هو أبرز أدباء الصومال علي الإطلاق، وصاحب دور ريادي في مجالات أدبية متنوعة، إذ كتب الشعر والقصة والرواية والمسرحية والدراما الإذاعية، والأشعار الغنائية. تعكس أعماله كافة جوانب الثقافة الصومالية، وتُعبر عن مُعاناة شعب مزقته التدخلات الأجنبية والحرب الأهلية. شعره رغيف خبز في بلد ضربته المجاعات، وملجأ في مُدن مزقتها طلقات الرصاص، وصوت عاقل يدعو للسلام في أرض يتنازع عليها أمراء الحرب. تُرجمت بعض أعماله إلي عدة لغات، ويعتبره المهتمون بالأدب الصومالي أعظم الشعراء الأحياء في بلده. وصل محمد حضراوي إلي هذه المكانة رغم التحديات والمصاعب الكبيرة التي واجهها في حياته؛ فقد دفعه الفقر إلي السفر إلي اليمن في صباه، ودفعه الاضطهاد إلي الهرب إلي أثيوبيا، ودفعته الحرب الأهلية إلي اللجوء إلي بريطانيا، قبل أن يعود إلي وطنه مرة أخري. ولد محمد إبراهيم وارسام عام 1943 بمدينة "برعو" عاصمة الإقليم الشمالي للصومال، في أسرة فقيرة. في التاسعة من عمره، سافر إلي اليمن ليعيش في كفالة عمه، وأقام بمدينة عدن حيث تعلم وحصل علي لقبه (حضراوي) الذي لازمه بقية حياته. عاد إلي الصومال فور حصولها علي الاستقلال عام 1959، وأقام بالعاصمة "مقديشيو". تخرج في مدرسة المعلمين عام 1963، وعمل مُعلمًا في مدارس المرحلة الابتدائية، وفي تلك الأثناء التحق بالجامعة لدراسة الأدب الانجليزي. عمل في تلك الفترة كذلك بالإذاعة الصومالية، وقدّم برامج إذاعية نالت شهرة طاغية بين أبناء شعبه. كانت قصائده في مطلع السبعينيات تحمل نقدًا لاذعًا للنظام، فقامت السلطات بإلقاء القبض عليه عام 1973 وحبسه لمدة خمس سنوات. وبعد إطلاق سراحه، تم تعيينه مُديرًا لقسم الفنون في أكاديمية العلوم والفنون والآداب في حكومة المنفي التي شكلتها الحركة الوطنية الصومالية، واتخذت من أثيوبيا مقرًا لها. كرّس أغلب أشعاره في تلك الفترة في انتقاد الأوضاع السياسية وفضح المُمارسات القمعية في بلاده. وفي عام 1991، انتقل للإقامة في انجلترا هربًا من الاضطهاد والتداعيات السياسية الخطيرة في الصومال، واستغل تلك الفرصة في المشاركة بالفعاليات الأدبية والثقافية في أوروبا وأمريكا؛ هذا إلي جانب مشاركته في الفعاليات السياسية الخاصة ببلاده. لعب دورًا كبيرًا في المساعي الخاصة بإحلال السلام ووقف الحرب الأهلية في الصومال، ولعب دور الوسيط في وقف الاشتباكات المُسلحة أكثر من مرة. عاد إلي بلاده مرة أخري عام 1999، ولا يزال يعيش هناك، يواصل دوره الأدبي والسياسي حتي الآن. يُجيد حضراوي اللغتين العربية والإنجليزية، ولكنه يكتب باللغة الصومالية. ظهر علي الساحة الأدبية في الصومال بعد عدد من الشعراء الشفاهيين العظام الذين تجاوزت شهرتهم الصومال، وانتشرت أعمالهم في شرق ووسط أفريقيا. بالطبع استفاد من تجاربهم، إذ ظهر الحس الشفاهي في أعماله، واستمر في رصد نفس تفاصيل العالم الذي تناوله الأسلاف، ومزج بين الإنسان والطبيعة والحيوانات البرية وحيوانات الرعي، واستعراض تفاصيل الحياة اليومية في القصائد؛ هذا إلي جنب اعتماده علي الموسيقي القوية والإيقاع السريع، والإصاتة التي يكثر استخدامها في الشعر الصومالي الشفاهي. ويمكن اعتبار أشعاره الغنائية أحد مظاهر النزعة الشفاهية لديه وتأثره بالتراث الصومالي الذي يحتوي علي نوع من الغناء يُسمي "هيز"؛ يستعرض فيه المُطرب شؤون الحياة والرعي والعلاقات بالجيران وغيرها. حاول حضراوي الحفاظ علي تلك السمات في قصائده الغنائية، وكان هذا سبب شعبيتها الواسعة. وكان قد كتب مئات الأغاني لمُطربين ومُطربات، من بينهم المطربة "مغول"؛ أبرز مطربات الصومال، والتي لعبت دورًا وطنيًا بأغانيها، وكوّنت ثنائيًا مع حضراوي (يشبه الثنائي نجم والشيخ إمام في مصر)، وغنت له عشرات الأغاني المناهضة لحُكم "سياد برِي". ولا يمكن اعتبار تلك النزعة الشفاهية اختيارًا من جانب حضراوي؛ إذ أن الشعر المسموع أكثر