دائماً ما نقول أن الأيام كفيلة بإظهار الحقائق، لكن أياما وشهورا بل عقودا كاملة لم تكن كافية لتحقيق ذلك في 48 عاماً بالتمام والكمال، ووجدت نفسها عاجزة أمام هذه القضية، فلم تستطع أن تقدم إجابة شافية، ولا أن تظهر جديدا في أشهر قضية اغتيال في القرن العشرين. منذ أن ارتسم الوجوم على وجه العالم كله برصاصة عرفت طريقها إلى رأس ''جون كيندي'' - الرئيس الأشهر والأصغر والأكثر جرأة على مر تاريخ الولاياتالمتحدة - ولا تزال علامات التعجب والاستفهام هي سيدة الموقف ليظل ستار الأحداث معلق غير قادر على الإسدال وطوي تلك الصفحة. اقتحم ''كيندي'' الحياة السياسية الأمريكية واستطاع أن يتدرج في المناصب بسرعة كبيرة لم يضاهيها سوى سرعة خروجه من الحياة بعد اعتلائه لقمة الهرم السياسي الأمريكي؛ فكيندي الذي ولد في 29 مايو 1917 بمدينة بروكلين، كان يملك من الكاريزما والقدرة على الخطاب ما جعله ينفذ إلى القلوب والعقول. كانت البداية مع ولاية ''ماساتشوستس''؛ حيث أصبح ممثل عنها وهو في الثلاثين من عمره، ثم أصبح عضو في مجلس النواب ومنها إلى مجلس الشيوخ ليقفز سريعًا ويدخل في صراع الانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة عام 1960 كمرشح عن الحزب الديمقراطي ليتحقق الحلم في بلد محى كلمة المستحيل من قاموس مفرداته ويصبح ''كيندي'' أصغر رئيس للولايات المتحدةالأمريكية حاملًا رقم 35. ''التغيير سنة الحياة، ومن يقصرون نظرهم على الماضي أو الحاضر سوف يخسرون المستقبل''.. قال ''كيندي'' هذه المقولة وهو لم يعرف أن كل المستقبل الذي ينتظره في البيت الأبيض بل في الحياة كلها، هم ثلاثة سنوات تقريبًا، لكن ''كيندي'' الذي اقتبس منه أوباما بعد 52 عام مقولته في خطاب التنصيب ''لا تسأل عما يمكن أن يفعله بلدك لك.. أسأل ما يمكنك فعله من أجله'' كان قادرًا على ترك بصمته كرئيس للولايات المتحدة في هذه الفترة. فعلى الصعيد السياسي استطاع ''كيندي'' - الذي تولي حكم الولاياتالمتحدة في أشد فترات الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي- أن يظهر قوة وصلابة في المواقف والسياسات تجاه السوفييت، ومع اتساع ''الحرب الباردة'' بينهم لتشمل سباق الفضاء، أطلق ''كيندي'' العنان للخيال ليصبح واقع، وعمل على إرسال الإنسان لسطح القمر وهو المشروع الذي تبناه كيندي وعملت عليه وكالة ''ناسا'' لكن القدر لم يمهله ليرى تلك الخطوة، لكن هذا لا يمنع من توصيفه بأنه ''رائد إطلاق برنامج الفضاء الأمريكي''. تدخلت السياسية في تفاصيل حياة ''كيندي'' حتى الشخصية منها، فقبل سنوات من دخوله البيت الأبيض تعرف إلى الصحفية ''جاكلين'' ليخبرها بعد فترة أنه وقع في الحب مقدمًا لها عرضًا بالزواج، قد يكون الأمر طبيعيًا لكن التوقيت الذي صادف قيامه بحملته الانتخابية للحصول على مقعد في المجلس، هو الذي جعل البعض يتساءل ما إذا كان كيندي تزوج ''جاكلين'' من أجل حملته الانتخابية، وخاصة أنه طالما تاجر بعلاقتهم أمام الصحف والإعلام. حتى عندما ساءت العلاقات بين الزوجين استمر الزواج بينهم أيضا من أجل السياسية، حتى أنه قيل أن والد كيندي قدم عرض ماليًا كبير ل''جاكلين'' حتى لا تتعثر قدم ابنه في طريقه للبيت الأبيض، لم يمر الكثير وتعالى الهمس حول الرئيس الشاب المغامر المتعدد العلاقات، على مرأى ومسمع من ''جاكلين'' التي عرفت بقوة شخصيتها وجرأتها ولكنها كانت متمسكة هذه المرة ب''كيندي'' الذي أصبح يمثل لها أكثر من زوج، فهو الآن الرئيس. ارتبط اسم كيندي بالممثلة ''مارلين مونرو'' - رمز الإغراء في العالم وقتها - وقيل أن العلاقة بينهما كانت قد وصلت لحد أن أصبح لها خط تليفوني خاص بالبيت الأبيض، فعلاقة الغرام التي ملأت وجدان كيندي، قضيت عليها ايضا السياسية، فبعد موت ''مارلين'' الغامض، ُأشير إلى كيندي في سيناريو تدخلت فيه السياسية فقد قيل أن ''كيندي'' وجد تعارض بين عشقه لمارلين وبين منصبه وطموحه السياسي فقرر التنصل من هذه العلاقة وقطعها، مما أثار حفيظة ''قطة السينما الأمريكية'' التي قررت الانتقام بفضح العلاقة بينهم فكان القتل مصير لها، وإن كان الأمر كله مجرد سيناريو لم يثبت حقيقته من عدمه. لم يتبقى في حياة ''كيندي'' سوى المشهد الأخير الذي أبت السياسية أن لا تضع بصمتها عليه، ففي عربة مكشوفة كان كيندي وزوجته جاكي يمران في طرقات مدينة دالاس خلال زيارته الرسمية للمدينة ووسط الجموع التي تخطت المئات سقط ''كيندي'' بعدما اخترق رأسه رصاصة، هرج ومرج أنتهى بالقبض على ''لي هارفي اوسولد'' على إنه منفذ الواقعة، لكن ما جعل الأمر يدخل في نطاق الغموض هو مقتل المتهم بعد يومين على يد اليهودي ''جاك روبي''. ويموت ''جاك'' بعد ذلك بسرطان الرئة لكنه مرض بشكل فيه من الريبة ما جعل من مقتل ''كيندي'' علامة استفهام، وضعت عدة سيناريوهات لمحاولة الإجابة عليها؛ فما بين السوفييت وإسرائيل التي وجدت في ''كيندي'' رئيس أمريكي على غير العادة من حيث سياسته تجاههم وتجاه مشروعهم النووي، وأخيرًا الجماعات ''الماسونية'' وغيرها من الجماعات التي رفض ''كيندي'' وجودها كان لها سيناريو في القتل أيضا فتصدق في النهاية مقولة '' تعددت السيناريوهات والموت واحد''.