يزهو رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بسمعته كزعيم قوي، لكن هذه القوة على وشك أن توضع على المحك. وقد سمح له قراره بشن حملة ضد المحتجين في اسطنبول وغيرها من المدن التركية بأن يُحكم سلطته على مجريات الأمور. لقد استعادت الشرطة السيطرة على ميدان تقسيم وساحة جيزي المجاورة، التي تعد المركز الرمزي للاحتجاجات. وقد ساعد تجمعان سياسيان كبيران في كل من اسطنبول وأنقرة خلال عطلة نهاية الأسبوع على التذكير بحجم القاعدة السياسية التي يتمتع بها أردوغان. وقال أردوغان أمام حشد كبير من مؤيديه: إذا أراد أي شخص أن يرى الصورة الحقيقية لتركيا، فهذه هي تركيا. وقد طُرِدَ المحتجون بوصفهم مخربين وإرهابيين وفي قلب مؤامرة كبرى تشمل وسائل إعلام أجنبية، ومضاربين في سوق الأموال، وقال أردوغان: ليس الأمر أكثر من محاولة من الأقلية للسيطرة على الأغلبية. ولن نسمح بذلك. لكن الطريقة التي رد بها أردوغان، والإستخدام المفرط للقوة من قبل الشرطة تجاه المتظاهرين السلميين، قد دعمتا من المعارضة ضده. وقال بيلار، وهو مدرس يقف وسط حشد من المعارضين الذين يهتفون بشعارات ضد الحكومة في حي بشيكتاش بالقرب من منطقة البوسفور: بالنسبة إلي، كان الموضوع يتعلق بحماية الأشجار في البداية، لكن الأمور تغيرت، وقد تم التعامل معنا بوحشية شديدة. وبعد عشر سنوات كانت فيها المعارضة البرلمانية لأردوغان ضعيفة، وجدت مجموعات متنوعة من الليبرالين والعلمانيين والأقليات بينهم قضية مشتركة. وليس هناك شك في أن الاحتجاجات سوف تستمر بشكل أو بآخر. وقال هوغ بوب، أحد سكان اسطنبول ومدير مجموعة الأزمات الدولية في تركيا: لقد أدرك الناس فجأة أن هناك الكثير منهم من الذين شعروا بالشيء ذاته، وبأن العفوية في ذلك كانت غير عادية. ويتركز كثير من السخط على الطريقة التي اختار أردوغان أن يحكم بها، وهناك علامات على أنها طريقة لها جذور عميقة. وجاء أردوغان إلى السلطة وهو يقدم مجموعة من الإصلاحات الديمقراطية التي كانت تركيا في حاجة ماسة إليها، ولكن بعد عشر سنوات من الحكم، هل ستصبح قوته نقطة ضعف له؟ ويشير استطلاع أجرته صحيفة تودايز زمان التركية أن أعدادا متزايدة من الأتراك يشعرون بالقلق من أن تصبح الحكومة أكثر استبدادا. وقال غالبية هؤلاء الذين شاركوا في الاستطلاع أنهم يعتقدون أن الحكومة تتدخل بشكل متزايد في اختيارات نمط الحياة للأشخاص. وأضاف بوب قائلا إن التحدي الآن أمام أردوغان هو ما إذا كان يستطيع أن يكون قائدا كامل التمثيل لشعبه، وهناك آخرون في حزبه يشعرون برغبة أكثر في التواصل عبر تجاوز الانقسامات السياسية. ولكن قد يكون هناك صيف طويل من السخط في اسطنبول وغيرها من المدن التركية. ويظهر اختيار النقابات العمالية الرئيسية للتعبير عن دعمهم للاحتجاجات مدى انتشار دعوتهم إلى أبعد من ساحة جيزي التي تعد مركزا لهذه الاحتجاجات. كما أن هناك مخاوف من أن التوترات المتزايدة بين اليمين واليسار يمكن أن تتفاقم، حيث إن تركيا لديها ذكريات مؤلمة لمثل هذه التوترات في الماضي. كما أن التهديد الواضح الذي وجهه نائب رئيس الوزراء بولينت أرينك بشأن نشر قوات الجيش إذا لزم الأمر يضيف للمسألة مستوى آخر من الحساسية. لقد لعب رجب طيب أردوغان دورا حاسما في السنوات الأخيرة في الحد من نفوذ الجيش العلماني على السياسة التركية. أما الآن، فقد اختار أردوغان المسار الذي لا يشمل تقديم تنازلات لفائدة المحتجين، وهو يدعو إلى الوحدة الوطنية ما دامت تتم وفقا لطريقته. قد يكون الأمر نوعا من المقامرة إذ إن الآثار الاقتصادية للاحتجاجات لم تكن بالحدة ذاتها التي أصابت صورة تركيا في الخارج. ولكن كان هناك رد فعل متشنج للأسواق المالية حيال استمرار الاضطرابات، وتعامل الشرطة العنيف مع المحتجين في كثير من الأحيان. وكل ذلك يعني أن تركيا مقبلة على فترة من التقلبات في الوقت الذي يسبق إجراء الانتخابات المحلية العام المقبل. وستتجه كل الأنظار نحو الشخصية السياسية المسيطرة في تركيا وهي رجب طيب أردوغان.