"عندما تصل إلى القمة بالصاروخ وتهبط منها على سلم" .. هكذا يصف الدكتور عاشور الشحات، الحال الذى ينتهى إليه حملة الماجستير والدكتوراة فى مصر، حيث أكوام من التراب تغطى رسائلهم، وعشرات من الاختراعات والنظريات تظل حبيسة الأدراج ولا تخرج إلى النور. والشحات أحد هؤلاء العلماء والمخترعين فى مجال تخصصه "الهندسة الزراعية"، الذى رفض عروضا غربية لشراء تصميمات مختراعاته وتسويقها عالميا، حيث آثر بها أرض الوطن، رغم ما عاناه عليها من تهميش وعراقيل. أول القصيدة .. واسطة حصل عاشور على درجة البكالوريوس فى الهندسة الزراعية عام 1991 ،إلا أن "الواسطة" كانت أول العقبات فى طريقه العلمى، فعلى الرغم من حصوله على المركز الأول على مدى سنوات الدراسة الأربع، إلا أن حلمه الأول فى التعيين فارقه عندما ذهب إلى أصحاب "الواسطة والمحسوبية". وفى عام 1993 تم تعيينه براتب 60 جنيه شهريا بموجب عقد مؤقت يجدد كل ثلاثة شهور بمركز البحوث للهندسة الزراعية. صدمته الأولى لم تقطع آماله العلمية، حيث مكنه تفوقه العلمى من الحصول على منحة علمية من أكاديمية البحث العلمى ليحصل على درجة الماجستير فى عام 1997 ، ولم يحالفه الحظ بالحصول على منحة أخرى، فاضطر إلى استكمال دراساته على نفقته الخاصة حتى وإن كانت محدودة، فحصل على درجة الدكتوراة عام 1999. منحة ياباني وواقع مصري واصل د. عاشور رحلته العلمية حتى استطاع نيل المركز الأول فى البحث العلمى والحصول على منحة يابانية فى عام 1995 قُدرت بمبلغ 1000 دولار، لم يحصل منهم إلا على مبلغ 180 جنيه مصرى فقط لا غير. شغفه العلمى كان دافعه ليس فقط لمواصلة البحث ولكن لمواصلة الحياة، فرغم عدم حصوله على مستحقاته من المنحة اليابانية، استمر الدكتور الشحات فى إجراء البحث المتعمق حتى استطاع الحصول على المنحة ذاتها للمرة الثانية عام 1997 ، وحصد المركز الأول فى البحث العلمى على مستوى مصر أيضا فى السنة ذاتها . اختراع في خبر كان توصل الباحث إلى إختراع أول ماكينة لحصد المحاصيل المفترشة على سطح التربة والتى تُعرف بصعوبة حصدها وحاجتها إلى الأيدى العاملة، حيث يقتصر حصدها على الطرق اليدوية دون غيرها وفى مقدمتها العدس، حيث يتم حصد نحو 300 ألف فدان سنويا فى مصر بالطرق اليديوية، وهو ما يوفره الإختراع من حيث التكلفة والوقت والجهد من خلال الحصد الآلى. تلقى الدكتور عاشور عروضا خارجية لشراء تصميمات الاختراع وتسويقه عالميا، إلا أنه رفض وفضل أن تستفيد به مصر، فذهب إلى الجهات الحكومية المسئولة ممثلة فى أكاديمية البحث العلمى لتسجيل براءة الاختراع، فوجئ بأعباء مالية إضافية هى تكاليف التسجيل، وهو ما لم يستطع سداده بعد نفاذ ميزانيته على البحث والتدقيق. سألناه عن مصير الاختراع الآن.. فأجاب : "رميته ..! ورسائلى موجودة فى مكتبة الكلية تغطيها أكوام من التراب". لفت عاشور إلى أن الباحث المصرى حُرم من حق النشر لأبحاثه بسبب قانون حظر نشر الأبحاث العلمية لغير المنتمين لجهات بحثية حكومية، وهو السبب الذى يقف عائقا فى أن ترى المئات من الأبحاث النور. ويرفض أن يسير أولاده البالغين من العمر 6 سنوات، و8 سنوات على نفس منواله العلمى قائلا:"ناوى أبعدهم خالص عن البحث العلمى حتى لا يعانوا مما عانيت منه".