إن مصر الدولة والوطن والأرض والشعب والجيش والجماهير والتاريخ قد عاهدت نفسها كما عاهدت الشعوب الآخري كما عاهدت الدهر والتاريخ والأزمان أن تولد وتزدهر وتتجدد وتحيا من الأزمات والنكبات والإنكسارات. فمصر قد خرجت من جميع كبواتها ونكباتها وهزائمها وإنتصاراتها على إمتداد التاريخ منتصرة ومتجددة تعيد وتبدأ كتابة وتأريخ التاريخ من جديد. وهذه الديناميكية التاريخية والإيروقراطية التى تمر بها مصر من مراحل الصعود والهبوط ومن مراحل الأزمات والكبوات والكوارث إلى مراحل الإنجازات والتجديد وغيرها وخاصة في أعقاب ثورة 25 يناير المتعثرة في مسارها الثوري والموؤودة في أهدافها ونتائجها قد حافظت على إثراء الهوية والثقافة ووحدة وإستقرار وإستمرار هيكل ومنظومة الدولة المصرية. كما أن هذه الثورة العرجاء والغير مكتملة قد خلقت وأفرزت ومهدت لملامح وأسس وقواعد الدولة المصرية الغائبة والمغيبة والمفرغة سياسياً وتشريعياً والمعطلة في جميع مظاهر الإنتاج والتصنيع والتنمية والتصدير والتفاعل الإجتماعي والمؤسسي وكذا المعطلة في جميع مؤسساتها الإقتصادية والأمنية والقضائية وغيرها. كما أن مظاهر الدولة المصرية الغائبة قد بدأت ملامحها بتعويم وتغريب الهوية المصرية والعربية والإسلامية والدينية عن المجتمع والشعب المصري , وكذا مخططات الإستعمار الأجنبي والغربي المتواصلة والمستمرة الهادفة إلي تقسيم المنطقة العربية والإسلامية وكذا المخطط الإستعماري الأجنبي والإسرائيلي والغربي الهادف إلي حصار وعزل مصر عن إقليمها الجغرافي والتاريخي والإسلامي والعربي , وكذا أنظمة الحكم المصرية والعربية المتعاقبة التى ساعدت بالصمت والعجز والجهل في عزل وحصار وإنهيار وتبعية مصر والدول العربية لقوي الإستعمار الأمريكي والغربي. علماً بأن عقد وتطبيق إتفاقية السلام الإستسلامية المصرية مع إسرائيل وكذا تخاذل وتقاعس وتبعية جميع دول المنطقة العربية قد مهدت وفرغت الوحدة والقومية العربية قومياً وسياسياً وجيوإستراتيجياً وديموغرافياً وجيوسياسياً وإيديولوجياً كما ساهمت في تفوق وهيمنة مشروع الدولة العبرية الإسرائيلية في المنطقة العربية. كما أن مصر التي هي محور الإرتكاز والإستقرار في المنطقة العربية والشرق الأوسط يوجد بها نفوذ خارجي خارج سلطة وسيادة الدولة المصرية المغيبة والغائبة. كما ترجع مظاهر الدولة المصرية الغائبة إلي أنظمة الحكم الأمنية السابقة التى فرغت وأطاحت وأقصت ووئدت وأسقطت منظومة وهياكل وأسس وآليات صناعة وإعداد أجيال القادة والزعماء والحكام المتعاقبين والقادمين والجدد لمصر مع تواصل الأزمان وتعاقب العقود القادمة والآجلة من ذوي الخبرات والكفاءات القيادية والإدارية والسياسية المؤهلة لحكم وإدارة البلاد والدولة المصرية. كما أن مظاهر الدولة المصرية الغائبة قد تجلت ملامحها في تكريس مظاهر الصراع الإيديولوجي والمذهبي والطائفي والسياسي والجهوي والإجتماعي والفئوي بين طوائف وفئات المجتمع المصري من أجل فرض وترسيخ الهوية الغائبة للدولة المصرية الجديدة بعد ثورة 25 يناير المنقوصة الأهداف والنتائج. كما تجلت ملامح الدول الغائبة في هيمنة ظاهرة الضعف والهشاشة وغياب