كان يلقى تنديدا فى الخارج بسبب هجومه الدائم على الغرب.. وانتقادات فى الداخل بسبب المتاعب الاقتصادية لإيران كما كان معزولا عن الزعيم الأعلى الذى أعده لتولى السلطة.. يترك محمود أحمدى نجاد الرئاسة بلا أصدقاء تقريبا ومستقبل غامض. انتخب الإيرانيون شخصية على النقيض منه.. حسن روحانى الأهدأ طباعا والمعتدل ليحل محله وما من شك أنهم كانوا يأملون فى أحوال أفضل مما تحملوها خلال السنوات الثمانى التى قضاها أحمدى نجاد فى منصبه، كان خطاب أحمدى نجاد المتشدد يجعله لقمة سائغة لمعارضى إيران فى الخارج.. كما أن انهيار الاقتصاد فى ظل عقوبات دولية وسوء إدارة فى الداخل جعله هدفا للانتقادات فى الداخل. لكن من يتمنون تحسنا سريعا فى طبيعة الحياة أو تقاربا فوريا مع الغرب أو شفافية أكبر فى الطريقة التى يتم بها حكم إيران ربما يكتشفون عما قريب أن المشكلات أعمق من أحمدى نجاد.منذ الفوز المفاجئ لأحمدى نجاد فى انتخابات 2005 الرئاسية تحول من شخصية مغمورة تماما إلى الأكثر ظهورا على الساحة الإيرانية وحتى إعادة انتخابه فى 2009 التى هزت إيران بشدة. وكانت الكلمة الأخيرة التى ألقاها بصفته رئيسا تنم عن أحمدى نجاد بشخصيته التقليدية فقال "أقسم بالله أن عاصفة عاتية ستهب لتقتلع الكيان الصهيونى" فى يوم القدس وهو مناسبة سنوية مخصصة لمعارضة حكم إسرائيل لمدينة القدس كان الإيرانيون التقدميون يسخرون منه لكنه كان له أتباع بين التقليديين والطبقة العاملة بسبب شخصيته الجذابة وبساطته وآرائه الشعبوية. وإذا بحث شخص ما عن اسم أحمدى نجاد على محرك البحث جوجل فستكون عدد النتائج ثلاثة امثال النتائج الخاصة باسم الزعيم الأعلى آية الله على خامنئى، لكن من غير المرجح أن يترفق به التاريخ سواء كتب فى الداخل او الخارج. ففى خلال ساعات من فوز رجل الدين المعتدل حسن روحانى تجمع الآلاف أمام مقر إقامة روحانى وفى أنحاء المدينة للاحتفال هاتفين "أحمدى نجاد.. وداعا". وقال الكاتب هومان مجد وهو أمريكى من أصل إيرانى مقيم فى نيويورك والتقى بأحمدى نجاد عدة مرات "من غير المرجح أن يخرج من المشهد السياسى بسلاسة لأن السلاسة هى آخر سمات فترة ولايته طوال ثمانى سنوات ومن غير المرجح أن تكون سمة تنطبق على الطبيب الجيد فى المستقبل".وعلى الساحة الدولية صدم العالم الغربى بخطبه وكثيرا ما كان ذلك خلال ظهوره سنويا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وكانت خطبه تتسبب فى انسحاب جماعى ومظاهرات. زعم أحمدى نجاد ان الولاياتالمتحدة وراء هجمات 11 سبتمبر ونفى وجود المثلية فى إيران وهاجم الزعماء الغربيين لاستغلال "الصهاينة المخادعين" لهم وذلك فى محاولة منه لإحراج خصوم إيران. قال شاؤول بخش أستاذ التاريخ فى جامعة جورج ميسون فى فرجينيا "خطاب الرئيس غير المسؤول عن إسرائيل والمحرقة وقضايا أخرى عمقت عزلة إيران على الساحة الدولية"، وأضاف "تبنيه للغة إنكار المحرقة وتوقعه بمحو إسرائيل من على خريطة التاريخ سهلت على كثيرين تصوير إيران بوصفها دولة متشددة". أعد خامنئى أحمدى نجاد لمهاجمة الحركة الإسلامية التى تطالب بمزيد من الحريات الاجتماعية والسياسية. فكانت آراؤه الدينية وبساطته وسهولة تأثيره على الشبان الإيرانيين وصلاته بالجيش من العناصر الأساسية.