دائماً ما تحوى أوقات الشرود أفكاراً وحكايات مشوشة .. بعضها مهم وأكثر بعضها ساذج .. الأهم أن معظمها لا يصلح قطعياً للكتابة والنشر إلا على الإنترنت وبإسم مستعار ومن خلال جهاز آخر لزميل تكرهه .. هذه الأخيرة – أصارحكم – لو تكن ضمن معلوماتى لكننى أكتسبتها حين صارحت أحدهم مرة بأننى قد قررت أن أكتب مقالا عن الفتنة الطائفية فى مصر..هكذا – لكم أن تتخيلوا – أطلق الرجل مكنسة فمه الكهربائية ليسحب الهواء سحبا من الجو كى أفهم – أنا الساذج الغرير - أنه أمر خطير. "يا مجنون..أنت داخل على تعيين..متوديش نفسك فى داهية".... لم أكن أعى أو أحب حتى أن أعى لماذا سحب كل هذا الهواء ليبدو كالتنين .. كنت أرى فى ذلك مبالغة مصرية صميمة ومستمرة منذ عهد الثورة..ربما لنشأتى المعتدلة فيما يخص هذه الأمور وربما لأننى لا أحب الخطوط التى لا أفهمها .. كنت كثيراً ما أتحدث صراحة مع زملائى المسيحيين فى هذه الأمور وكان أكثرهم يحب ذلك. "يا عم أنت مالك ومال السياسة". كنت منذ نشأتى فى هذا البلد العزيز قد أدركت قاعدة لا يضاهيها فى الثبات سوى إصرار المصريين على استخدام قواعد الكبارى بصورة غير تقليدية !!.. هذه القاعدة هى أن الكثيرين فى مصر يعشقون تحديد البشر ..مسلم ومسيحى..صعيدى وبحراوى..جامعى أو غير جامعى..أهلاوى زملكاوى..شمال يمين..الناس اللى فوق والناس اللى تحت..هكذا يجب أن يصير لك دائماً قائمة تنمتى إليها..والتقسيم فى حد ذاته أمر لا أتعجبه ما لم يصير واجباً عليك أن تكون أحد أطراف هذه التقسيمة وأن تشجع فريقك من منطلق أنه الأفضل وأنه صاحب كل الحقوق..أنه هو الموجود بل هو كل الوجود. أتحدث عن الفتن الطائفية ؟ .. لا.. الأمر ليس كذلك فعلياً ولو كان فيه بعض الحق .. كنت كغيرى أقرأ الكثير عن الحوادث الطائفية المدوية والتى كان الإعلام الحكومي يتفادى الخوض فيها ممررا إياها بطيبة قلب كى تتسلمها وسائل إعلام أخرى بالتحليل والنشر .. لكننى – كغير الآخرين - كنت أراها شديدة التشابه لأحداث أخرى لا تمت لها بصلة نظريا كحرق مشجع فريق ما على أيدى جماهير فريق أخر أو طعن لاعب فريق بسكين على يد جماهير فريق آخر..أرى مشاجرة عادية بجامعة خاصة بين طالب من أبناء بلدة كذا وطالب أخر من (دولة) أخرى فأراها تتحول فى لحظات إلى معركة جماهيرية عريضة بكل ما هو متاح..يثور الطلبة من أبناء نفس البلد وينطلقون لنصرة وطنهم العزيز..أسلحة بيضاء وإصابات..هكذا الحال دائماً .. أرى ذلك فأراها أحداثا لا تُقسم .. يمكننى مستريحا أن أسميها أسما واحدا. أشتكى زميلى المسيحى مرة من تعسف بعض الأساتذة المسلمين معه فى الإمتحانات الشفهية .. هكذا وجدنى أشتكي له تعسف نفس هؤلاء الأساتذة أيضا .. ظن أننى أستخف بحديثه لكننى صدقاً لم أكن أفعل..كما لم أكن أتكلم عن أساتذة من دين معين .. كنت أتحدث عن رأيّ المتواضع فى محابة البعض منهم لإبن فلان وابن فلان وهو الأمر الذى لم يعد غريباً أو مستفزاً منذ زمن .. كنت أتحدث عن إزدواجية التصرف فى امتحانه لطالب مجهول و آخر (معروف) .. هذا أيضاً أسميه تعسف يا زميلى .. هذا أيضاً يسمى إضطهاد .. أنا و(المعروف) نتناسف فلماذا يحصل هو على ميزة كونه ابن فلان..أنا وأنت نتنافس فلماذا أحصل أنا على ميزة أننى مسلم. "يا ابنى أسكت بقى" زميلى المسيحى كان شديد الوعى..لذلك فهمنى بسهولة..مع كل حادث طائفى مدوى هناك ألف قصة تدل على التسامح والرقى لكننا قطعاً لن نعرفها.. القضية ليست قضية فتنة أو إضطهاد بقدر ما هى قضية ثقافة وضمير شعب يجب أن يتغير .. شعب يخرج حمم أفكاره ومخاوفه فى شكل لا معنى له .. أنظر إلى الشوارع..إلى الملاعب..إلى المقاهى..جرب أن تهين ناد لمشجع متعصب يقف محتقناً فى المدرجات وفريقه موشك على الهزيمة وستعرف أنه لا يختلف كثيرا عن رد فعل لإهانة دين أو عرض..هى ثقافة شعب تعلم أن ينفعل ضد كل ما هو آخر وأن يصنع صراعا معه..أن يشكك فى نواياه ويكرهه..هم يتحدثون عن الفتن الطائفية بينما أتحدث هنا عن كل الفتن التى يستغلها الآخرون ليصنعوا الفوضى .. أتحدث عن العقول غير المثقفة والأرواح غير الراقية والقلوب التى لم تتشبع بدينها .. والأهم من ذلك فى أصل الضمير. رسالة غريبة ربما .. لكننى أحب أن أقول .. كما قال زميلى .. المشكلة ليست فى الدين .. المشكلة هى فى مدى فهمك لهذا الدين . "يا ابنى الله يخرب بيتك روح شوفلك حتى تانية".....!!!! كما رأيتم هو كلام شائك..لذا من الأسلم ألا أنشره وألا نتكلم فيه..الطيب أحسن....!!