المذيعة التي كان المعجبون يطاردونها في كل مكان قبل سنوات صار الناس يتعرفون عليها بصعوبة.. بل إن ضابط الجوازات في المطار لم يبتسم في وجهها إلا حينما قرأ اسمها في جواز السفر وسمعته يهمس لنفسه وهو يرفع عينيه إليها: ...سبحان الله....!! ماما الحبيبة.. أرجو ألا يكون خبر وفاتي مفاجأة مؤلمة لك لأن كلانا تعود الحياة بعيدا عن الآخر.. لكن كل ما أرجوه هو ألا تفقدين ثقتك في ابنتك.. وألا يفقد زوجي ثقته الغالية في شخصي.. فأنا لم أسرق ولم أفرط في نفسي يوما حتي خلال تلك الفترة التي أعقبت وفاة أبي وعشت فيها حياتي بحرية غير محدودة.. لقد فكرت في الانتحار لأني شعرت بأن حياتي انتهت فعلا داخل السجن وأن براءتي سوف تأخذ وقتا لن أحتمله علي الإطلاق خلف الأسوار العالية.. والآن سوف أشرح لك ما حدث.. هناك في قضيتي أشخاص لا أعرفهم.. وشخص واحد أعرفه جيدا.. وسوء الحظ هو الذي أوقعني بينهم.. الذين لا أعرفهم هم جواهرجي شهير بوسط القاهرة وزوجته الثانية التي كانت تخونه مع طبيب شاب!.. والشخص الوحيد الذي أعرفه هو هذا الطبيب الشاب المتخصص في أمراض النساء.. ويبدو أنه اختار هذا التخصص بعناية لأنه أيضا يستحق أن يكون ساحرا للنساء بمهارته الفائقة في العزف علي أوتار كل امرأة علي حدة حتي تقع في شباكه.. يبدو قديسا وواعظا معظم الوقت، وحينما يظهر شيطانا وإبليسا تكون المرأة عاجزة عن الإفلات منه.. لم أكن أنا علي علم بكل هذا حينما تعرفت عليه في الأيام التالية لوفاة أبي.. أوهمني أنه لم يحب في حياته سواي وأنني المرأة التي كان يحلم بالزواج منها.. وبعد أيام قليلة أهداني في عيد ميلادي خاتما من الألماظ لا مثيل له.. وأخبرني أنه سيتقدم طالبا يدي بعد عدة شهور قليلة.. ووجدت نفسي مدفوعة الي حبه والثقة فيه حتي دعاني ذات يوم لرؤية الشقة التي ستكون عش الزوجية.. وهناك حاول أن يفترسني.. قاومته بعنف.. مزق ملابسي فرفعت في وجهه سكين الفاكهة وهددته بالقتل.. نجوت منه بأعجوبة.. وقطعت علاقتي به ونسيت خاتم الألماظ في دولابي فقد كانت علبة مجوهراتي تملأ عيني.. المهم قررت الابتعاد عن صديقات السوء اللائي عرفتني إحداهن بهذا الطبيب.. وعدت الي حياة الاستقامة وتزوجت ممن أحب كما تعلمين.. وفجأة عثرت علي الخاتم الألماظ في دولابي بكل ذكرياته البغيضة فقررت التخلص منه.. كان صعبا أن أعيده الي صاحبه بعد أن أصبحت زوجة في عصمة رجل.. قررت أن أبيعه وأتبرع بثمنه لأحد الملاجئ!.. وذهبت الي محل المجوهرات وما أن شاهد صاحب المحل الخاتم حتي ظهرت علامات الدهشة علي وجهه ثم طلب مني الانتظار لحظات حتي يجهز ثمنه.. واختفي صاحب المحل لحظات ثم فوجئت بالمباحث تلقي القبض عليّ.. وعرفت أن هذا الخاتم تم الإبلاغ بسرقته من إصبع يد جثة لامرأة ماتت داخل سيارتها!! المعلومات يا أمي كانت مذهلة.. وغريبة.. ولم ترحمني دموعي وأنا أتابع سر هذا الخاتم في التحقيقات.. هذه السيدة التي عثروا عليها متوفاة داخل سيارتها كان زوجها الثري المعروف قد