بينما يشاهد مليار شخص في أنحاء العالم افتتاح الألعاب الأولمبية في لندن، تحفل الصحف البريطانية بالعديد من التقارير والمقالات التي تستعرض الحدث التاريخي. تصدر استعراض البرنامج الحافل الصفحات الأولى لكافة الصحف، وإن كان بعضها لم يخل من مقالات تنتقد الألعاب أو على الأقل تسجل بعض التحفظات عليها. ففي صحيفة الغارديان كتبت تانيا غولد مقالا ساخرا بعنوان أهلا بكم في الألعاب الغبية، حيث يتصارع قادتنا . تنقلنا الكاتبة الى ما وراء الكواليس، أو هي بالأحرى تختار بقعا لتسليط الأضواء عليها مغايرة لتلك البقع التي سلطت كل الكشافات القوية عليها ونقلتها جميع محطات التلفزيون. تستعرض الكاتبة، باسلوبها الساخر، بعض الجوانب الطريفة في خلفية الألعاب، والحروب الصغيرة التي دارت على أكثر من جبهة. رئيس صربيا الجديد، توميسلاف نيكوليتش، طلب أن لا يجلس بجوار رئيس وزراء كوسوفو هاشم تاتشي، وكان هناك حادث بسيط يتعلق بوفد كوريا الشمالية عندما عرض علم كوريا الجنوبية مكان علم كوريا الشمالية على لوحة التعريف باللاعبات قبل انطلاق مباراة كرة القدم النسوية بين كوريا الشمالية وكولومبيا في مدينة غلاسغو الاسكتلندية. كان هناك حادث آخر يتعلق بالأعلام، فقد أزيل علم تايوان من بين أعمال الدول المعروضة في ريجنت ستريت في وسط المدينة، وتتساءل الكاتبة متهكمة إن كان هذا بضغط من محل هامليز للألعاب الذي يريد الحفاظ على علاقة طيبة مع السفارة الصينية. وماذا عن الديكتاتورات الذين تجمعوا لمشاهدة الأعلام؟ لقد أخضعوا لقانون قمعي ، وذلك بحظر استخدامهم لليموزين، بل عليهم أخذ الحافلة من قصر الملكة الى مقر الاحتفال، وتعبر الكاتبة عن غبطتها لذلك. أما اللاعبون فلم يحظوا بتغطية سارة، تقول الكاتبة، فقد تطفلت بعض وسائل الإعلام على حياتهم وميولهم الجنسية. تثير صحيفة الفاينانشال تايمز، في مقال كتبه جدعون رحمن، قضية أخرى مرتبطة بالألعاب الأولمبية، وهي قضية التعدد الثقافي والعرقي في مدينة لندن. تركز افتتاحية الألعاب على التعددية الثقافية للمدينة، تحتفي بها وتظهرها كإحدى المعالم الإيجابية لمدينة لندن. ولكن على الجانب الآخر كان هناك لغط حول وجود لاعبين لم يولدوا في بريطانيا في صفوف الفريق الأولمبي البريطاني. هل في هذا تناقض ؟ أكثر من ذلك، هل هذا يمثل ازدواجية في النظرة الى مسألة التعددية ؟ هل نحتفي بها ؟ هل يحتفي بها جميع البريطانيين ؟ وهل يفعلون ذلك فقط ان كانت هناك فائدة تجنى من ذلك ؟ وماذا عن هذا اللغط حول الفريق البريطاني؟ بعض اللاعبين لم يولدوا في لندن فعلا، ربما ولدوا في الصومال أو كوبا أو السودان، ولكنهم ربما سيحرزون ميداليات للفريق البريطاني، فما المشكلة ؟ يتساءل كاتب المقال. يقول الكاتب ان من يتمشي في شرق لندن حيث مسرح الألعاب سيرى التنوع الإثني الذي يسبب توترا لم يعد يمكن إنكاره، فقد انتشرت في شرق لندن الأحزاب المناهضة للهجرة، والتي تلعب على وتر المخاوف التي يثيرها وجود المهاجرين في المجتمع البريطاني. يتذكر البعض تفجيرات لندن عام 2005 والتي نفذها أبناء مهاجرين، ويتساءلون: هل أنتجت الهجرة جيلا من البريطانيين الذين يكرهون بلدهم وسكانها ؟ وقد أثر هذا التوتر على مواقف الأحزاب السياسية الكبرى من الهجرة، التي لم تعد تخفي تحفظاتها، وهي تحاول تبرير ذلك بالعامل الاقتصادي والتنافس على فرص العمل وازدحام المدارس. يقول الكاتب ان البلد الذي يجذب المهاجرين من أنحاء العالم لا بد أن يجذب معهم التوترات السياسية في المناطق التي أتوا منها. في صحيفة الاندبندنت يكتب أدريان هاملتون مقالا بعنوان نحن قلقون على سوريا للاسباب الخطأ . تركز التقارير التلفزيونية التي تتناول الأوضاع في سوريا على مخاطر حرب أهلية وطائفية محتملة، يقول الكاتب، وتحذر تلك التقارير من إمكانية انتقال تلك الحرب الى الدول المجاورة. ليس هناك قلق حقيقي على أوضاع اللاجئين السوريين الذين يتدفقون الى الدول المجاورة: الأردن ولبنان والعراق، بل على انهيار التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط، كما يرى الكاتب. ويذكر الكاتب بأنه حين غزا الاتحاد السوفياتي أفغانستان وتصدى الغرب له لم تثر مخاوف كهذه من احتمال اندلاع حرب أهلية في البلاد، وهو ما حصل لاحقا وأدى إلى نزوح الملايين من الأفغان الى دول مجاورة، خاصة إيران وباكستان. إذن لماذا القلق على سوريا الآن ؟ يتساءل الكاتب. ويلاحظ أن هناك توجها يحبذ رحيل الأسد مع عدم المس بالنظام، وهو ما حصل في مصر تقريبا، حيث ضحى الجيش بالرئيس مبارك بينما يريد الإبقاء على النظام، كما يقول الكاتب. كان الغرب دائما يستخدم الأمن كذريعة لدعم الأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط، ويخشى أنه يكرر هذا الآن في تعامله مع سوريا، فهو الآن مشغول باحتمال المواجهة بين السنة والشيعة وبامتداد نفوذ الإخوان المسلمين، وهو شيء كانت قد شجعته الولاياتالمتحدة وإسرائيل وبريطانيا في محاولة لعزل إيران.