قونية (تركيا) (رويترز) - إذا كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان يخوض معركته الأشرس في حياته السياسية في ظل مزاعم فساد مع دنو الانتخابات فإن معاقل المحافظين في الأناضول ستسانده فيما يبدو. هنا ودون شق صف أنصاره المتدينيين أدت فضيحة الكسب غير المشروع والصراع المرير على السلطة مع رجل دين يقيم في الولاياتالمتحدة إلى زيادة الولع برجل يعتبره السكان أعظم زعيم تركي معاصر لأنه بنى المستشفيات والمدارس وفكك قبضة النخب العلمانية خلال العقد المنصرم. واشتملت مزاعم الفساد على تسجيلات ينشرها مجهولون على وسائل التواصل الاجتماعي بصورة شبه يومية وتظهر تعاملات غير مشروعة يتورط فيها أشخاص من الدائرة المقربة لاردوغان. وألقت الفضيحة بظلالها مع اقتراب الانتخابات البلدية المهمة والمقررة يوم الأحد. ووصف مسؤول تركي كبير الأزمة بأنها "من أكبر الأزمات في تاريخ تركيا" وردت الحكومة بحجب موقعي تويتر ويوتيوب مما أثار الغضب الشعبي وإدانات دولية. لكن في قونية البلدة المحافظة التي بلغت نسبة التصويت لاردوغان فيها 70 في المئة في الانتخابات العامة عام 2011 فإن الكثيرين يتفقون مع رئيس الوزراء في أن الفضيحة جزء من "مؤامرة قذرة" للاطاحة به يدبرها أعداء سياسيون يتصفون بالخسة وانعدام الاخلاق. ووصفت خديجة كوبرا وهي طالبة في قونية تبلغ من العمر 19 عاما المزاعم بأنها "ليست سوى أكاذيب" وحملت رجل الدين التركي الذي يعيش في الولاياتالمتحدة فتح الله كولن المسؤولية. وكان كولن حليفا سابقا لاردوغان ويقول أتباعه إن أعدادهم تقدر بالملايين. وأضافت خديجة في مؤتمر انتخابي لحزب العدالة والتنمية يوم الجمعة "الله مطلع على كل شيء. ويعلم الله ما يفعله فتح الله." وفي إشارة إلى كولن وأتباعه كتبت على لافتة في الحشد عبارة "اقتحم قطيع من الخنازير حدائقنا الروحانية." وشارك عشرات الآلاف في الحشد لتتحول قونية إلى بحر من أعلام حزب العدالة والتنمية والمحجبات. وارتدى بعض المشاركين أقنعة تحمل وجه اردوغان وتسلق آخرون الأشجار لالقاء نظره على رئيس الوزراء لكن أملهم خاب بعدما ألغى اردوغان زيارته اثر تلقيه نصائح بأن ينال قسطا من الراحة. وتثنى اللافتات الإعلانية لحزب العدالة والتنمية بما تصفه بأنها "عشر سنوات ذهبية" تولى خلالها رئاسة بلدية قونية. ولا تكترث أحزاب المعارضة بتقديم مرشحين عنها في البلدة. وكشف يوم الخميس عن تسجيل لمسؤولي أمن كبار يناقشون عملا عسكريا محتملا في سوريا. ومن بين الذين تظهر أصواتهم في التسجيل وزير الخارجية أحمد داود أوغلو العضو في البرلمان عن قونية. ولاقى داود أوغلو ترحيبا حارا عندما صعد على المسرح لالقاء كلمة بالنيابة عن اردوغان. وقال داود أوغلو للحشود التي هتفت "هل أنت مستعدة لاعطاء رئيس وزرائنا نسبة أكبر من التصويت هذه المرة يا قونية؟" وفي قونية شيدت مراكز التسوق والمجمعات السكنية والصناعية حول مقبرة جلال الدين الرومي الشاعر والصوفي الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي. ويشعر السكان بإحساس من الرخاء والرفاهية ويدينون بالفضل في ذلك لرؤية اردوغان وطريقته في الادارة. ويرى سكان البلدة الذين كانوا يشعرون بالتهميش في الدولة عندما كانت تديرها النخب العلمانية وحكوماتها الائتلافية الفوضوية أن وقتهم قد حان. وقالت ليلى ايروغلو وهي أم لستة أطفال تبلغ من العمر 54 عاما "لدينا مستشفيات قريبة وأطباء وأماكن للتنزه والقطار السريع إلى أنقرة." وأضافت في إشارة إلى مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية الحديثة قبل نحو قرن "كانت تركيا قبل ذلك فظيعة.. قتال مستمر بين اليمين واليسار ولم نكن نستطيع أن نعيش بسهولة. اردوغان هو أتاتورك الثاني بالنسبة لنا." وسلطت موجة من الاحتجاجات الصيف الماضي في مدن تركية رئيسية لرفض زعامة اردوغان الضوء على توتر داخل المجتمع التركي بين قطاع علماني إلى حد كبير في الطبقات الوسطى معظمه في اسطنبول أو على الساحل من ناحية والمحافظين الدينيين مثل أبناء قونية من ناحية أخرى. واعتبر حجب تويتر ويوتيوب في الايام القليلة الماضية دليلا آخر على ميول اردوغان الاستبدادية خاصة بين الجيل الشاب المطلع على التكنولوجيا. لكن لا يوجه كل الشبان الاتراك الانتقادات لاردوغان. وقال جهاد أوزير (21 عاما) من مركز الطلبة التابع لبلدية قونية والذي افتتح عام 2009 عندما أجريت الانتخابات البلدية السابقة "عندما أذهب للتصويت سأفكر في كل شيء منحوه لي." وكان المركز في ذلك الوقت يقدم الخدمات لجامعة واحدة في البلدة فيوفر دروسا مجانية خارج المناهج وخدمات غسل الملابس بالاضافة إلى مطعم وغرف للدراسة على مدار الساعة. وافتتحت أربع جامعات أخرى في قونية منذ ذلك الحين. وتنتشر أماكن الاستراحة الخشبية على الطرق الرئيسية في البلدة. وتم ترميم المساجد التاريخية ويجرى توليد الكهرباء من النفايات كما يبنى استاد جديد لكرة القدم ويجري تجديد وتوسيع مطار البلدة. وأقر اوزير بأن طلبة آخرين قالوا أحيانا إن سياسات اردوغان تقوم على رد الفعل لكنه دافع عن حجب تويتر في إطار مواجهة فضيحة الكسب غير المشروع. وأشار أحمد ايزي (30 عاما) رئيس فرع الشبان في حزب العدالة والتنمية إلى صورة كبيرة لاردوغان في مكتبه ظهر فيها وهو شاب عند توليه رئاسة الوزراء في عام 2002. وقال ايزي في معنى يلقى صدى فيما يبدو بين الحشود في المؤتمر الانتخابي لحزب اردوغان يوم الجمعة "انظر إليه الآن. أصبح رجلا كبيرا. إن هذا نتاج العمل المستمر من أجل بلاده. "نعم أحيانا يكون اردوغان عدوانيا للغاية.. لكن الناس تحبه لهذا السبب. إنه مثلهم بالضبط. لا يراوغ.. إنه رجل الشعب." من الكسندرا هادسون