المعرفة والخبرة وإنعدام الكفاءة القيادية والإدارية والسياسية والخططية والتكتيكية والبرمجية لدي الحكومة والمؤسسة الرئاسية والنظام الحاكم في ظل هيمنة نظام الحكم الطائفي والإيديولوجي والفئوي وغياب نظام الحكم المدني والشمولي , وكذا في ظل الصراعات السياسية والإختلافات الإجتماعية العاصفة على مبدأ وملامح وظاهرة رئيس الدولة المنتخب ذي المرجعية الإيديولوجية أو الدينية أو الطائفية , وكذا تفشي حالة الغياب والفراغ التشريعي والإنحراف السياسي لدي السلطة النيابية والتشريعية في ظل غياب تشكيل المجالس الشعبية والنيابية وعدم إختصاص مجلس الشوري الحالي والمكلف بسن وتشريع القوانين المختلفة , وكذا تفشي حالة التحلل والتفكك الإجتماعي والإنفلات القيمي والأخلاقي والصراع والإحتقان الإقتصادي والإجتماعي والعقائدي والإيديولوجي بين أطياف وفئات المجتمع المصري , وكذا إنتشار حالة العجز وعدم الإستعداد وعدم التأهيل وغياب الجاهزية النفسية والفنية والتقنية والهيكلية لدي الأجهزة الأمنية المنهارة والمفككة على تطبيق سلطة وقانون الدولة في ظل هيمنت قانون وسلطة وشريعة الغاب وإنتشار عصابات السلاح وأرباب السوابق والتهريب والخطف والسرقات والإجرام وإنتشار تجار ومروجي المخدرات وإنتشار جماعات البلطجة في الشارع والمجتمع المصري. كما تجلت مظاهر الدولة الغائبة في تكريس ظاهرة المسئول الغائب والشرطة الغائبة والخدمات الإجتماعية والحكومية الغائبة وأجهزة الرقابة والمحاسبة الغائبة والمؤسسات الإنتاجية الغائبة والرعاية الصحية الغائبة والأمن والسلام الإجتماعي الغائب وغيرها. كما تجلت ظاهرة الدولة الغائبة في حالة الصراع والإحتقان والإقصاء والتهميش والإنفرادية والإستقلالية بين السلطات الحاكمة في الدولة المصرية ومنها السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية وتغييب أسس وقواعد التكامل والتعاون بين مؤسسات الدولة النظامية الموحدة ونظام الحكم , وكذا تكريس ظاهرة إنفصال وإستقلال دويلات مؤسسات الدولة ومنها المؤسسة العسكرية والمؤسسة القضائبة والمؤسسة الإعلامية وغيرها تحت شعارات واهية منها ضرورة تأمين وإستقلال الأمن القومي أو الحصانة أو الديموقراطية أو غيرها عن سيادة وسلطة الدولة المركزية الموحدة وهذا ما يسمي بالديموقراطية الإستعمارية الهدامة. كما تجلت مظاهر الدولة المصرية الغائبة في تكريس ظاهرة هيمنة سلطة القوة الفوضوية وغياب سلطة القانون النظامية وكذا تفشي حالة الإسترخاء والفوضي والإرتباك والإنفلات وغياب الرقابة وإنعدام المسئولية والمحاسبة في الشارع والمجتمع المصري , وكذا إنتشار حالة الفوضي والصراعات السياسية الهدامة بين التيارات والجبهات والأحزاب والحركات السياسية المختلفة في مصر , وكذا إستمرار حالة الإحتجاجات والمظاهرات الفئوية والطائفية والجهوية وغيرها في مصر , وكذا إنهيار جميع مؤسسات الدولة الإقتصادية والإنتاجية والصناعية والزراعية والتعليمية والثقافية والتربوية وغيرها , وكذا إشعال الحروب الإعلامية الحكومية والخاصة وكذا إنتشار النزعات الثقافية والنخبوية المتصادمة والمتصارعة الهادفة لإرباك الشعب والمجتمع المصري المنهوك