مجده عشاقه ووصفوه بأنه خادم مخلص رفض بريق السلطة ويقولون إن أحمدى نجاد رفض راتب الرئاسة وكان يذهب للعمل ومعه طعامه. ينحدر أحمدى نجاد من عائلة بسيطة وحصل على الدكتوراه فى الهندسة من جامعة للتكنولوجيا ولم تكن لديه خلفية دينية لذلك كانت صورته البسيطة تتناقض مع النخبة فى المؤسسة الدينية.كان يظن أن شعبيته تجعل منه قوة معادلة للزعماء الدينيين غير المنتخبين وأعضاء العائلات القديمة ذات النفوذ. وقال مجد "يريد أن يترك تاريخا يكون فيه الشخص الذى أرخى قبضة رجال الدين... يعتقد أن أى رئيس منتخب يجب السماح له بالحكم. هذه مشاعر سائدة بين الإيرانيين".كان يعتمد على سرعة البديهة والشجاعة السياسية والثقة فى النفس. وأضاف مجد "الأنا لديه متضخمة. إنه يعتقد أنه على صواب ولا يهاب شيئا".لكن فى النهاية بالغ فى استغلال هذا التفويض الشعبى مما ادى إلى مواجهة مباشرة مع خامنئى نفسه. ودب الخلاف عام 2011 عندما أقال أحمدى نجاد وزير الاستخبارات لكن الزعيم الأعلى أعاده. اتهم الموالون لخامنئى أحمدى نجاد ومستشاريه بالسعى إلى الحد من نفوذ المؤسسة الدينية وهى ممارسات وصفت بأنها تمثل "التيار الضال". تم تجميد قدرته على صنع القرارات وتهديده بمساءلته فى البرلمان. وفى مارس من العام الماضى أصبح أول رئيس فى تاريخ الجمهورية الإسلامية الذى يستدعيه البرلمان لاستجوابه بخصوص سياساته، وأصبح النظام الحاكم الذى يتركه الآن يتضمن قدرا من الرقابة أقل مما وجده بشكل يخدم المؤسسة الدينية. وحتى يمنح لنفسه مجالا أكثر للانطلاق فى سياساته حل أحمدى نجاد "هيئة التخطيط والميزانية" الحكومية المنوط بها وضع خطط الإنفاق.وأصبحت العملية الانتخابية مشوهة بعد انتخابات 2009 كما تم تهميش الإصلاحيين وفرضت الإقامة الجبرية فى المنزل على مير حسين موسوى ومهدى كروبى وأصبح البرلمان طيعا.كل هذه الخطوات تجعل خامنئى يسيطر على كل مقاليد السلطة. وقال على أنصارى أستاذ التاريخ فى جامعة سان اندروز فى اسكتلندا "كانت هناك مجموعة شاركت فى هذا التدمير للدولة وبالطبع كان اكبر المستفيدين من إلغاء المحاسبة هو خامنئى"، وأصبح ارتفاع أسعار النفط يعنى أن إيران تتمتع بإيرادات قياسية خلال فترتى رئاسة أحمدى نجاد. لكن الاقتصاد تذبذب بسبب سوء الإدارة وتداعى فى نهاية الأمر فى ظل العقوبات التى فرضتها الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى والتى خفضت صادرات النفط إلى النصف. وبما أن إيران تعتمد على النفط فى الحصول على العملة الصعبة وجدت إيران قيمة الريال تتراجع مع ارتفاع معدل التضخم ليصل إلى 35 فى المائة طبقا للإحصاءات الرسمية وتشير بعض التقديرات إلى أن المعدل ضعف هذا الرقم. وفى أواخر عام 2010 أطلق برنامجا لسحب الدعم الحكومى لصالح تقديم