تقول أجهزة الإستخبارات الأمريكية إنها الآن على يقين بأن الحكومة السورية قد استخدمت الأسلحة الكيميائية ضد المعارضة، وبذا اجتازت ''الخط الأحمر'' الذي حدده الرئيس أوباما. ولذا أعلن الرئيس الأمريكي نيته تزويد المعارضين السوريين بالأسلحة بشكل مباشر. إلا أنه مع ذلك، إتسم الإعلان عن القرار الأمريكي بالحذر الذي صبغ الأسلوب الذي تعاملت به إدارة أوباما مع الأزمة السورية منذ البداية، وهو انعكاس لاختلاف الرأي في صفوفها حول ما ينبغي عمله والعواقب المحتملة لأي تصرف قد تقوم به الولاياتالمتحدة. فالسياسة الأمريكية قد تكون على وشك التغير، ولكننا ما زلنا نجهل الخطوة القادمة التي ستتخذها واشنطن. فهل سيعلن البيت الأبيض للجمهور الأدلة التي بنى عليها قراره الأخير؟ في أبريل / نيسان الماضي، قالت لنا الإدارة الأمريكية إن أجهزة الإستخبارات الأمريكية ''واثقة بدرجات متفاوتة'' بأن النظام السوري ما برح يستخدم الأسلحة الكيميائية ضد المعارضين. الا ان الحكومتين البريطانية والفرنسية كانتا أكثر صراحة. أما الآن فقد اقترب التقييم الأمريكي من الموقف الأنجلوفرنسي. فحسب نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي بنيامين رودس، هناك الآن ''يقين كبير'' بأن القوات التابعة للنظام السوري قد استخدمت ''الأسلحة الكيميائية، بما فيها سم الأعصاب سارين، بمستوى ضئيل عدة مرات في العام الماضي.'' فما الذي تغير إذا؟ هل توصل الأمريكيون إلى أدلة جديدة؟ وهل ستعلن هذه الأدلة على الملأ؟ تقود هذه الأسئلة حتما إلى السؤال المهم، وهو ما الذي تنوي الولاياتالمتحدة عمله. من المرجح ألا يتعدى العون العسكري الذي سيقدمه الأمريكيون للمعارضة السورية المسلحة - مبدئيا على أقل تقدير - تزويدها بأسلحة خفيفة وعتاد. ويقول رودس إن الرئيس أوباما لم يتوصل بعد إلى قرار حول إمكانية القيام بخطوات عسكرية كفرض مناطق للحظر الجوي في سوريا، كما أنه يرفض تماما فكرة استخدام قوات برية أمريكية. أما فيما يتعلق بطلب المعارضة السورية تزويدها بأسلحة مضادة للدروع والطائرات، فما زال هذا الطلب قيد الدراسة والتمحيص في واشنطن. ولذا، فيبدو الرد الأمريكي على اجتياز الرئيس الأسد ''للخط الأمريكي الأحمر'' مترددا في أفضل الحالات، لأن عدد الأسئلة التي يثيرها أكبر من عدد الإجابات التي يوفرها. هل يكتب النجاح لسياسة تسليح المعارضة؟ما زال الموقف العسكري في سوريا مبهما، ولكنه من الواضح أن المعارضة منيت باخفاق كبير في بلدة القصير، وأن القوات الحكومية وحلفاءها يتقدمون صوب حلب. ولكن هل كان السبب الذي يقف وراء هذه الإخفاقات شح الأسلحة، أم كان سببه ضعف التدريب وانعدام التنسيق بين قوى المعارضة المسلحة المختلفة؟ فنحن نعلم أن المعارضة تتوفر على كميات كبيرة من الأسلحة فعلا، بفضل مؤيديها الخليجيين وغيرهم. إذا ما الفرق الذي ستحدثه الأسلحة الأمريكية؟ إذا لم ينجح تزويد المعارضين بالأسلحة الأمريكية في تغيير ميزان القوى على الأرض، ما الذي ينبغي على الأمريكيين فعله حينئذ؟ هل ستزود واشنطن المعارضين بأسلحة أكثر تطورا وفتكا؟ وهل سيتطلب ذلك تدريبا أمريكيا؟ وهل يؤدي ذلك كله إلى الدخول في دوامة تنتهي في تدخل مباشر؟ هل يمكن تجنب النكسة؟ويتحدث خبراء غربيون بثقة حول التطمينات التي سيتم الحصول عليها للتأكد من عدم وقوع السلاح في أيدى وسطاء أو متشددين مرتبطين بتنظيم القاعدة لكن مافائدة تلك التطمينات؟ هل هذا يعد سببا لعدم امداد المعارضة باسلحة أكثر تعقيدا مثل الصواريخ المضادة للطائرات؟ ماذا سيكون رد الفعل الروسي؟ وسيتم مناقشة ذلك بشكل تفصيلي في اجتماعات مجموعة الثمانية المقرر عقدها الأسبوع المقبل في شمال ايرلندا. وبالرغم من ان أوباما بدا حذرا في هذا الشأن إلا أن أصوات جماعات الضغط في الولاياتالمتحدة طالبت بمزيد من الحرص حتى لايزيد الامر تعقيدا لإن سوريا اصبحت بؤرة ملتهبة قد تفجر الحرب في المنطقة بأكملها. وقد يمتد الصراع إلى العراق والأردن بالإضافة إلى لبنان وربما اسرائيل. وقد تمثل خطوة أوباما نحو تسليح المعارضة دليلا على عدم قدرته على التنصل من مسؤولية اخلاقية يجب أن يضطلع بها بينما ترى دول اخرى أن الخطوة قد تزيد من أمد الصراع إلى ما لا نهاية وهو ما يفسر تسمية الصراع السوري ب ''أزمة من الجحيم''.