المحاماة مهنة نبيلة وسامية، يعتز بها كل من يمتهنها، وهي حمل ثقيل تنوء عن حمله الجبال، قلما نجد هذه الأيام من يمارسها بحقها، فقد أنشئت من أجل الدفاع عن المظلوم ومناصرته، وتحجيم الظالم وكفه عن السير في طغيانه. في كثير من الأحيان يكون المظلوم غير مفوه، ولا يستطيع الدفاع عن نفسه، والظالم يكون قوياً وذا جاه وسلطان، ومفوهاً يستطيع أن يدافع عن نفسه أمام القضاء، مما استوجب معه أن يكون هناك من يقف مع المظلوم وينصره ويأتي له بحقه الذي أخذ منه عنوة، أو لضعف شخصيته، أو بأساليب ملتوية. كلمة «محامٍ» في اللغة تعني «مدافع»، الذي، وللأسف الشديد، نسي كثير من ممارسيها معناها، وأصبحوا يقفون مع الظالم ليحصل على ما ليس من حقه. كثيراً من أرباب هذه المهنة الراقية، التي هي أمانة في أعناقهم أمام الله، وسيسألون عنها في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، نسوا أنهم يعملون في مهنة سامية، وذي حدين، أحدهما يدخل الجنة والآخر يدخل النار، وحسابها عند الله عسير، إن لم تمارس بحقها، ونحوا الله جانباً، وأخذوا يبحثون عن المال بأي طريقة كانت، حتى إن بعضهم تخصص في الدفاع عن تجار المخدرات، وبعضهم تخصص في الدفاع عن القتلة، وبعضهم تخصص في الدفاع عن النصابين، وبعضهم تخصص في الدفاع عن سارقي أراضي الدولة، وبعضهم تخصص في الدفاع عن المزورين، وبعضهم تخصص في الدفاع عن المتهربين من الضرائب والجمارك، حتى تجرأ أحدهم ودافع عن عبدة الشيطان، الذين يكفرون بالله عياناً... وقلما نجد من يدافع عن الفقراء والمظلومين، الذين ليس لهم ناصر إلا الله. قسم الله الرزق لعباده قبل أن ينفخ الروح فيهم، وقد صدق الشاعر عندما قال «الرزق في اللوح مكتوب مع الأجل»، ولن يأخذ الإنسان أكثر من رزقه، الذي قسمه الله له قبل خروجه من رحم أمه إلى الحياة الدنيا، مهما كان مفوهاً، ومهما كان ذكياً. وقد نرى إنساناً يكسب كثيراً من الحرام، ومع ذلك لا يتمتع من رزقه إلا بالقليل القليل، ودائماً يذهب إلى الأطباء، أو إنه ممنوع من أكل كثير من الأطعمة الحلال، لأنها محرمة عليه لمرض ألم به، ونرى آخر رزقه قليل جداً، ولكنه أتى به من طرق حلال، ومع ذلك فهو يأكل كل ما لذ وطاب، ويتمتع بكل رزقه، ويعيش في صحة وعافية يحسد عليهما، فالبركة ليست بكثرة الأموال بل إنها بالتمتع بالصحة والعافية والحياة الهادئة الهانئة. استمر أحد الشباب في الذهاب إلى أحد المحامين الكبار، ذي الشهرة العالية، يتعلم على يديه مهنة المحاماة، وعندما وصل إلى مرحلة لا بأس بها من التعلم، يستطيع معها أن يقف أمام القاضي مدافعاً عن المظلومين، طلب من أستاذه أن يعطيه قضايا كبيرة، فرفض. فألح عليه الشاب، فأخبره أستاذه أنه لن يستطيع أن يعطيه قضايا كبيرة، لأنه إنسان متدين ويعرف الله، والقضايا الكبيرة تريد إنساناً لا يعرف الله، ومجرد من المشاعر والأحاسيس، لأنه يدافع عن القتلة والسفاحين والخارجين عن القانون، فتعجب الشاب، وقال لأستاذه : كل المحامين الكبار، الذين يعملون في القضايا الكبيرة لا يعرفون الله؟. فرد عليه أستاذه: يا بني لا تدخلني في مشاكل مع الآخرين، فسكت الشاب ورضي بالأمر الواقع، ولم ينبس ببنت شفه !. لا أنكر أن هناك محامين شرفاء، مازالوا على العهد، مارسوا المهنة بحقها، ورعوا الله فيها، نصروا المظلوم وأتوا له بحقه المسلوب، ورفضوا أي قضية شكوا ولو للحظة أن موكلهم ارتكبها، أو أنه أخطأ قانونياً. على المحامين أن يعوا جيداً أن مهنتهم هي الدفاع عن المظلومين، وليس مناصرة الظالمين، ومهما نحوا الصواب جانباً، فلن يأخذوا أكثر من رزقهم الذي قسمه الله لهم.