تجتهد اليوم القوى السياسية والوطنية وعدد من الشخصيات العامة المؤثرة فى المشهد المصرى، من بينهم بعض مرشحى الرئاسة المحتملين، لطرح حلول فعالة لأزمتين تتعرض لهما المرحلة الانتقالية الراهنة. الأزمة الأولى هى الضعف الانتخابى والجماهيرى للقوى السياسية والوطنية المنتسبة لثورة 25 يناير والممثلة لها. الكثير من هذه القوى تشكل بعد الثورة ولم تسعفه الأشهر القليلة الماضية، وفى بيئة سياسية ومجتمعية غير هادئة، لبناء وتطوير إمكانيات التواصل مع المواطنين وصياغة خطاب انتخابى متماسك والبحث عن مرشحين معروفين فى سياقاتهم المحلية أو الدفع بمرشحين لتعرفهم سياقاتهم المحلية لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة وتطوير الماكينة المالية اللازمة للمشاركة فى الانتخابات. وينطبق هذا على جميع الأحزاب الجديدة بغض النظر عن يافطاتها السياسية من ليبرالية إلى وسطية إلى يسارية ولا تستثنى هنا الأحزاب ذات التمويل الجيد، فهى أيضا تعانى من صعوبات جمة على مستوى البناء التنظيمى والمرشحين والخطاب الانتخابي. بل أن الضعف الانتخابى والجماهيرى لا يقتصر على الأحزاب الجديدة ويطال بكل تأكيد قوى راسخة فى المشهد السياسى، إلا أن عقود سلطوية مبارك الطويلة أنهكتها. بعيدا عن حزب التجمع الذى يبدو متهالكا وغير قادر على مواكبة التطور فى طرح اليسار المصرى، يعانى حزب الوفد بكل إمكاناته المادية ومقراته المنتشرة على امتداد الجمهورية واسمه المعروف لأغلبية المواطنات والمواطنين من ضعف جماهيرية قياداته ومن محدودية عدد مرشحيه القادرين على الفوز فى الانتخابات البرلمانية. بل أن حزب الحرية والعدالة، بكل ما لجماعة الإخوان من ثقل تنظيمى وسياسى ومالى، يعانى من التصدعات المتتالية داخل الجماعة ومن تركز وجوده الجماهيرى فى المدن وبنادر المحافظات ومن منافسة التيارات السلفية الشرسة له ولمرشحيه. ويعمق من الضعف الانتخابى والجماهيرى للقوى المنتسبة للثورة والممثلة لها قانون انتخابات مجلسى الشعب والشورى بالصيغة التى أقر بها وتسعى كل القوى لتغييرها باتجاه اعتماد كامل لنظام القائمة غير المشروطة واتاحتها للحزبيين والمستقلين ولائتلافات المستقلين. يخيف أيضا تقسيم الدوائر الانتخابية فى ظل 50% للقائمة و50% للمستقلين، وفقا للقانون المعتمد إلى لحظة كتابة هذا المقال، لأن دوائر المستقلين باتت مترامية الأطراف على نحو سيمكن أصحاب المال الوفير والمنتمين للعصبيات العائلية والقبلية من حسم معظم مقاعد المستقلين لصالحهم ويأتى من ثم بذات نخبة نظام مبارك إلى صدارة العمل التشريعى فى مصر بعد الثورة. إزاء هذه التحديات تجتهد القوى السياسية والوطنية للتوافق حول قائمة وطنية موحدة تحيد بها الخلافات الأيديولوجية والسياسية بين الإسلاميين والليبراليين واليسار وينطلق فى سياقها من أولوية مواجهة فلول الحزب الوطنى المنحل ورفع نسبة تمثيل القوى المنتسبة للثورة والممثلة لها لتصل لأغلبية برلمانية قادرة على العمل التشريعى والتنفيذى المستقر والمنتظم. أتمنى أن ترى القائمة الوطنية الموحدة النور وأن تلتزم كل الأطراف بها وأن يساعدنا التغيير المنتظر فى قانون انتخابات مجلسى الشعب والشورى تتمثل الأزمة الثانية التى يعانى منها المشهد السياسى المصرى فى غياب هيئة أو كيان مؤسسى يتفاوض باسم القوى السياسية والوطنية وبصيغة جماعية مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتحديد جدول زمنى لنقل السلطة للمدنيين وللانتهاء من وضع الدستور ولإدارة المرحلة الانتقالية. فتفاوض الأحزاب والقوى السياسية الفردى مع المجلس الأعلى لم يعد بالكثير من النفع واستغل تضارب المواقف فى تمرير قرارات وتشريعات غير مقبولة، آخرها قانون الانتخابات وتفعيل قانون الطوارئ. لاحتواء أزمة غياب هيئة تتفاوض باسم المصريين مع المجلس الأعلى توافق عدد كبير من الأحزاب والقوى والشخصيات العامة على الدعوة لتأسيس مجلس توافق وطنى تمثل به الأحزاب والمجتمع المدنى والنقابات المستقلة وائتلافات الثورة والاتحادات النوعية وشخصيات عامة وتكون مهمته هى الشراكة مع المجلس الأعلى فى إدارة المرحلة الانتقالية. والهدف هو من جهة ألا نستمر فى إضاعة وقت مصر من جراء قرارات وتشريعات تصدر بانفرادية ولا تحظى بقبول فيعترض ويحتج عليها ثم تتغير بعد تنازع يمس الشارع ويقلق المواطن. ومن جهة أخرى، أن ننجح فى طرح خريطة طريق وجدول زمنى للانتقال الديمقراطى على الرأى العام ونطمئن من ثم المواطنات والمواطنين بأن مصر لن تكون مع حكم مجلس عسكرى يستمر إلى ما لا نهاية. أتمنى أيضا أن يرى مجلس التوافق الوطنى النور وأن يقبله المجلس الأعلى كهيئة يتم التفاوض معها بصيغة جماعية وتشترك فى إدارة المرحل الانتقالية. أتمنى أيضا ألا ترفض بعض القوى السياسية والوطنية المجلس بحجة عدم تمثيليته أو غياب المعايير الديمقراطية فى اختيار أعضائه. فالمجلس ينبغى أن يسعى لضمان تمثيل متوازن لجميع أطياف المشهد المصرى وأن يدرك أعضاؤه أن مهمتهم ستنتهى ما أن تم انتخاب البرلمان الجديد. المصدر : جريده الشروق