كان من الممكن أن أكتفي بالاعتذار كما فعلت الدورة الماضية ، فقد كتبت بياناً قبل بدء الدورة الثالثة لملتقي القاهرة للشعر أعلنت فيه اعتذاري عن عدم المشاركة، احتجاجاً علي إقصاء الغالبية العظمي من شعراء جيلي الثمانينات والتسعينات، ولكنني في هذه الدورة لم أعتذر ولم أشارك أيضاً، لم أعتذر رغم اعتراضي علي أشياء كثيرة لأنني شعرت أن جملة الاعتذارات التي سبقت المهرجانات قبل ساعات من انطلاقه لا تليق بمهرجان يحمل اسم القاهرة، علي الرغم من قناعتي بموقفهم لشعورهم أن الملتقي لفريق ظن أن الشعر مجرد لجنة تجتمع مرتين كل شهر لتدير شئون الشعر والشعراء! وفي الوقت نفسه كنت حزيناً علي ما آل إليه الملتقي الشعري الذي تقيمه مصر! ولم أشارك علي الرغم من أنني كنت أتمني المشاركة والحضور ومعايشة أجواء مهرجان شعري, وأن أقضي أربعة أيام في رحاب الشعر، لهذا حين تم إبلاغي بالمشاركة وافقت رغم ترددي، ولكن اللجنة المنظمة وضعت عشرات الحواجز والعثرات في طريق المشاركين، وكأنها تقول لهم لا تشاركوا! فالتصميم علي منح الجائزة لشخص ما تم إعلانه مسبقاً أو تحديد الأسماء جعل الجميع يرتاب في نوايا اللجنة، وخاصة وأن ما حدث الدورة الماضية يؤكد ابتعاد اللجنة المنظمة وبالتالي لجنة التحكيم عن معايير الشعر، فحين يتم منح الجائزة لعبد العزيز المقالح ولا تمنح لسعدي يوسف لابد أن تجعلنا نشعر بالشك والريبة، وهذا ليس تقليلاً من شأن المقالح، ولكن دون شك سعدي يوسف الأجدر بالجائزة وظني أن مشاكل الدورة الرابعة بدأت باعتذار سعدي عن المشاركة هذه المرة، حين علم بترشيحات الجائزة، وخاصة أن هذه الدورة لابد أن تمنح الجائزة لمصر ولا أعرف لماذا دورة للشعراء العرب وأخري للمصريين؟ فمن المفترض أن الجائزة للشاعر الأفضل ، الجائزة للشعر وحده دون عوامل مساعدة، فاعتذر سعدي يوسف وتوالت الاعتذارات ومعها الأكاذيب، فبعد أن تم إبلاغ عباس بيضون وعلي جعفر العلاق بأنهما من أعضاء لجنة التحكيم تم التراجع وتغيير اللجنة، فهل الملتقي بكل لجانه وأعضائه من الضعف والهشاشة حتي تربكه مقالة من كلمات معدودة أعلن فيها الشاعر عباس بيضون اعتذاره عن عدم المشاركة في مسرحية مكتوبة سلفاً، ولا أظن أنه وضع نفسه في هذا الموقف دون معلومات مؤكدة، ثم توالت الاعتذارات التي أكدت هشاشة الملتقي وضعفه، وظني أن المشكلة في أن القائمين علي الملتقي من أعضاء لجنة الشعر وأقرانهم يؤكدون للجميع في كل أفعالهم أنهم أهم من الشعر، حيث يتم إعداد الملتقي وفقاً لمعايير بعيدة عن الشعر، فهل اعتذار عباس بيضون، ثم قاسم حداد، وسيف الرحبي جاء مصادفة ؟ حتي وإن كان الاعتذار بأساليب مختلفة بالإعلان صراحة أو بالصمت. ولم يكن تسريب الاسم الذي سينال الجائزة هو السبب الوحيدة في الهجوم علي الملتقي والذي تلاه العديد من الاعتذارات ومنها اعتذار الدكتور صلاح فضل عن لجنة التحكيم بل هناك أسباب أخري منها علي سبيل المثال أسماء المشاركين في الندوات والموائد، فهذه دورة عفيفي مطر ومحمود حسن إسماعيل، وهي تخلو من أهم من كتبوا عن عفيفي مطر، مثل فريال غزول وشاكر عبد الحميد وصبري حافظ وسعيد الكفراوي، فهل هذا معقول ؟ أكتب ولا أعرف لمن الجائزة في هذه الدورة ، الجائزة التي أثارت العواصف حول هذا الملتقي، وأمام اللجنة أربعة خيارات إما أن تمنح الجائزة للشاعر محمد إبراهيم أبوسنة وتحافظ علي النظام الصارم الذي تتبعه في تطبيق سياسة الدور في لجنة الشعر، فالأقدم يحصل علي الجائزة والتالي ينتظر للدورة القادمة والجميع مطمئن لهذا النظام، أو يتنازل الملتقي ويمنح الجائزة لشعر العامية أي للشاعر سيد حجاب وهذا ما استبعده فثمة أمر مريب في هذا الملتقي ألا وهو تكفير شعر العامية ووضعه في مرتبة أقل من شعر الفصحي ولا أعرف كيف أو من منح هؤلاء هذا الحق، فمن منهم أهم من بيرم التونسي ؟ وربما تتخلي اللجنة عن هذه الخيارات التي تم تسريبها قبل العاصفة وتمنح الجائزة للشاعر محمد سليمان أو الشاعر حسن طلب، وهنا تكون قد خرجت عن النظام وتخلت عن قواعد اللعبة، وهذا سيؤدي إلي غضب من كانوا في انتظار الدور، ربما يحدث ذلك، وربما تكون هناك مفاجأة! ودون شك من حق جميع الشعراء الحصول علي الجائزة ولكن وفقاً لقواعد ومعايير تنحاز أولاً وأخيراً للشعر، ولكن حين يكون لدينا جائزة للشعر العربي لا يحصل عليها أدونيس أو سعدي يوسف لابد أن نتساءل، وحين تعتمد الجائزة سياسة الدور لابد أن نتساءل، فلم يكن موقف الشاعر عباس بيضون في الانحياز للشعر ثم دعم الشاعر عبد المنعم رمضان لهذا الموقف سبباً في العاصفة بل أحداث ثلاث دورات تم فيها إهانة الشعر مرة بإقصاء الشعراء، ومرة بالمجاملة والترضية ، ومرة بإتباع سياسة الدور، ومرات عديدة ، فالشعر لا يعرف سوي الشعر ومن المفترض أن المشاركة في الملتقي أو شروط الجائزة لاتخضع سوي للشعر وليس لشيء آخر. مرة أخري أكتب هذه السطور قبل إعلان الجائزة، وظني أن الاسم الذي سيحصل علي الجائزة لن يغيّر من الأمر كثيراً ، فالنتيجة هي تقسيم الشعراء في مصر والعالم العربي إلي قسمين ، مع الملتقي وضده ، فهل هذا ما كانت تسعي إليه لجنة الشعر بالمجلس الأعلي للثقافة ، وهي الوكيل الوحيد المعتمد للملتقي، وكل ما يتعلق بشئون الشعر! هل كانت ترغب في أن ينقسم الشعراء علي أنفسهم ؟ وفي النهاية كان من المفترض أن يبعث ملتقي الشعر في نفوسنا السعادة، لكنه أصابنا بالحزن ، وبدلاً من أن نطرح الأسئلة حول الشعر ونقيم حواراً حول مستقبل القصيدة ، رحنا نتساءل حول الجائزة وشروطها ومن سيحصل عليها، وراح البعض يتبادل الاتهامات بدلاً من القصائد، كان من المفترض أن يشبه مهرجان الشعر روح الشعر ، لكنه لم يشبه سوي معركة بالعصي والنبابيت حول جسد هزيل، ولأن الضحية في هذه المعركة الشعر وحده، فلم أعتذر ولم أشارك !