في حروب المخابرات، تقوم المخابرات المعادية بواسطة عملائها ببث مواد صحفية ودرامية وفنية داخل أرض الوطن لصنع حالة كراهية بين الشعب وأجهزة الأمن حتي يضعوا حاجزا بينهم، وبذلك تفسح المجال للعملاء والجواسيس لكي يرتعوا ويحصلوا علي ما يريدون.. هذا تعريف مبسط قاله صلاح نصر رئيس جهاز المخابرات المصرية الأسبق في كتابه »الثورة المخابرات النكسة» لاستخدام وسائل الإعلام في الحرب النفسية تمهيدا للقضاء عليها. وإذا طبقنا ما ورد في هذا التعريف علي كثير مما يحدث حولنا منذ سنوات سنجد أنه أصاب كثيرا من الحقيقة خاصه لو طبقناه علي نموذج قناة الجزيرة القطرية فهي أداة من ضمن أدوات إعلامية أخري تحركها قطر ضد باقي الدول العربية لترهيبها أو استمالتها لصفها، وبدلا من أن تكون أداة للتنوير أصبحت معولا لهدم كثير من الدول العربية، فقد شاركت الجزيرة بقوة في تدمير العراق وكانت شريكا أساسيا فيما أطلق عليه الربيع العربي الذي انتهي بتدمير ليبيا وسوريا واليمن، والآن تهدد مصر والجزائر. دفعت قطر مليارات الدولارات للهجوم علي الدولة المصرية، فهي لا يمكن أن تمارس أي دور إقليمي إلا في غياب مصر، ظنت أنها أنهت هذه الدولة حينما حرّضت علي مبارك وجنّدت جماعة الإخوان الإرهابية، تخيلت أن تحالفها مع تركيا يمكن أن يصنع منها لاعبا إقليميا، وتوهمت أن وجود قاعدتي »السيلية» و»العديد» الأمريكيتين يمكن أن يمثلا لها الحماية الكاملة، فهي مجرد دولة لقيطة بلا أي قوات مسلحة أو تاريخ عسكري. عبرت قطر بفيلمها التسجيلي الأخير عن التجنيد في الجيش المصري كل الخطوط الحمراء في العلاقة مع مصر، وقطع أميرها تميم بن خليفة شعرة معاوية الأخيرة مستعينا بالإخوان الهاربين فيها، ومن يعرف تاريخ قطر يدرك جيدا أنها لا يمكن أن تقدم علي ذلك الفعل بنفسها بل إن هناك ضوءا أخضر خليجيا من أجل تدمير الجيش المصري عقابا له علي عدم المشاركة في تدمير سوريا واليمن كما طلب منه، والتخلص من مصر حتي لا تنتقل إلي أي معسكر آخر في المنطقة.. وهو ما دفع المصريين علي وسائل التواصل الاجتماعي إلي رفع صور البيادات العسكرية في مواجهة صورة تميم والمشاركة في هاشتاج العسكرية المصرية شرف الذي تصدر تويتر. في أوقات كثيرة تقود الأوهام أصحابها إلي الانزلاق في بئر الخطيئة وقد لا ينتبهون إلا وهم غارقون فيها ليصبح من المستحيل إنقاذهم، وهذا درب دويلة قطر وقناة الجزيرة مع مصر منذ ظهورها وحتي الآن، وباستهدافها الجيش المصري أصبحت في مرمي نيران الجميع في مصر وفي الطليعة الشعب المصري الذي انتفض ضد الجزيرة وفيلمها المسيء لقواته المسلحة . تحليل المشهد القطري يحتاج إلي تحليل مختلف بعيدا عن السياسة، فالعُقد بين مصر وقطر أصبحت نفسية في المقام الأول كما يري الدكتور إبراهيم مجدي حسين أستاذ الطب النفسي لافتا إلي أن الجيش المصري يمثل عُقدة بالغة لقطر، فرغم ثروتها الهائلة لم تتمكن من بناء جيش حقيقي طوال السنوات السابقة ولذلك لديها حقد شديد علي مصر التي رغم أزمتها الاقتصادية تمتلك واحدا من أقوي جيوش العالم، فالجيش المصري يحتل المرتبة ال 13 عالميا والمرتبة الأولي عربيا وأفريقيا بحسب موقع »جلوبال فايرباور»، يحتل المرتبة السادسة عالميا من حيث عدد الدبابات، إذ لديه 4767 دبابة، كما أنه الثالث عالميا من حيث امتلاك المدرعات إذ بحوزته قرابة 19 ألف مدرعة ، بالإضافة إلي تحلي جنوده بشيء غير موجود في أي جيش في العالم وهو العقيدة والشهادة . وأوضح حسين أن علماء النفس الأجانب عجزوا عن تحليل عشق الجندي المصري وإقدامه علي الشهادة، وقد حيّر هذا الإقدام علماء النفس العسكريين الأمريكيين أثناء متابعتهم للجنود المصريين أثناء حرب تحرير الكويت التي اشترك فيها الجيش المصري مع قوات التحالف، وذكر ذلك في عدة مراجع عن حرب الخليج الثانية وعملية عاصفة الصحراء. ويصنف حسين فيلم الجزيرة من ضمن الحرب النفسية المنهجية التي تتعرض لها مصر باستخدام الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في نشر هذه المعلومات والأكاذيب، ليست هذه المرة الأولي ولن تكون الأخيرة، ولكن هذه المرة المستهدف كان المقاتل المصري نفسه والشباب المتقدم للتجنيد وإيصال صورة غير صحيحة للعالم عن الجندي المصري. نأتي