تسمرت قدماها فجأة عند باب المسجد شعرت بثقل كبير علي كاهلها جعلها لا تقوي علي التقدم خطوة واحدة للأمام حولها كانت السيدات تهرولن للمسجد القريب من منزلها حتي يلحقن صلاة الجمعة الدموع كانت تتسابق علي وجنتيها نظرت داخل المكان المخصص للسيدات كان النور يغطي وجوه المصليات بسرعة أخرجت من حقيبتها مرآة صغيرة نظرت إليها و فجأة أطلقت صرخة مدوية حين نظرت لوجهها تجمعت علي أثرها بعض السيدات هدأوا من روعها و دعوها للدخول للمسجد لكنها صرخت أدخل إزاي أنا كُلي ذنوب أنا بعت جسدي للكل و لمن يدفع أو لا يدفع و بدموع تنهمرعلي خديها كانت تبكي و تقول : أنا بعت شرفي و كل ما املك و خسرت كل شيء حتي نفسي فكيف ادخل هذا المكان الطاهر و أقابل ربنا إزاي البعض دُهش و البعض الآخر انصرف و الأخريات دعونها للتوبة و أن الله يقبل توبتها لطمت خديها بعنف و صرخت : و الله عايزة أتوب بجد و أطلقت لساقيها العنان هناك علي مقربة من النيل جلست أغمضت عيناها و راح شريط الذكريات يدور كانت طفلة صغيرة في أسرة مفككة شاء قدرها أن تولد لأب عامل بسيط و أم تنتقل من بيت لبيت لتوفر مطالب الحياة لأبنائها السبعة و هي ابنة السابعة من عمرها أصغرهم كانت تصحو علي شجار بين والديها علي مصروف البيت و مطالبة أمها لزوجها بالبحث عن عمل آخر لينفق عليها و علي أولادها بعد أن أضناها التعب في البيوت التي تخدم فيها كانت دموع أمها تسابق صرخاتها كان جرح جسدها لا يزال يؤلمها حين حاول مخدومها أن يعتدي عليها في غياب زوجته و عندما رفضت كان جزاؤها الضرب و الطرد من العمل في البيت لم يأبه زوجها بما قصت عليه هو يعرف هذا الرجل الذي كان يعطيه سجائر ملفوفة كثيرة عندما كان يذهب ليأتي بزوجته لم تتحرك كرامته و في النهاية طالبها بعدم الذهاب إليه مرة أخري آي صنف من الرجال يكون ؟ هكذا تساءلت زاد صراخها في زوجها و اتهمته بعدم الرجولة و أطلقت للسباب العنان في شرفه لم يرحم ما أصابها بل كانت قدماه تطول كل جزء في جسدها سقطت علي الأرض ارتمت الطفلة الصغيرة عليها تحاول أن تمنع عنها الركلات فأصابها ما أصاب امها و من يومها غادر البيت بعد تهديده بعدم العودة و لم تعلم الأسرة بسفره لبلد عربي إلا بعد شهرين من تلك الواقعة كبر الأولاد و انطلق كل منهم يعمل في مجال يرتزق منه و يصرف علي نفسه كانت صفاء قد شب عودها و أعلنت نهداها عن انوثة طاغية تهافتت عليها عيون الطامعين لم تكن قد جاوزت الخامسة عشرة من عمرها لكن جسدها الممشوق أصبح ينادي عيون الرجال الزائغة بخطواتها المصطنعة أمام عيون الطامعين كانت تعود في المساء لتجد أخواتها السبعة يتكدسون في حجرة واحدة لم تعد تُطيق الحياة معهم و هي تري في الكوافير الذي تعمل به أجمل السيدات و افخر السيارات كانت تحلم حتي أصبح الحلم لديها تمرُد علي الواقع في المحل كانت تري كل يوم ذلك الشاب يأتي بسيارته يصطحب احدي الفتيات التي احضرها من قبل لعمل ماكياج في البداية ظنت أنها زوجته لكنه يوميا يأتي و معه فتاة مختلفة يأخذها و ينطلق بسيارته الفارهة انتظرته ذات يوم حين كانت مدام منة صاحبة المحل غير موجودة سألته وبعين الصياد الماكر شعر بأنها تناديه رآها فريسته القادمة أكد لها بأنه صانع النجوم و أن الفتيات أصحاب الموهبة السينمائية هو يساعدهن علي الظهور في الأفلام عن طريق صديقة الفنان الكبير يومها نامت تحلم بالسيارة الفارهه و الفيلا و الرصيد البنكي الذي أوهمها به طافت مع أكاذيبه أوهامه لها و نما الحلم داخلها حتي باتت تنتظر إشارته لهاو بدهاء الشيطان شعر هو في كل لقاء جمعه بها أنها تتعجل الحلم الذي سيطر عليها و بات تأخيره جزءا من خطة ماكرة سيطر بها عليها حتي باتت تفقد شيئاً فشيئاً طهارة و نظافة جسدها أثناء لقائهما ذات مساء تواعدا في شقة فاخرة خاصة بصديقه رجل المال و الأعمال و في الصباح كانت قد فقدت ما تبقي من عذريتها صرخت لماذا تصرخين انتي جاية و عارفة ها يحصل فيكي إيه هكذا كان رد الشيطان الذي حولها من فتاة في السابعة عشرة من عمرها لسيدة قد تحمل في بطنها جنينا هكذا دار في رأسها الكثير و هي تهبط للشارع لا تعرف أين