على أنغام أوراتوريو الميلاد ل(جوهان سباستيان) التي تملأ الدنيا في عيد الميلاد المجيد يجلس الشاب اليتيم بجوار أمه المريضه في انتظار حضور الطبيب فهي تعاني من حمى خطيرة ترقد على أثرها مُسجاةً في الفراش غائبةً عن الحياة تاركةً ابنها الذي شاركها شحوب الوجه و ذبول الجسد من أثر سهره على تمريضها وقد تقاذفته الآلام والأوهام و الأوجاع خوفاً على أمه التي تعطيه معنى الحياة وقيمتها ؛ وحدها كانت ولا تزال تحافظ على توازن كل شئ في حياته التي عاشها بقوة دفع حبها له وعطفها عليه و تَحَمُلِها الصعاب من أجله . على أنغام أوراتوريو الميلاد ... تمتد يد الشاب نحو أمه بالكمادات و تدمع عيناه و هو يتذكر كيف أنها كانت تتناول ما يتبقى من اللحم حول العظام والشوك من بقايا طعامه في صغره ، وعندما اهتز قلبه لذلك وقدم لها طعامه قالت له بكل حب أنها ليست جائعة ! ؛ تذكر كيف أنها تنازلت عن حياتها بعد وفاة أبيه ورفضت الزواج من أجل ولدها و كذبت على نفسها وقالت أنها ليست بحاجة إلى الحب ! ؛ تذكر كيف أنها رفضت ما قدمه لها من مال ليعينها بعد طعونها في السن وعجزها عن العمل وقالت له أنها ليست بحاجة إلى المال ! تذكر كيف أنها عندما أفاقت منذ قليل ورأت خوف ابنها وشحوبه وقلقه عليها ابتسمت له ومسحت بيدها على رأسه وقالت : لا تقلق ؛ انا لا أشعر بالألم !! على أنغام أوراتوريو الميلاد ... يصل الطبيب ويخرج الشاب خارج الغرفة منقبض القلب راجياً من الله أن يجعل الطبيب سبباً في الشفاء ؛ مرت الدقائق كسنوات وهو يقطع الخطوات خارج الغرفة جيئة وذهابا؛ تغيرت ملامحه ألف مرة، وتشابكت أصابعه خمسين ، وقلبه لا يزال منقبض و لسانه لايزال يلهج إلى الله أن يُنزل رحمته على أمه ؛ لحظات من الترقب والغموض تأتي وتروح ؛ لكنها حين تروح لا تروح إلا وهي تترك في القلب غُصة . على أنغام أوراتوريو الميلاد ... يخرج الطبيب من الغرفة واجماً ليُلقي بالنبأ الحزين في وجه الشاب : " البقاء لله .. شد حيلك " . على أنغام أوراتوريو الميلاد ... يسمع الشاب النبأ وقد أطبق عليه الصمت وكأن الدنيا توقفت تماماً من حوله وكأن عقارب الساعة قد دقت بآخر ما عندها وليس ثمة متسع للمزيد ؛ يُسرع الشاب نحو أمه ؛خارت قدماه أمامها وانهمرت الدموع من عينيه ؛ تشبث بياقتها البالية، صرخ باكياً منادياً عليها علها تجيب فهو لايزال عنده الكثير ليقوله لها ؛ لعله أراد فقط أن يخبرها بمقدار حبه لها وبقيمتها في حياته ؛ وبعد أن أدرك أنها لن تجيب استجمع كل اعترافاته في شكل قبلة طويلة طبعها على جبينها ؛ لقد ماتت من باعته حبها دون مقابل ؛ ماتت من أعطته راضيةً روحها وحريتها هِبةً وليس قرضاً بنكياً بفائدة مركبة كما بقية الناس . لقد أدرك فجأة أنها كانت شيئا آخر لم يشبه أحدا ولم يكن أحد يشبهه .