أهدي إليها الخاتم.. ولما تسلم جثتها من المشرحة قدم بلاغا بسرقة الخاتم من يدها وأعطي أوصافه للشرطة فحررت بها المباحث نشرة وأرسلتها لكل محال المجوهرات لندرة الحجر الكريم الذي يرصع الخاتم وحينما ألقوا القبض علي قصصت عليهم حكاية الطبيب الذي أعطاه لي.. وبسرعة تم القبض عليه هو الآخر وواجهوني به وضيقوا الخناق عليه فقدم اعترافا مذهلا أحسست معه أن الدنيا تدور بي وأنني وقعت دون أن أقصد في مصيدة لن أفلت منها بعد أن أصبحت داخل قضية كبري.. قال الطبيب النذل أنه كان علي علاقة بإحدي السيدات وأنه فوجئ بها تموت بين أحضانه ذات صباح تسللت فيه من بيت زوجها الي شقته مثلما تفعل معظم أيام الأسبوع.. وأن هذه السيدة كانت تذوب فيه عشقا وترفض قطع علاقته بها.. ولما ماتت قرر أن يتخلص من جثتها في ليلة شتوية مظلمة يسودها رعد وبرق ومطر.. وبينما هو يعيدها الي سيارتها لمح الخاتم الألماظ فنزعه من إصبعها واحتفظ به.. وقاد سيارتها حتي ابتعد بها عن مكان شقته ثم تركها!.. وراح هذا النذل يدافع عن نفسه بأن الوفاة كانت بتقرير الصفة التشريحية بهبوط حاد في الدورة الدموية وأن زوج السيدة بعد العثور عليها جثة هامدة داخل سيارتها وبعد تشريحها لم يتشكك في الوفاة وإنما أبلغ عن اختفاء الخاتم مما دفعه الي التخلص منه واهدائه الي صديقته!!.. هنا صرخت فيه يا أمي بأنني لم أكن صديقته وإنما خطيبته.. لكنه أصر علي أن علاقة خاصة كانت بيني وبينه دفع ثمنها هذا الخاتم..!! كان يريد أن يبتعد عن أي جريمة ويبرئ نفسه حتي من تهمة الاحتفاظ بالخاتم.. وظللت أصرخ وأضرب وجهي بيدي ورأسي بالحائط حينما قال للمحقق أنه بعد ذلك طلب مني أن أعيد الخاتم الي زوج السيدة بطريقة لا تكشف عن شخصيتي.. كل هذا يا أمي كان كلاما ملفقا.. وجاء زوجي واطلع علي المحضر واستدعاني أمام وكيل النيابة ليبلغني بكلمتين اثنتين.. قال لي وأنا محطمة: أنت طالق! أمي الحبيبة: أقسم لك أني بريئة.. وأقسم لزوجي لو قرأ رسالتي إليك أن مخلوقا لم يمس جسدي.. إنني يا أمي ذاهبة للقاء ربي وهو وحده الذي يعلم الحقيقة.. وربما هذا يريحني في آخرتي بعد ما عشته من عذاب في الدنيا. وبنفس اليد المرتعشة تضم الأم أوراق ابنتها الي صدرها وتجهش بالبكاء بينما كان الأطباء يفحصون ريهام ثم يأخذ أحدهم بيد الأم الي خارج الحجرة.. ترتبك المذيعة المعروفة وتتخبط قدماها وتدفع برأسها نحو حجرة ابنتها فتشاهد الأطباء يفردون الملاءة البيضاء فوق وجهها.. تدوي صرخات الأم تكاد تزلزل جدران المستشفي! أمام قبر العائلة.. تدور الدنيا برأس الأم! ها هي ريهام تنزل الي جوار خالتها.. كلاهما فارق الحياة بنفس الطريقة.. الخالة دفعت ثمن خيانتها.. وريهام هربت من فضيحة هي منها بريئة!.. ويبدو أن المذيعة السابقة لم تحتمل هذه المفارقة فظلت تلطم خديها وتصرخ.. إنها آخر اللحظات التي كانت تتعامل فيها مع الحياة بعقل ووعي وذاكرة يقظة فقد نقلت بعد ذلك الي مستشفي شهير للأمراض النفسية.. ولازالت تعالج فيه!!