في وطن يمزقه الحروب الأهلية، جاء صوتها ليتفق عليه الجميع رغم خلافتهم الطائفية والسياسية، فلن تجد لبنانيًا لا يفخر بكونه من بلد تشدوا هي فيه.. هي ''نهاد حداد'' أو كما اشتهرت ب''فيروز''. ولدت ''نهاد'' في 21 من نوفمبر بجبل الأرز بلبنان، ثم انتقلت مع عائلتها إلى بيروت؛ حيث عمل والدها ''وديع حداد'' بالطباعة، أما والدتها ''ليزا حداد'' فقد كانت ربة منزل، عاشت فيروز في بيت متواضع ولكن سعيد؛ حيث تحكى أن طفولتها لم تر الحزن رغم فقر عائلتها، كما أنها لم تكن تملك شيء مما كان لدى باقي الأطفال لكنها لا تعرف لماذا كانت سعيدة. عندما كانت تنشد ''نهاد'' النشيد الوطني بالمدرسة لفتت نظر أحد الأساتذة بمعهد الموسيقى، فشجعها على متابعة دروس الغناء، الأمر الذي وافق عليه والدها على مضض، شرط أن يرافقها أخوها، ومن هنا بدأت رحلة ''فيروز''؛ حيث بدأت العمل ب''كورال الإذاعة''، وفي هذه الفترة تعرفت على ''عاصي الرحباني'' و''منصور الرحباني'' اللذان كانا يعملان في الإذاعة، وبدأت انطلاقة ''فيروز'' الحقيقة ففي عام 1952 حققت أغنيتها الأولى مع الأخوين رحباني نجاحًا كبيرًا. ولكن لم تكن ''فيروز'' بالنسبة ل''عاصي'' فقط النجمة التي يريد أن يصنعها، بل رأى فيها أكثر من ذلك؛ حيث رأي فيها ''رفيقة الضرب'' فكان زوجها في العام 1954. وجدت فيروز وسط الرحبانية مكانها، فلقد قدم لها ''عاصي'' و ''منصور'' الفن والعائلة، وقد قام هذا الثلاثي بتقديم نوعًا جديدًا من الموسيقى العربية، التي اختلطت فيها الموسيقى اللبنانية والإيقاع الغربي، بالنسبة لفيروز من قاد هذا الثلاثي هو ''عاصي''، أما ''منصور'' فيرى أن ''فيروز'' كانت هي القائدة. استطاعت فيروز في ستينات القرن الماضي من منافسة الأغنية المصرية ذائعة الصيت، بلهجتها اللبنانية، وقد قدمت مع الأخوين رحباني العديد من المسرحيات الغنائية، والأغنيات، لم تكن فيروز من محبي أضواء الشهرة، فقد كان ما يهمها هو ما تقدمه فقط، ولكن هذا لم يمنع أن حفلات هذه المرأة الخجولة كانت مقصد الملوك والرؤساء. إلى جانب هذه الحياة الفنية عرفت فيروز كيف أن تكون أمًا لأبنائها الأربعة (زياد- هالي- ليال- ريما) فلقد استطعت تحصين عائلتها من ضريبة الشهرة، ولذلك رفضت فيروز الذهاب إلى القاهرة لتصوير أفلام سينمائية هناك، ولكن هذا لم يمنع كل من يوسف شاهين، وبركات من المجيء إلى لبنان لتقوم بالتمثيل في فيلم ''بياع الخواتم'' 1965، و''سفر برلك'' 1967، و ''بنت الحارس'' 1968، كما تلى ذلك جولات لفيروز حول العالم حققت من خلالها نجاحا كبيرا. وأثناء كل هذا النجاح جاء مرض ''عاصي'' في العام 1972؛ حيث أصيب بنزيف حاد بالمخ، ولكنه تماثل الشفاء وعاد للعمل مرة أخرى، كان مرض عاصي بمثابة تجربة وفي عام 1986 أغلق مسرح ''البكادلي''، ولم تعد هناك مسرحيات للأخوين رحباني، والحرب اندلعت، وتوفي عاصي، عرفت فيروز ما كان يحمله عنها ''عاصي'' حين رحل، وبعد رحيله عملت فيروز مع العديد من الملحنين والمؤلفين، ولكنها اعتمدت في أكثر اعمالها على ''زياد رحباني'' ابنها من ''عاصي''. إذا كان للأشخاص أصوات، فللأوطان مطربين، وللبنان ''فيروز''، ف''الست'' - كما يلقبها اللبنانيين - صوت لبنان الذي لا يعرف الطائفية، ولا المذهبية، لا يعرف سوى لبنان.