يترقب الشعب المصري بل يكاد العالم بأجمعه وبكل طوائفه بدء إنعقاد الجولة الثالثة من محاكمة القرن، بعد أن انتهت الجولة الأولى فى يوم الثاني من يونيو من العام الماضى، بقرار محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار أحمد رفعت، بالسجن المؤبد للرئيس السابق حسني مبارك، وحبيب العادلي، والبراءة لأحمد رمزي، وعدلي فايد، وحسن عبد الرحمن، وإسماعيل الشاعر، وأسامة المراسي، وعمر الفرماوي، مساعدي داخلية العادلي آنذاك. وعقب منطوق حكم الجولة الأولى، انقسمت ردود أفعال الشعب مابين راضٍ، ورافض، وظل الغضب يجتاح بعض الأنصار الموالية والمؤيدة لمبارك، والبعض الآخر بات يحترم قرار المحكمة، ويشيد بنزاهة القضاء، فى حين كان الرافض أكثر غضبا، وتمثل في أسر الشهداء ومعارضيه، والذين رأوا أن القضاء خيب آمالهم، في أن يقتبسوا أقصى عقوبة من جميع المتهمين على خلفية قتل أبنائهم وأخوانهم، وفشل سعيهم وراء نيل الإعدام خاصة من كبير الدولة ووزير داخليته، آنذاك .. ويأتى قرار محكمة النقض يوم الثالث عشر من يناير الماضي ليعرقل مجريات القضية وتُحول الفرصة لإزدال الستار على ما قضته الجولة الأولى، بعدما قضت محكمة النقض برئاسة المستشار أحمد على عبد الرحمن، بقبول الطعون المقدمة من مبارك، والعادلي على مؤبدهما، وكذلك قبول الطعن المقدم من النيابة فى الجوانب المتعلقة بتصدير الغاز إلى إسرائيل، واستغلال النفوذ الرئاسى ضد مبارك، ونجليه، ووزير داخليته، ومساعديه، ورجل الأعمال الهارب حسين سالم، ليظل نظر القضية -وكأيٍن لم يكن-، وتحول أوراق القضية برمتها فى ذمة محكمة الإستئناف، لتحدد دائرة جديدة يرأسها قاضى آخرلنظرها، والعودة لنقطة البداية..
وتستثني الإستئناف يوم الثالث عشر من أبريل من العام الحالي أولى نقطة الانطلاق للجولة الثانية وتفاجىء المحكمة المختصة بنظرالقضية برئاسة المستشار مصطفى حسن عبد الله، بمنطوق الحكم بإحالة جنايتي قتل المتظاهرين والفساد المالي المتهم فيهما الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه ووزير داخليته وحسين سالم إلى استئناف القاهرة لتحديد دائرة أخرى لنظرهما لإستشعار رئيس الدائرة الحرج، ويختلف التعقيب حول قراره مابين المدح والذم، لما أبته من قبل بصدوره حكما ببراءة جميع المتهمين في قضية ''موقعة الجمل''. وترد القضية مرة أخرى لمحكمة الإستئناف ليعاد السيناريو مرة ثانية، وتحديد دائرة أخرى برئاسة قاض جديد، لتعنق أثقال القضية برمتها بذمة المستشار محمود كامل الرشيدي وعضوية المستشارين إسماعيل عوض إسماعيل، ووجدى محمد عبد المنعم، لنظرها بالدائرة الثانية بمحكمة جنايات القاهرة ليكون يوم الحادى عشر من مايو المقبل هو بدء الجولة الثالثة لمحاكمة القرن.
ولكن حتما سيذكر التاريخ على مدارالزمان، دوركل قاض لمست يداه أوراق محاكمة القرن، وبالتأكيد سيصبح بطل الصفحات هو القاضي الذي أصدر قراراً فى حكم أول درجة، ولم يطرأ عليه أى تغيير، بعد الطعن أمام محكمة النقض، ليتم تأييد قراره، وسيؤكد إحتراف القاضي المهني، الأمر الذى سيمكنه من إعتلائه لمنصة الأسماء بالسلك القضائى، فقد يكون للمستشار ''الرشيدى'' -الكلمة، لينهى الموقف المزرى لتلك القضية، ولكن لا أحد يعلم ما يخفيه بحفيظنه، هو الآخر من قرار فصل أو تنحى، كما فعلها من قبل بشهر يناير الماضى، فى قضية جريمتها مماثلة لما يدان به مبارك، والعادلى، وهى قضية قتل متظاهرى المرج، وفاجأ الجميع بتنحيه عن نظر القضية، نظرا لإستشعاره الحرج. وتشهد لسيرة المستشار ''الرشيدي'' الذي سيتولى نظر أهم قضية في تاريخ القضاء المصرى، بالحسم والجدية، ولايخاف فى الله لومة لائم، فمنذ أن تخرج المستشار محمود كامل الرشيدي فى كلية الحقوق جامعة عين شمس بدرجة جيد جدا، تم تعيينه وكيل نيابة عامة، وتدرج فى السلك القضائي حتى شغل منصب رئيس دائرة بمحكمة جنايات شمال القاهرة. فشغل المستشار الرشيدى عضواً يمينا بالدائرة الثانية بمحكمة شمال القاهرة التى كان يرئسها فى ذلك الوقت المستشار نصحى عزيز. وكان المستشار محمود الرشيدى العضو اليمين بالدائرة 15، التى كان يرأسها المستشار عدلى حسن، القاضى بمحكمة شمال القاهرة والتي أصدرت حكماً ببراءة النقيب محمد أحمد السيسي، ضابط قسم المرج المتهم بإطلاق النارعلى المتظاهرين والتى راح ضحيتها شهيداً يدعى ''محمد عمر عبد الحليم طلبة''.
وفي حركة تنقلات القضاة الأخيرة أصبح رئيسا للدائرة الثانية في محكمة جنايات شمال القاهرة، ومن أشهر القضايا التى نظرها الرشيدى، التظلم المقدم من رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة الأسبق على أمر منعه من التصرف فى أمواله.
وقام بإصدار قرار يوم العاشر من أكتوبر بالعام الماضى، بالتنحى عن نظر الاستئناف المقدم من النيابة العامة على قرار قاضى التحقيق، بأنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية فى القضيتين رقم 1999 لسنة 2012 المتهم فيها 54 شخصًا وأخرى تحمل رقم 1012 لسنة 2012، والمتهم فيها 24 شخصًا فى أحداث ماسبيرو، والتعدى على المتظاهرين الأقباط، وإلقاء الحجارة على أفراد الشرطة العسكرية لاستشعار الحرج، وقرر إحالتها إلى محكمة الاستئناف لتحديد جلسة ودائرة أخرى لنظرها. كما قام بالتنحى فى يوم السابع عشر من يناير بالعام الحالى، فى قضية قتل المتظاهرين أمام قسم المرج، التى راح ضحيتها شهيدا، و11 مصابا، والتى يحاكم على متنها العقيد أمجد محمد إبراهيم مأمور القسم، أحمد ابراهيم أحمد الفقي ومعاون المباحث، والنقيب محمد أحمد السيسي، والملازم أول محمد حامد أبو شوشة، و3 أمناء شرطة، وهم إيهاب أبوسيف، وعلى مصطفى السرباوي، وهاني فؤاد رياض؛ على خلفية إدانتهما بالقتل العمد والشروع فيه، وذلك لاستشعاره الحرج بسبب حكم البراءة في القضية الأولى.