بما إنني طالبة في كلية الإعلام , قررت أن أكون مثقفة تماشيا مع موضة الأيام ديه , وتماشيا مع كوني إعلامية حلمها أن تصير صحفية مشهورة أوي , وتدخل الجزيرة , وتكسر الدنيا , وتثير بلبلة في الأوساط الإعلامية , ويسفروني فلسطين زي مصطفى قمر في فيلم أصحاب ولا بيزنس , وأعود إلى وطني إنسانة أخرى , زاهدة في الحياة , زاهدة في المال والشهرة والنفوذ والنجاح وحتى الجواز , أفكر وأتأمل وأعامل الناس بمروءة ولما حد يشتمنى أقوله الله يسامحك , فيعني لما حد يشوف الموت بعينه لن يستفزه أحد يقول له يا حمار ! فكرت كثيرا في الوسائل التي لن تجعلني طالبة إعلام عادية , افترحت على نفسي أن أحترف بجانب الغلاسة والرخامة " الكتابة " , بس لأ..... أنا لا أتنازل عن مبادئي , هحترف الكتابة بلمسة الرخامة والغلاسة التي تجري في دمي , وبما إني خريجة علمي أساسا وعندما غدرت بي الكيميا قلنا نجرب ونمشي في سكة الأدب, فكما قال الحكماء على مر العصور : " الأدب فضلوه على الكيمياء " . وبما أن والدي من طبقة الأباء المثقفة بادرته بالسؤال : " يا بابا عاوزة أحترف الكتابة " , فوجدت والدي عينيه برقت , والحدقتين قد اتسعتا على أوسع أبوابهما , واللهيب قد انطلق من أذنيه , والدم جر في عروقه ( وحكاية الدم جرى في عروقه تجعلني أتساءل بما أننا طبيا و علميا نتوارث صفات الآباء بالجينات والذي منه , ليه أبويا عنده دم وأنا أفتقد للجين المسئول عن هذه الصفة الفقيرة أنا منها ؟؟؟!!! ) ما علينا نبقى نعالج موضوع الجينات فيما بعد , لأنه احتمال كبير جدا أن يكون جينا متخفيا في إحدى أركان الخلايا الهلكانة , وجدت والدي قد اتنرفز من وقع الكلمة , لا أدري لماذا , ولكنه بعد بضع دقائق استرد دمائه لتسير بانسيابية وسهولة في عروقه , وبدأ بإعطائي بعض التعليمات , والتي أهمها إني أحترف الأول القراءة , وبدأ والدي باختيار شوية كتب أبدأ بها , لأنطلق بعدها بمفردي , وبدأت بمتابعة نشرة أخبار الجزيرة , والاتجاه المعاكس , وسري للغاية , وشاهد على العصر , ولا أفوت العاشرة مساء ولا 90 دقيقة , وعشت بأة , وعملت مدونتي , وجروب عالفيس بوك باسمي ككاتبة وصحفية لها وزنها , وبما إني مثقفة انضممت إلى إتحاد الشباب الجمهوري الديمقراطي الليبرالي الاشتراكي الرأسمالي الإسلامي المصري , ونظمت الخطب , وبصوتي الجهور ألقيت في الناس خطبي , على أمل الحصول ولو على خطبة واحدة تتردلي وأعيش زي كل البنات , بس ما علينا , وبما إني مثقفة أبدأ أحاديثي دائما بكلمة " في الواقع ..." وأنا أنظر إلى الفضاء اللامنتهي , أتحدث وبين سبابتي ووسطاي السيجارة , وأجلس بعد الظهر على قهاوي المثقفين في وسط البلد , وأطلب حجرين شيشة , وأقرأ كتابا عن الجنس , وعندما أرى سامح زميلي قادما من بعيد أخده بالحضن والقبلات البريئة , فيها إيه يعني مادام in public , no feeling , so what ?? , أصدم الناس حولي بتابوهات ممنوع اختراقها , وأتحدث فيما لا يجب التحدث عنه , وأسير بمبدأ " خالف تعرف " , وأعيش حياة المثقفين , لأتصدم في الآخر وبعد كل هذا المجهود وبعد اتخاذي كل تلك الخطوات لأكون مثقفة , أحد الكتاب المخضرمين , يتعطف علي ويقول لي : " أقعدي يا بنتي في البيت وقمعي بامية , أنا بنتي في ابتدائي بتكتب احسن منك " . وكما غدرت الكيميا بي , الثقافة أيضا غدرت بي ! واحترفت اشياء أخرى ظنا مني أنها ثقافة , وأنا يا ولداه ظلماها ! يعني لا طولنا كيميا ولا أدب ...