إقتصادياً ومعيشياً , وكذا توظيف الإعلام الإستثماري والخاص المأجور خارجياً وأجنبياً وإستعمارياً لإسقاط الدولة المصرية وإشعال الصراعات الإجتماعية والحروب الأهلية وخلق حالة من الفراغات والفجوات التوفيزية الملتهبة التى تخيف المتشكك وتبعد المتيقن بين الشعب والحكومة والنظام الحاكم لجعل مصر تموج بعواصف من الصراعات البينية والداخلية التى قد تؤدي لإسقاط مصر من الداخل. كما ترجع مظاهر الدولة المصرية الغائبة إلي غياب منظومة التخطيط والخطط الزمنية والتطبيقية والتنفيذية المجدولة للحكومة المصرية الغائبة عن مسرح الأحداث في الشارع المصري , فمصر الشعب والمجتمع والجماهير يعيشون في دولة والمؤسسة الرئاسية والنظام الحاكم والحكومة المصرية يعيشون في دولة أخري غائبة. كما أن الحكومة المصرية التى وضعت مستقبل وكرامة شعبها وسيادة وإستقلال أوطانها وأراضيها تحت أقدار وتصرف الدول الأخري المانحة للمعونات الإقتصادية قد فقدت إستقلال قرارها السياسي والقيادي والريادي. كما حكمت على دورها الإقليمي والدولي بالإنحصار داخل قروضها كما حكمت على دولتها وشعبها بالتبعية الدائمة للدول المانحة وغيرها كما قيدت وشلت برامج وخطط حاضرها ووئدت أفاق وأمال مستقبلها. علماً بأن الحكومات التي تعتمد كلياً في برامجها ومخططاتها الإقتصادية والتنموية والنهضوية على أسس وقواعد الإقتراض من الخارج هي حكومات فاشلة كما أنها حكومات يحق لشعوبها أن تسقطها قبل أن تسقط شعوبها في أتون المجاعات الإقتصادية والمعيشية. كما تجلت مظاهر الدولة المصرية الغائبة في فشل البرامج والخطط الإقتصادية المتعثرة وكذا تراجع قيمة العملة المصرية أمام الدولار وجميع العملات الأجنبية الأخري وكذا إنخفاض أرصدة الإحتياطي المصري من النقد الأجنبي وإرتفاع معدلات الدين المحلي الداخلي والخارجي المستحقين على الحكومة المصرية وكذا تراجع معدلات الصادرات المصرية وزيادة معدلات الواردات المصرية من الخارج وتراجع وتعطل جميع المؤسسات الإنتاجية بالدولة. لذا فإن المخرج الأمثل من الأزمة التى تعيشها مصر هو ترسيخ قواعد وأسس دولة المواطنة المدنية المركزية التعددية الديموقراطية المعاصرة الحرة والمستقلة ذات المرجعيات والهوية الإسلامية والعربية التى تحمي حقوق الأقليات الدينية والعرقية في إطار تكريس ممارسة الحريات الخاصة والعامة المسئولة وترسيخ مبادئ سيادة القانون وكذا ترسيخ مبدأ تداول السلطة والمشاركة الشعبية والحزبية والسياسية في الحكم , وكذا ترسيخ مبادئ السلام والإستشفاء الإجتماعي وإندماج الثقافات وكذا ترسيخ ثقافة الخطاب التوافقى الأخلاقي في المجتمع المصري الداعي إلى الفضيلة ومكارم الأخلاق , وكذا ترسيخ قواعد وأسس ومفاهيم وآليات الإحساس والشعور بالأمن والأمان في الشارع والمجتمع المصري , وكذا بناء قواعد وأسس تنمية وتطوير الإقتصاد الوطني والقومي وتحقيق الإكتفاء الذاتي للشعب المصري من الغذاء والماء والدواء وكذا بناء قواعد ومناطق ومراكز إقتصادية وصناعية وإستراتيجية وتنموية وتجارية وزراعية وعلمية وبحثية محلية ودولية وإقليمية وعالمية متخصصة ومتقدمة تحاكي وتجتذب دول العالم المتقدم على أرض مصر.