تذهب بمصيبتها لم تشأ أن تذهب لأهلها و معها فضيحتها و المصيبة التي حلت بها ماذا تقول لأمها حين تنتفخ بطنها أمسكت هاتفها و طلبت سمير انت فين طيب أنا جاية لك كل شيء أصبح مباحا عند صفاء حياة الليل لقاءات الشقق المفروشة أصدقاء الخليج أصبح جسدها ملكا لمن يدفع أكثر تتقاسم الأجر في النهاية مع سمير الذي يوفر لها الزبائن المريشة (علي حد قوله ) و كانت قد سئمت العمل لدي الغير فكرت أن تتفق بنفسها مع راغبي المتعة الحرام لتحصل علي الأجر كامل شعر سمير بأنها بدأت تبتعد عنه ثلاث قضايا آداب دبرها لها حصلت في اثنين منها علي البراءة لعدم كفاية الادلة عقب ذلك ذاع صيتها وسط الباحثين عن المتعة الحرام لم تكن قد تناست أهلها في قريتهم بضواحي القليوبية كانت ترسل لهم مبلغا من المال عن طريق احد أعوانها بدعوي أن تساعد أسرة فقيرة كانت تذهب خفية في ظلام الليل بسيارتها تقذف مظروف النقود أسفل الباب و تنصرف مسرعة و كانت أحيانا تُوكل تلك المهمة لأحد أصدقائها ذات يوم وهي بصحبة رجل عرض عليها الزواج العرفي والسفر الي تركيا و قضاء اسبوع العسل واكتشفت صفاء حقيقة زوجها هو يريدها أن تقوم بإنهاء تعاقدات له مع رجال الأعمال كيف ؟ بوسائلها القديمة صرخت فيه صارح كلا منهما بحقيقة الآخر هي تبيع جسدها و هو يبيع كرامته و شرفه و المقابل المال و حياة أخري يحلمان بها -فتحت باب الشقة حاولت الخروج كانت الصفعات تلاحقها علي خدودها التي طالما طبع قبلاته عليها و تغزل في عينيها التي طالتهما احدي لكماته خرجت تبكي هامت علي وجهها في شوارع المريوطية لتجد دراجة بخارية مسرعة تلقي بجسدها النحيل علي الرصيف لتصطدم بشعلة موقدة لعمل الشاي أعدتها سيدة فقيرة علي جانب الطريق ترتزق منها في القصر العيني رقدت و خرجت بصديقة وحيدة تعرفت عليها لتدور معها علي المستشفيات الخاصة تجري جراحات تجميل أنفقت ماتبقي معها من أموال حتي استطاعت أن تسير مرة أخري علي قدميها في الشقة المتواضعة بحي البساتين سكنت و اختارت البعد عن حياة الليل رغماً عنها جسدها تحول إلي جراح ووجهها لم تفلح جراحات التجميل أن تخفي آثار الحروق فيه و لم تجد ما يؤنس وحدتها سوي صوت مؤذن المسجد القريب قادتها قدماها أكثر من مرة لإمام المسجد لتقص عليه حكايتها لكنها كانت تخشي الاقتراب! كانت تشعر بأن خطاياها كثيرة و لا يجب أن تدنس المكان الطاهر لم أكن اعرفها ابدأ عبر الهاتف جاءني صوتها قصت لي حكايتها تلك و رجتني أن ابحث لها عن طريق التوبة كانت آخر كلماتها لي : نفسي أتوب و الله العظيم بس إزاي ؟ و أعمل إيه عرضت أخبار الحوادث حكاية صفاء علي فضيلة الشيخ سيد عسل من علماء وزارة الأوقاف فقال: أقول لهذه الأخت باب التوبة مفتوح لجميع المسرفين والمقصرين طالما إنهم رجعوا إلي الله بصدق وحققوا شروط التوبة وهي الإقلاع عن الذنب و الندم علي ما فعل و عدم العودة إلي للخطيئة مرة أخري و رد الحقوق إلي أهلها يقول الله تعالي : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم) و يقول رسول الله : إن اللَّه تعالي يبسط يده بالليل ليتوب مُسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مُسيء الليل حتي تطلع الشمس مِنْ مغربها و كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدُل علي راهب، فأتاه، فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً، فهل له من توبة؟ فقال: لا. فكمَّل به مئة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُل علي رجل عالمٍ، فقال: إنه قتل مئة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلي أرض كذا وكذا، فإن بها اناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلي أرضك، فإنها أرض سوءٍ فانطلق، حتي إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلي الله، وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيراً قط. فأتاهم مَلك في صورة آدمي فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضيين فإلي أيتهما كان أدني، فهو له. فقاسوه، فوجدوه أدني إلي الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة .