قتل 52 شخصا على الاقل واصيب نحو 180 بجروح في هجمات متفرقة في العراق الثلاثاء، عشية الذكرى العاشرة للغزو الذي دفع البلاد نحو موجة من العنف الدامي بدل ان يحولها الى حليف ديموقراطي كما كان مخططا. وقالت مصادر امنية وطبية لوكالة فرانس برس ان 50 شخصا على الاقل قتلوا واصيب نحو 180 بجروح في اكثر من عشرين هجوما استهدفت مناطق شيعية في بغداد والاسكندرية (60 كلم جنوب بغداد) والتاجي (25 كلم شمال بغداد) والمحمودية (30 كلم جنوب بغداد). كما قتل شخص في هجوم في بعقوبة (60 كلم شمال شرق بغداد)، واخر في الرمادي (100 غرب بغداد)، في يوم دام جديد في العراق يثير شكوكا اضافية حول قدرات القوات الامنية. وقال المحلل السياسي احسان الشمري لوكالة فرانس برس ان "هجمات اليوم، بعد عشر سنوات من تغيير النظام، تؤكد ان المؤسسة الامنية لم تستطع حتى هذه اللحظة ان تكبح جماح" الجماعات المسلحة. وهجمات الثلاثاء التي لم تتبناها اي جهة حتى الآن، علما ان تنظيم القاعدة في العراق عادة ما يتبنى هجمات مماثلة، هي الاكبر في يوم واحد منذ التاسع من ايلول/سبتمبر الماضي حين قتل 76 شخصا. وتصاعدت اعمال العنف مع اقتراب الذكرى العاشرة للغزو، اذ قتل 114 شخصا في اسبوع في العراق، فيما قتل منذ بداية شهر اذار/مارس الحالي 194 شخصا بحسب حصيلة اعدتها فرانس برس استنادا الى مصادر امنية وطبية. وفيما كانت التفجيرات تهز بغداد والمناطق المحيطة بها، قررت الحكومة العراقية تاجيل انتخابات مجالس المحافظات في محافظتي الانبار ونينوى اللتين تسكنهما غالبية سنية بسبب الطروف الامنية فيهما. وكان من المقرر ان تجري الانتخابات في كل المحافظات ما عدا محافظات اقليم كردستان الثلاث وكركوك المتنازع عليها في 20 نيسان/ابريل. وقبل عشر سنوات، في 20 اذار/مارس 2003، بدات القوات الاميركية غزو العراق لاسقاط نظام صدام حسين ملوحة بنظام ديموقراطي بديل، الا ان القصة اتخذت منحى دمويا حين فتح حل الجيش العراقي الباب امام تمرد مسلح، سني وشيعي. والحرب نفسها كانت قصيرة، اذ استمرت حتى التاسع من نيسان/ابريل قبل ان يعلن الرئيس الاميركي السابق جورج بوش ان "المهمة انجزت". الا ان ما تلاها بقي مصبوغا بالدم حتى اليوم. فقد شنت جماعات متمردة موجات من التفجيرات والاغتيالات اغرقت البلاد في عنف طائفي قتل فيه الآلاف، وكانت شرارته الكبرى الهجوم الذي استهدف مرقد الامامين العسكريين في سامراء شمال بغداد في 22 شاط/فبراير 2006. وخاضت قوات التحالف الدولي التي قادتها الولاياتالمتحدة، وساهمت بشكل اساسي فيها بريطانيا، معارك مع مجموعات مسلحة سنية وشيعية على طول البلاد وعرضها، من معقل السنة في الفلوجة والموصل، الى المدن الشيعية وعلى راسها النجف والبصرة. وتشير ارقام مواقع ومنظمات غير حكومية بينها موقع "ايراك بادي كاونت" الى مقتل ما لا يقل عن 112 الف مدني والاف عناصر الشرطة والجيش منذ بداية الغزو، الى جانب نحو 4800 جندي اجنبي غالبيتهم العظمى من الاميركيين. ولم تنخفص معدلات العنف، التي تبقى مرتفعة مقارنة بالمعايير الدولية، الا بعدما زادت القوات الاميركية من عديدها بالتزامن مع تاسيس قوات الصحوة السنية الموالية للحكومة والتي بدات تقاتل عناصر تنظيم القاعدة. والى جانب اعمال العنف، بقيت المصالحة السياسية بعيدة المنال في بلاد تعيش تنافسا على السلطة منذ ولادة النظام الجديد فيها. وتتنوع الازمات السياسية في العراق من الخلافات المرتبطة بالمناطق المتنازع عليها بين العرب والاكراد في الشمال، الى كيفية تقسيم عائدات النفط. وفي الوقت نفسه يواجه العراقيون يوميا نقصا كبيرا في الخدمات الاساسية كالكهرباء والمياه النظيفة، الى جانب المعدلات المرتفعة للبطالة. وتشهد مدن مختلفة في العراق تقع معظمها في محافظات تسكنها غالبيات سنية، تظاهرات واعتصامات يومية منذ اكثر من شهرين، احتجاجا على ما يعتبره هؤلاء "اقصاء وتهميشا" لهم من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي زعيم حزب الدعوة الشيعي الذي يحكم البلاد منذ 2006. وقد اعلن وزيرا المالية رافع العيساوي والزراعة عز الدين الدولة، الوزيران السنيان المنتميان الى قائمة "العراقية" بزعامة اياد علاوي، استقالتهما من الحكومة في فترة اسبوع واحد في اذار/مارس، واكدا تاييدهما للتظاهرات. وقرر الثلاثاء وزراء التيار الصدري (خمسة وزراء) الذي يقوده الزعيم الشيعي مقتدى الصدر تعليق مشاركتهم في جلسات الحكومة، بعدما اعتبر الصدر ان المشاركة في الحكومة باتت امرا "غير مجد". ويتهم المالكي من قبل خصومه السياسيين بالتسلط والتفرد بالحكم، وهو اتهام انسحب شللا في البرلمان الذي عجز عن تمرير قوانين اساسية في السنوات الاخيرة، وبينها تلك المتصلة بقطاع الطاقة. وفي خضم هذه التحديات، يبدو قطاع النفط الناجي الوحيد من تبعات ما بعد الغزو اذ انه يعيش انتعاشا غير مسبوق، مصحوبا بتوقعات تبشر بنمو اضافي خلال السنوات المقبلة.