(1) كان التليفزيون المصرى يبث مباراة كرة قدم بين الأهلى والمنصورة، ثم انقطع الإرسال فجأة. (2) بعد صدور الحكم اقترب رئيس هيئة المحكمة -والرواية لأحمد العوضى زوج شقيقة خاطر- من سليمان. قائلا له: «انت ابننا يا سليمان وهتفضل فى قلوب المصريين.. لكن القانون قانون». دفاع سليمان عن نفسه فى أثناء المحاكمة يمكن تلخيصه فى جملة واحدة قالها لهيئة المحكمة العسكرية «أنا دافعت عن الأفرول اللى أنا وأنتو لابسينه». قبل المحاكمة عرض الجنود وبعض الضباط القائمين على حراسة سليمان أن يساعدوه فى الهرب، على أن يعاونه أهله بعد ذلك فى إنجاح مهمة اختفائه، لكنه رفض وقال لهم حتى لو اتحكم علىّ بالإعدام مش هاهرب. وفى أول زيارة بعد صدور الحكم تقابل أهل سليمان مع الكاتب مكرم محمد أحمد الذى كان يجرى معه حوارا صحفيا. وفى أثناء الحوار أبدى سليمان امتعاضه من إحدى الصحف القومية التى خرجت بمانشيت عن سليمان يقول «سليمان خاطر بطل رغم أنفه»، لكن مكرم وعد بأن يدافع عن خاطر وأن يعيد إليه حقه الأدبى الذى يفكر كثيرون فى سرقته منه بعد أن أصبحت القضية سياسية تتعرض لضغوط مختلفة، وهو الوعد الذى أوفى به فى ما بعد نقيب الصحفيين السابق على صفحات مجلة «المصور»، على حد شهادة أهل سليمان. كيف كانت حالة سليمان عندما زرتموه؟ سألت فأجابنى شقيقه وزوج شقيقته قائلين: كانت معنويات سليمان مرتفعة لأنه استطاع أن يرسل التماسا لرئيس الجمهورية لتخفيف العقوبة (التى لم تكن قد أصبحت نهائية وقتها) وكان مقتنعا بأنه سيستمر فى السجن عامين أو ثلاثة على الأكثر. فى هذه الزيارة طلب سليمان من أهله أفارول صوف أزرق وفانلة صوف وفرشاة ومعجون أسنان وماكينة حلاقة وكتبه الدراسية (كتب السنة الثالثة بكلية الحقوق).. طلب كل ما له علاقة بالحياة. ويحكى شقيقه الحاج عبد المنعم قائلا: «كانت هناك قطعة أرض باسم سليمان، وبعد الحكم طبعا احتجنا لتوكيل منه لإدارة هذه الأرض حتى لا يتوقف نشاطها، فطلب منى سليمان أن أحضر مندوبا من الشهر العقارى فى اليوم التالى إلى السجن لإنهاء إجراءات التوكيل. بالفعل ذهبت إلى الشهر العقارى واصطحبت مندوبا وتوجهنا إلى السجن، لكنهم هناك منعونى من الدخول، فقلت لهم إنى أحمل تصريحا فاعترضوا قائلين: (المشير أبو غزالة فى زيارة للسجن وممنوع الدخول)وطلبوا منى أن أحضر فى اليوم التالى». فى هذا اليوم عاد الحاج عبد المنعم إلى البيت وفى أثناء إذاعة التليفزيون مباراة الأهلى والمنصورة انقطع الإرسال فجأة وظهر المذيع ليلقى خبرا يقول: «انتحار الجندى سليمان خاطر فى السجن اليوم». (3) بعد أن استقر سليمان خاطر فى السجن أرسل إلى شقيقه خطابا يطلب منه أن لا ينزعج من طلب سليمان بتقليل زيارات العائلة له ويشرح له السبب، قرأته بنفسى وحصلت على صورة منه.. يقول سليمان فى هذا الخطاب: «أخى الحبيب عبد المنعم حفظكم الله.. أعرف أننى بخير ولا ينقصنى سوى رؤياكم الكريمة، وبلغ سلامى وألف تحية للأخت أم محمد والأخت إنصاف وزوجها والأولاد. مش تزعل يا أبو عاصم أنا مش عايز الضرر ليك لأنى أنا عارف الظروف هنا.. كل واحد بيأتى اسمه بيروح إلى قائد الجيش، مش تزعل وإذا يعنى فيه زيارة مش عايز غير الأولاد وأى حد من بيت عمك الشبراوى ومن بيت عمتك وأمك وبس، وإوعى تشغل نفسك من جهتى والله أنا لسه داخل من الخارج وكنت قاعد باضرب فى الأولاد، والأولاد دلوقتى واضعين ليا راضوين (راديو) وفيها أم كلثوم بتقول واحشنى وأنت قصاد عينى.. شايف النغم، يعنى لو مافيش زيارة مش تشغل نفسك.. أنا بخير والحمد لله». (4) فى أثناء اطلاعى على الخطاب فوجئت بالحاج عبد المنعم خاطر يقول بصوت عال: «يا أمى تعالى سلمى». دخلت علينا والدة سليمان خاطر.. كتلة متحركة من الحزن والوجع، صافحتنا فى ود بالغ وخجل ثم انتبذت مكانا بعيدا فى مجلسنا وفجأة هبت واقفة، كمن تذكر شيئا مهما، ثم نادت بصوت واهن «يا سليمان يا خاطر»... فانفتح باب المضيفة.