حلب هي الجبهة الأبرز في النزاع السوري والأكثر تضررا منذ اندلاعه عام 2011، ومن شأن أي تغيير في ميزان القوي فيها أن يقلب مسار الحرب التي تسببت في مقتل نحو 300 الف شخص وتهجير الملايين وتدمير البني التحتية. وحلب واحدة من أقدم مدن العالم، تاريخها يعود إلي أربعة آلاف عام قبل الميلاد، وقد توالت الحضارات علي هذه المدينة المعروفة بصناعة وتجارة النسيج والتي تتميز بموقعها بين البحر المتوسط وبلاد ما بين النهرين، فوق كل ذلك فإن لها أهمية استراتيجية كبري تدفع الرئيس السوري بشار الأسد إلي العمل علي استعادة السيطرة عليها بأي ثمن، في خطوة من شأنها ان توجه ضربة موجعة للفصائل المعارضة، وتعيد مكانة حكومته علي الساحة الدولية تزامناً مع تغيير محتمل في الدبلوماسية الامريكية. ومنذ شهور، يشن الجيش السوري هجمات متتالية علي شرق حلب في محاولة لاستعادة الأحياء التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة منذ عام 2012، وتمكن مؤخرا من إحراز تقدم وسيطر علي نحو 40% منها انطلاقا من »مساكن هنانو»، أكبر هذه الاحياء وأول منطقة سيطرت عليها الفصائل. ويري الخبراء ان سيطرة الجيش علي حلب، ثاني أكبر مدن سوريا وعاصمتها الاقتصادية، سوف تشكل »احد اكبر انتصاراته»، باعتبار انها من بين أولي المدن التي تمكنت المعارضة من السيطرة عليها، كما ان حلب لها - كما تقدم - منزلة استثنائية تاريخية وسياسية وجيوسياسية، وستشكل استعادتها »نقطة تحول» في مسار الحرب في سوريا، اذ ستسمح للجيش »بالسيطرة علي أكبر المدن في البلاد وهي دمشق وحمص وحماة واللاذقية. وقد تفتح السيطرة عليها الطريق امام قوات الجيش لاستعادة محافظة ادلب شمال غرب سوريا التي تسيطر عليها وبشكل شبه كامل، فصائل اسلامية في مقدمتها جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا). ويقول مدير مركز دمشق للدراسات الاستراتيجية بسام ابو عبدالله ان »سيطرة الجيش بشكل كامل علي شرق حلب ستقلب ميزان الصراع في سوريا»، موضحا ان »الهدف ايصال الفصائل المسلحة إلي نموذج مشابه لحمص»، في إشارة إلي إجلاء مسلحي الفصائل من حمص القديمة عام 2014 بعد عامين من الحصار المحكم من جانب قوات الجيش. كما ان »الخيارات المتبقية امام الجماعات المسلحة هي التسوية او الترحيل إلي مناطق اخري». ومنذ يوليو الماضي، تعاني الأحياء الشرقية حصارا مطبقا من قوات الجيش، مما أعاق دخول قوافل المساعدات الانسانية وتسبب بنقص كبير في المواد الغذائية. وتزامن ذلك مع تعرض معظم المستشفيات لغارات قالت الدول الغربية انها ترقي إلي »جرائم حرب». ويري كثيرون ان الحصار يهدف إلي دفع السكان إلي الانقلاب علي الفصائل المعارضة بفعل البؤس والمعاناة من الجوع، لكن تحت وطأة القصف والخوف من المعارك، غادر عشرات الآلاف من السكان شرق حلب إلي المناطق الحكومية، في اول حركة نزوح من نوعها منذ 2012. وستضع السيطرة علي حلب الجيش في موقع قوة ليشق طريقه نحو الانتصار في الحرب التي تشهدها سوريا منذ 2011، وسيقتصر وجود الفصائل إلي جانب ادلب، علي بعض المناطق في درعا جنوبا التي كانت مهد الانتفاضة الشعبية ضد الحكومة السورية، وفي ريف دمشق حيث تراجعت الفصائل ايضا مع خسارة معقليها داريا ومعضمية الشام. واعتبر الخبير في الشئون السورية في معهد واشنطن للأبحاث فابريس بالانش أن خسارة حلب ستعني أن »المعارصضة غير قادرة علي تحقيق نجاح كبير علي الصعيد العسكري» وعلي طرح نفسها »كبديل» عن الحكومة السورية. واضاف ان »حلب كانت تشكل الأمل الاخير للتمكن من إقامة منطقة قابلة للاستمرار» بالنسبة لفصائل المعارضة، لكن في حال أصبحت بيد الحكومة، »فإن هذا الحلم سيتبدد». وإذا استعاد الجيش حلب، سيكون قد أمسك بمفاتيح مفاوضات السلام المحتملة بعد فشل ثلاث جولات من المفاوضات هذا العام بإشراف الاممالمتحدة.ومن المتوقع أن يدشن وصول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلي البيت الابيض في يناير المقبل تغيرا محتملا في الدبلوماسية الامريكية، يمكن ايضا ان يبدل المعطيات علي الأرض، لأنه ليس لديه رغبة كبري في التدخل في سوريا.. واذا سقطت حلب، فلن يكون هناك داع بعد ذلك لدعم المعارضة.