كان الملعب عن أخره.. وتدافعت الجماهير نحو مدرجات الدرجة الثالثة.. ونجح الطفل الصغير ابن ال 12 عاماً.. أن يجد لنفسه موقعاً بين الألوف.. انخلعت فردة حذائه.. ولم يستطيع الوصول اليها.. إلا بعد انتهاء المباراة بأكثر من ساعة وكانت المفاجأة.. أن الفردة التي تم العثور عليها كانت مقاس 44 والصغير مقاس قدمه لا يتجاوز 40 كما أنها سوداء.. وحذاء الفتي "بني".. لكن من محاسن الصدف أن الكثير من الأحذية باشكالها وألوانها كانت موجودة علي الأرض اسفل المدرج. اللحظة التي دخل فيها الصبي إلي الملعب وجد طوفاناً من الجماهير تهتف بنداء كان يسحق لأول مرة:"بص شوف حمادة بيعمل ايه".. أي أنه شهد هذه اللحظة التاريخية لنداء تحول فيما بعد إلي فولكلور شعبي.. يومها فاز الزمالك علي الأهلي 1/2 وحقق بطولة الدوري.. بعدها بأيام ذهب الصبي إلي ملعب الجيش بكوبري القبه.. وكان المستشفي العسكري ولم يكن هناك ما يفصل بين المستشفي أو اتحاد الجيش الرياضي ومبني المعهد الفني العسكري.. في هذا الملعب رأيت حمادة إمام يلعب لفريق المشاه.. وكان دوري الجيش يضم كل نجوم مصر صالح سليم طه الشاذلي وكانت الفرصة متاحة لكي نسلم ونتكلم لأن المدرجات الخشبية محدودة العدد وفي الجيش ضبط وربط.. ولا يستطيع لاعب أن يبتعد عن المشاركة في هذا الدوري الذي ينافس الدوري الممتاز لأن كل سلاح كان يتسابق لضم النجوم.. وحمادة هو ابن المؤسسة العسكرية وكان والده من المنتمين إليها وايضا إلي دنيا كرة القدم والزمالك تحديداً.. وبعدها بسنوات دخل من بلدياتي إلي الزماك طه بصري ومحمود سعد وحكمته وسعيد الجدي وحسن بصري.. وكاد حمادة يقتلني بالصدفة فقد وقفت بالملعب الفرعي اتباع التدريب وسرحت وأنا أكلم زميلاً لي وسدد حمادة كرة صاروخية خبطت في دماغي علي غفلة واحسست وقتها أن علاقتي بالدنيا قد انتهت لكنها كانت فرصة لكي يأتي حمادة بنفسه ويطمئن علي أن الفتي مايزال علي قيد الحياة.. وبعد سنوات قليلة عملت بالكورة والملاعب وقابلت حمادة وجهاً لوجه.. وكتبت قصة صعوده نشرتها في مجلة الصقر ضمن سلسلة "الكباتن" التي حولتها بعد ذلك الي حلقات اذاعية بالشباب والرياضة شملت إلي جانب نجوم الرياضة المصرية نجوم العرب والعالم. واصبحت صديقاً لحمادة.. وزادت صداقتي به عندما زاملت السيدة زوجته الدكتورة ماجي الحلواني في لجان تحكيم مهرجان الاذاعة والتليفزيون.. ثم امتدت إلي الثعلب الصغير حازم واكتشفت فيه مثقفاً لا تخلو حقيبة سفره من كتب مهمة نادراً ما تجدها بين أيدي لاعبي الكرة وكثيراً ما كنا نتحاور في رحلات خارج مصر جمعتنا سوياً.. وتعرف حمادة علي ابنتي ميادة المذيعة بالشباب والرياضة وكان يرسل بتحياته وسلامه عندما تباعدت بيننا المسافات.. وقد ربطت بين حمادة وفؤاد المهندس.. كلاهما ابن ناس ونجم في مجاله وهما علامتان لعصر من الفن والرياضة.. رحمهما الله ورحم أيامهما.