إعانات نقدية. كانت خطوة جريئة لجعل إيران تتخلى تدريجيا عن هذا الدعم المكلف لكنها أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود مسببة صعوبات لكثيرين وانتقادات شديدة من الخصوم. قالت ياسمين عالم من مجلس الاطلسى التابع لمركز جنوب آسيا "زعامة أحمدى نجاد جعلت الاقتصاد الإيرانى يتداعى. صحيح أنه سيلقى الإشادة على شجاعته فى مواجهة قضية الدعم الحكومى بشكل مباشر إلا أن طريقة التنفيذ ستلقى انتقادات شديدة".وفيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية فإنه كان كبش الفداء لنظام كانت لديه مشكلات أعمق. كانت العقوبات ستجعل مواصلة تطبيق الدعم الحكومى الذى خفضه أكثر تكلفة. وكانت العقوبات فى حد ذاتها نتيجة للأزمة النووية مع الغرب والتى ما زالت تمثل سياسة أساسية للدولة يتبناها خامنئى لكن موقف أحمدى نجاد المتشدد جعل المفاوضات أكثر صعوبة، علق الإصلاحى محمد خاتمى الإصلاحى الذى كان رئيسا قبل أحمدى نجاد تخصيب اليورانيوم وهى العملية الكيماوية التى يمكن استخدامها فى إنتاج المواد اللازمة لصنع قنبلة نووية. واستأنفت إيران تخصيب اليورانيوم خلال أسابيع من تولى أحمدى نجاد منصبه عام 2005 ومنذ ذلك الحين أصر على سياسة "اللا تنازلات". وتقول طهران إنها تريد اليورانيوم للأغراض السلمية فحسب. لكن أعضاء مجلس الأمن الدولى يشكون فى ذلك.لم تستبعد واشنطن العمل العسكرى بسبب ما تعتبره محاولة لاكتساب القدرة على صنع الأسلحة النووية لكنها ما زالت تسلك المسار الدبلوماسى. لكن رغم خطابه المتشدد تمكن أحمدى نجاد من الوصول للغرب. فقد قام بمحاولات غير مسبوقة لم تكلل بالنجاح للاتصال بشكل مباشر مع رئيسين امريكيين وهى خطوة كانت تعتبر فى وقت سابق من المحرمات، وتتضمن هذه المحاولات اجتماعات بين مستشار لأحمدى نجاد ومسئولين أمريكيين خلال فترته الأولى واجتماع على أعلى مستوى بين وليام بيرنز نائب وزير الخارجية الأمريكى وسعيد جليلى كبير المفاوضين النوويين فى إيران عام 2009. وتعامل بسهولة مع وسائل إعلام أمريكية وأصبح ضيفا متكررا لبرنامج لارى كينج الشهير وكانا يتبادلان خلاله المزاح اللاذع فى الاستديو. كان يستمتع فيما يبدو بالجلبة التى سيحدثها بزياراته للولايات المتحدة التى كان يقول عنها "الشيطان الأعظم" خلال خطابه السنوى أمام الجمعية العامة، دعا أحمدى نجاد إلى اتفاق نووى عام 2009 كان على وشك أن يحل الأزمة مع الغرب عبر اتفاق لتبادل الوقود الموجود خارج البلاد. فى النهاية تم التخلى عن هذه الفكرة بعد انتقادات سواء من المحافظين أو الإصلاحيين فى إيران. ويتساءل البعض عما سيفعله أحمدى نجاد الذى تحدى خصوم إيران وكذلك زعيمها الأعلى. وهناك حديث عن تأسيسه جامعة لكن عليه أولا أن يواجه تداعيات كل ممارساته السابقة.وقال على أنصارى "هناك بعض الثرثرة التى سيوجهها إليه بعض خصومه بمجرد تنازله رسميا عن الرئاسة... لكن سيبدو الوضع وكأن الزعيم الأعلى يكفل له الحماية. أعتقد أن من الصعب تصديق أن موقفه سيكون ضعيفا".