هنا لجزء آخر وهو التحليل للشاب الذي أخرج الفيلم، بحسب الدكتور إبراهيم مجدي حسين صاحب الفيلم شاب مصري اسمه عماد الدين السيد وسبق له أن أخرج فيلما وثائقيا بعنوان »المندس» وهو الفيلم الذي حرّض ضد قوات الشرطة في مصر، وادعي أن وزارة الداخلية تؤجر بلطجية للاعتداء علي المواطنين في مصر، ووجود تعذيب من قبل وزارة الداخلية للمواطنين، ومن قوات الأمن للمتظاهرين. وهو شاب صيدلي تخرج في كلية الصيدلة جامعة الإسكندرية ويعيش في الدوحة، وهو مخرج أفلام وثائقية، هذه المعلومات طبقا لحسابه الشخصي علي فيس بوك، نموذج من الشباب فاقد الانتماء الذي يسهل تجنيده ضد بلده في حروب الجيل الرابع. وتم استخدام عماد من قبل الجزيرة في تنفيذ ما يسمي إدارة الوعي الجمعي perception management وهي أحدث الطرق وأكثرها تطورا في الحروب النفسية طبقا لما ذكرته مراجع علم النفس العسكري الحديثة، ويتم من خلالها استخدام مجموعة من الشباب فاقد الانتماء بشرط أن يكون تعليمه جيدا ويجيد التفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعي في نشر وعمل أفلام ضد بلاده. وعبر تلك الأداة يتم استخدام أحدث وسائل غسيل المخ واللعب علي العقل الجمعي وإثارة الرأي العام ويتم استخدام الدعاية والإعلام والمشاهير والأفلام والمسلسلات والصحف والمواقع الإلكترونية لتوجيه الرأي العام لمعلومة محددة وهدف معين وليس خفيًا سيطرة المخابرات الأمريكية والموساد وعلاقتها الوثيقة بصنّاع الإعلام وصناع الأفلام الوثائقية في هوليوود وقطر. أما الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز فيري أن الجزيرة في تعاملها مع الشأن المصري والليبي والسوري لا يمكن اعتبارها وسيلة إعلام، فكل ممارساتها في هذه الدول تؤكد أنها وسيلة دعاية سوداء فضلا عن كونها لعبت دورا جوهريا في تقويض الدولة الليبية . ويري أن التعامل مع القوات النظامية أو ما يمس تماسكها لها تقاليد إعلامية وتكون قائمة علي حماية الأمن القومي وعدم المساس بروحها المعنوية وبالتالي يمكن تصنيف فيلمها الأخير بأنه جزء من دعاية سوداء تسعي إلي تقويض الدولة الوطنية . ويشير عبد العزيز إلي أن الدوحة لا تعبر عن نفسها، بل تعكس وجود أكبر قاعدتين أمريكيتين في الشرق الأوسط، لافتا إلي أن الجزيرة جرّبت كل شيء مع مصر اعتبارا من العقد الأخير لحكم مبارك وفهمت أن الجيش هو عمود الخيمة والوتد الأخير وقررت أن تقوِّض هذا الوتد عبر ممارساتها الإعلامية . ومن جانبة قال خالد عكاشة الخبير الأمني إن فيلم الجزيرة جزء من حرب نفسية علي مصر متوقعا أن يتغير المشهد برمته في عام 2017 مع تغيُّر موازين القوة في المنطقة. واعتبر عكاشة أن الحرب موجهة ضد الدولة المصرية وليس الجيش فقط والتركيز عليه لأنه المؤسسة الأقوي في الدولة، فالجزيرة استهدفت قبل 25 يناير 2011 جهاز الشرطة بفيديوهات التعذيب وجاء وقت القوات المسلحة ليتم معها نفس الأمر. وأكد عكاشة أن تصرف الجزيرة غير مسبوق علي المستوي الدولي والعالمي من الناحية المهنية، فلم نر أي دولة تتعامل مع جيش دولة أخري بهذه الطريقة إلا إذا كان بينهما حرب معلنة، شهدنا ذلك في الحرب العالمية وفي الحرب المصرية الإسرائيلية، وفيها تمارس الدول نوعا من أنواع القتال علي الساحة الإعلامية، وتوقع أن تمتد الإساءه إلي جيوش أخري في المنطقة لأنها تريد صنع احتقانات كبيرة في المنطقة وإشعالها لخدمة من يستخدمونها. ويري أن الجزيرة لا تعبر عن نفسها في هذه المعركة ولا عن سياسة الدوحة فقط، بل يتم توظيفها لخدمة أهداف قوي كبري في المنطقة ولديها قائمة طويلة من الانتهاكات تمت في قضايا شائكة مثل المغرب وجمهورية الصحراء، والأزمة الجزائرية المغربية، تدمير الدولة الليبية، وكذلك الترويج لوجهة النظر الإسرائيلية فهي الوسيلة العربية الوحيدة المنفتحة علي قادة الجيش الإسرائيلي. ويري عكاشة أن الرد علي هذه الإساءة يجب أن يكون قويا وسريعا ويتناسب مع حجم الإساءة الموجهة للمؤسسة العكسرية، وألا يقتصر الأمر علي الإعلام، وأن تنتقل المعركة للساحة الدبلوماسية، مؤكدا أن هناك سابقة قام بها الملك عبدالله عاهل السعودية الراحل ومجلس التعاون الخليجي باستدعاء كل السفراء من الدوحة حتي تتوقف الجزيرة عن استهداف مصر.