إذن.. نحن أمام حالة من انعدام الشعور.. انعدام شعور المدعين بالحق المدنى بالمسؤولية الحقيقية تجاه مهنتهم أولا ثم تجاه موكليهم ثانيا ثم تجاه بلدهم ثالثا ليصبح طبيعيا ما رأيناه من رفع القاضى المحترم سيادة المستشار أحمد رفعت للجلسة أربع مرات متتالية بسبب همجية أداء المحامين المدعين بالحق المدنى.. وهو ما يؤدى بطبيعة الحال إلى انعدام شعور المتهمين بالذنب أو بالخطأ أو بتأنيب الضمير ليصبح طبيعيا ما رأيناه من تبادلهم الابتسامات والضحكات العريضة بداخل القفص.. وهو ما يؤدى بدوره إلى انعدام شعور المحيطين بهؤلاء المتهمين بكونهم أصلا متهمين ليصبح طبيعيا أن يؤدى الضابط المسؤول عن حفظ أمن المواطنين التحية إلى المتهم المسؤول عن ترويع المواطنين.. وهو ما يؤدى إلى انعدام شعور المواطنين فى منازلهم بأن للثورة أساسا حقا ينبغى لها أن تأخذه من هؤلاء الماثلين أمامنا فى القفص.. والذين لا يزيدهم التعمق فى الاستماع إلى طلبات هؤلاء المحامين الهواة إلا اطمئنانا وهدوءا! إذن.. نحن أمام حالة من انعدام الشعور.. انعدام شعور المسؤولين عن نحتات وسبايب ومرمات رمضان التليفزيونية لهذا العام بأن فى البلد ثورة ليصبح طبيعيا ما رأيناه وما زلنا نراه يوميا على شاشات جميع القنوات من كل ذلك العدد من الفلول ذوى الوجوه الكريهة والعقول الفارغة والقلوب الخاوية.. وهو ما يؤدى بطبيعة الحال إلى علو صوتهم وارتفاع معدل بجاحتهم وتلاشى شعورهم بالذنب تدريجيا.. فها هى ذى الثورة تتحول على شاشات رمضان إلى مرمة.. وها هم أولاء الفلول يتحولون إلى سبوبة.. تراهم من فرط تزايد الطلب عليهم يلهثون من اللوكاشن ده للوكاشن ده ومن الاستوديو ده للاستوديو ده فى محاولة للحاق بركب كل تلك البرامج التى تتهافت على استضافتهم.. فى البداية سوف تمتعض من حديثهم وربما تشعر بالغضب.. مع تكرار ظهورهم فى أكثر من برنامج على أكثر من قناة سوف تتندر على حديثهم وتتعامل معه كمادة خصبة للسخرية والتريقة والضحك.. مع تكرارهم أكثر سوف تشاهدهم عادى وسوف تستمع إليهم وخلاص بدون امتعاض أو غضب أو حتى تريقة.. وهو ما يؤدى بدوره إلى انعدام شعور المواطنين فى منازلهم بأن هناك ثورة قد قامت من الأساس! إذن.. وبينما نعيش أجواء أول رمضان بعد الثورة.. ها نحن أمام نموذجين أساسيين من حالات انعدام الشعور بالمسؤولية.. قبل الإفطار نحن أمام انعدام شعور المدعين بالحق المدنى بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم.. وبعد الإفطار نحن أمام انعدام شعور المدعين بالنحت التليفزيونى بأن هناك ثورة تقتضى منا فى الأساس بناء العقل الذى عن طريقه سوف نبنى البلد.. وتعاملهم مع رمضان هذا العام بنفس منطق «فرشينيا» جميلة الجميلات فى «الكبير».. أرملة وجاية فى أى مصلحة! ولكن.. هل ينبغى أن يساوى البنى آدم منا بين أداء النحّيتة فى التليفزيون.. وأداء المحامين فى المحكمة؟ لإجابة مثل هذا السؤال ينبغى أولا أن نجيب عن سؤال آخر مثل هذا.. وما الفارق بين إعلان رخيص عن مسحوق غسيل فى التليفزيون وإعلان أرخص لمحام عن نفسه فى المحكمة؟ أكاد أرى زوجة أحد هؤلاء المحامين المدعين بالحق المدنى وهى تودع زوجها على باب الشقة فى الصباح وتوصيه.. «اطلع قول أى حاجة وخلاص.. خليك ناصح.. الحارة كلها بتتفرج عليك».. أكاد أرى أم أحدهم وهى فرحانة بابنها وتودعه هى وأبوه وهما يوصيانه.. «أول ما تمسك الميكروفون قول اسمك يا حبيبى.. عشان لو القاضى قعّدك.. تبقى قلت اسمك.. دى أهم حاجة».. أكاد أرى أحدهم وهو يتحدث مع زوجته فى التليفون عقب المحاكمة.. «إيه رأيك؟عجبتك؟»! فى التحفة الفنية «هاللو شلبى».. يسأل مدبولى صبحى.. «إنت دكتور؟».. فيجيبه صبحى.. «آه».. فيسأله مدبولى.. «معاك بطاقة؟».. فيجيبه صبحى «لأ».. فيخبره مدبولى.. «تبقى حرامى!».. لا أعلم لماذا تذكرت ذلك الحوار عندما سأل سيادة المستشار أحد المحامين المدعين بالحق المدنى.. «إنت محامى؟».. فأجابه المحامى.. «أيوه».. فسأله سيادة المستشار.. «فين الروب»؟!