعبي عن المغيره فلم يرفعه، والمرفوع أصح.
وقال ابن حبان: (ذكر سؤال الكليم ربه عن خصال سبع): حدثنا عبد الله بن محمد بن مسلم ببيت المقدس، حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب. أخبرني عمرو بن الحارث، أن أبا السمح حدثه عن حجيرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (سأل موسى ربه عز وجل عن ست خصال كان يظن أنها له خالصة، والسابعة لم يكن موسى يحبها: قال: يا رب أي عبادك أتقى؟ قال: الذي يذكر ولا ينسى. قال: فأي عبادك أهدى؟ قال: الذي يتبع الهدى. قال: فأي عبادك أحكم؟ قال: الذي يحكم للناس كما يحكم لنفسه. قال: فأي عبادك أعلم؟ قال: عالم لا يشبع من العلم. يجمع علم الناس إلى علمه. قال: فأي عبادك أعزّ؟ قال: الذي إذا قدر غفر. قال: فأي عبادك أغنى؟ قال: الذي يرضى بما يؤتى. قال: فأي عبادك أفقر؟ قال: صاحب منقوص).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الغنى عن ظهر، إنما الغنى غنى النفس، وإذا أراد الله بعبد خيراً جعل غناه في نفسه وتقاه في قلبه، وإذا أراد الله بعبد شراً جعل فقره بين عينيه).
قال ابن حبان: قوله (صاحب منقوص) يريد به منقوص حالته، يستقل ما أوتي ويطلب الفضل.
وقد رواه ابن جرير في تاريخه عن ابن حميد، عن يعقوب التميمي، عن هارون بن هبيرة، عن أبيه، عن ابن عباس قال: سأل موسى ربه عز وجل فذكر نحوه. وفيه "قال: أي رب فأي عبادك أعلم؟ قال: الذي يبتغي علم الناس إلى علمه، عسى أن يجد كلمة تهديه إلى هدى أو ترده عن ردى. قال: أي رب فهل في الأرض أحد أعلم مني؟ قال: نعم الخضر فسأل السبيل إلى لقيه، فكان ما سنذكره بعد إن شاء الله، وبه الثقة.
ذكر حديث آخر بمعنى ما ذكره ابن حبان قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لهيعة، عن درّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن موسى قال: أي رب عبدك المؤمن مقتر عليه في الدنيا! قال: ففتح له باب من الجنة فنظر إليها، قال: يا موسى هذا ما أعددت له. فقال: يا رب وعزتك وجلالك لو كان مقطَّع اليدين والرجلين يسحب على وجهه منذ يوم خلقته إلى يوم القيامة، وكان هذا مصيره لم ير بؤساً قط. قال: ثم قال: أي رب، عبدك الكافر موسع عليه في الدنيا، قال: ففتح له باب إلى النار فقال: يا موسى هذا ما أعددت له. فقال موسى: أي رب وعزتك وجلالك لو كانت له الدنيا منذ يوم خلقته إلى يوم القيامة وكان هذا مصيره لم ير خيراً قط).
تفرد به أحمد من هذا الوجه، وفي صحته نظر. والله أعلم.
وقال ابن حبان: (ذكر سؤال كليم الله ربه جل وعلا أن يعلمه شيئاً يذكره به): حدثنا ابن سلمة، حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث أن درَّاجاً حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قال موسى: يا رب علمني شيئاً أذكرك به وأدعوك به. قال: قل يا موسى لا إله إلا الله. قال: يا رب كل عبادك يقول هذا، قال: قل لا إله إلا الله، قال: إنما أريد شيئاً تخصني به. قال: يا موسى لو أن أهل السماوات السبع والأرضيين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهم لا إله إلا الله).
ويشهد لهذا الحديث حديث البطاقة، وأقرب شيء إلى معناه الحديث المروي في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفضل الدعاء دعاء عرفة. وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).
وقال ابن أبي حاتم: عند تفسير آية الكرسي: حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدسكي، حدثني أبي عن أبيه، حدثنا أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن بني إسرائيل قالوا لموسى: هل ينام ربك؟ قال: اتقوا الله! فناداه ربه عز وجل: يا موسى هل ينام ربك، فخذ زجاجتين في يديك فقم الليل، ففعل موسى. فلما ذهب من الليل ثلثه نعس فوقع لركبتيه، ثم انتعش فضبطهما، حتى إذا كان آخر الليل نعس فسقطت الزجاجتان فانكسرتا، فقال: يا موسى لو كنت أنام لسقطت السماوات والأرض فهلكن كما هلكت الزجاجتان في يديك قال: وأنزل الله على رسوله آية الكرسي.
وقال ابن جرير: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا هشام بن يوسف، عن أمية بن شبل عن الحكم بن أُبان، عن عكرمة، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن موسى عليه السلام على المنبر قال: (وقع في نفس موسى عليه السلام هل ينام الله عز وجل؟ فأرسل الله إليه ملكاً فأَرقَّه ثلاثاً، ثم أعطاه قارورتين في كل يد قارورة، وأمره أن يحتفظ بهما. قال: فجعل ينام وكادت يداه تلتقيان، فيسقط فيحبس إحداهما على الأخرى، حتى نام نومة فاصطفقت يداه فانكسرت القارورتان، قال: ضرب الله له مثلاً: أن لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض).
وهذا حديث غريب رفعه. والأشبه أن يكون موقوفاً، وأن يكون أصله إسرائيلياً.
وقال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمْ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ}. وقال تعالى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
قال ابن عباس وغير واحد من السلف: لما جاءهم موسى بالألواح فيها التوراة أمرهم بقبولها والأخذ بها بقوة وعزم. فقالوا: انشرها علينا فإن كانت أوامرها ونواهيها سهلة قبلناها. فقال: بل اقبلوها بما فيها، فراجعوه مراراً، فأمر الله الملائكة فرفعوا الجبل على رؤوسهم حتى صار كأنه ظله، أي غمامة، على رؤوسهم. وقيل لهم إن لم تقبلوها بما فيها وإلا سقط هذا الجبل عليكم فقبلوا ذلك وأمروا بالسجود فسجدوا فجعلوا ينظرون إلى الجبل بشق وجوههم، فصارت سُنة لليهود إلى اليوم، يقولون لا سجدة أعظم من سجدة رفعت عنا العذاب.
وقال سنيد بن داود عن حجاج بن محمد، عن أبي بكر بن عبد الله قال: فلما نشرها لم يبق على وجه الأرض جبل ولا شجر ولا حجر إلا اهتز، فليس على وجه الأرض يهودي صغير ولا كبير تقرأ عليه التوراة إلا اهتز ونفض لها رأسه.
قال الله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}. أي ثم بعد مشاهدة هذا الميثاق العظيم والأمر الجسيم نكثتم عهودكم ومواثيقكم {فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ}. بأن تدارككم بالإرسال إليكم وإنزال الكتب عليكم. {لَكُنتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ}.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.