انتشارًا من الشعر المقروء في بلد نسبة الأمية فيه مُرتفعة. لم تُكتب النصوص الشعرية في الصومال قبل عام 1972، ولا يزال الأداء الشفاهي للقصائد هو المُسيطر علي المشهد الشعري حتي الآن، ولم يكن حضراوي يكتب كل قصائده، وكان يحرص علي إلقاء قصائده المكتوبة في الأمسيات لكي تنتشر بشكل سماعي، وكان صدور الدواوين أمرًا نادرًا قبل ما يُعرف بالشتات الصومالي في التسعينيات. وفي عام 1993، جمع حضراوي قصائده التي كتبها في الفترة من 1970 إلي 1990 في ديوان ضخم بعنوان "قصائد مُختارة"، صدر في النرويج. وعلي الجانب الآخر، يرجع جزء كبير من انتشار قصائد حضراوي بين أبناء وطنه إلي إحدي عادات الصوماليين التي اكتسبوها من زمن الشعر الشفاهي؛ وهي حفظ القصائد عن ظهر قلب، وترديدها في المناسبات المُختلفة. كما لعبت الإذاعة دورًا كبيرًا في انتشار قصائده، خاصة الإذاعة الموجهة من الخارج، إلا أن الدور الأكبر يرجع إلي أشرطة الكاسيت؛ إذ كانت أمسياته وعروضه الشعرية تُسجّل علي أشرطة كاسيت ثم تُنسخ من أجل نسخها توزيعها. استفاد حضراوي من إتقانه للغة العربية واطلاعه علي الأدب العربي أثناء إقامته في اليمن، كما تأثر بالأدب الإنجليزي في مرحلة الدراسة، مما منحه رؤية أوسع للعالم مُقارنة بأسلافه، وجعل من أشعاره بوتقة انصهرت فيها عدة ثقافات لكل منها خصوصيته وجماله. تجاوز حضراوي بذلك إحدي مشاكل الشعر الشفاهي؛ وهي ارتباطه معظمه وليس جميعه- بسياق مكاني وزماني مُحدد، مما يجعل استيعابه صعبًا بعد فترة من الزمن، أو بالنسبة إلي أبناء ثقافات أخري. وُلدت قصائد حضراوي من رحم الحركة الوطنية الصومالية التي انطلقت عقب الاستقلال عن الحكم الإيطالي، فقد عاد إلي وطنه ليجد حالة من الفوران السياسي، وكان عليه الانخراط في السياسة بشكل مُباشر، واستخدم أعماله الأدبية في انتقاد السلطة. استخدم القصائد والأغاني والمسرحيات كأسلحة في مواجهة النظام الحاكم؛ وكانت أشعاره تلقي رواجًا في طول الصومال وعرضها، حتي أنها وصلت إلي المناطق الرعوية النائية. وكان قد تعرض للسجن بسبب قصيدة "سينيلي"؛ وهي قصيدة طويلة حاول فيها عرض رؤيته حول كيفية النهوض بالصومال، وانتقد فيها الديكتاتورية العسكرية بشدة: (أنا رئيس الجمهورية/ أنا رئيس مجلس الإدارة/ أنا قائد الشعب/ أنا أذنه/ وعينه/ وعقله)؛ يسخر حضراوي من تصورات الديكتاتور عن نفسه، وبالطبع لنا أن نتخيل عواقب تلك التصورات، أو نبحث عنها في مُفتتح قصيدة أخري بعنوان "المُجتمع": مجلس الحكماء: لا يمكن الحصول عليك! اللوم: تنمو بلا حدود! الجشع: أنت حصان جامح! الحصان الشجاع: أنت عاجز هنا! القوة الغاشمة: تضعين قناع الغباء علي وجهك! بحر الفوضي: أنت شديد الاتساع. إلا أن الديكتاتور ليس مسئولًا وحده عما حلّ ببلاده؛ إذ يري حضراوي أن التوازنات الدولية لعبت دورًا في تفاقم الأمور: (بعد تخلي الكتلة الشرقية عنا/ تجرأت الكتلة الغربية/ وحملت إلينا الخراب). تنطوي تلك القصائد علي قدر كبير من الألم والإحباط، إلي جانب النزعة التحليلية تاريخية الطابع؛ ومحاولة البحث عن حلول لخروج بلاده من المأزق الدامي. وبالطبع تغيرت طبيعة قصائده السياسية منذ مطلع التسعينيات بتغير الظروف السياسية في بلاده، وأصبحت أكثر تركيزًا علي الدعوة للسلام. الحب هو الموضوع الثاني الذي يُهيمن علي قصائد حضراوي؛ خاصة القصائد الغنائية وتأثر علي وجه الخصوص بأشعار الحب التي يحفل بها التراث العربي. نلمح في قصائد الحب لديه (المُتاحة بالانجليزية) بعض ملامح قصائد الحب العُذري التي تتحول فيها المحبوبة إلي موضوع للحب أكثر منها كائنًا بشريًا. في قصيدة "دهشة"، يقتصر هدف الوصف علي إبراز جمال المحبوبة والتغزل في مفاتنها الجسمانية. لا تكشف لنا القصيدة عن السمات العقلية أو النفسية للمحبوبة، ولا حتي عن مدي العلاقة بينها وبين الشاعر. يقف الشاعر علي مسافة بعيدة من حبيبته، وهو في حالة من التوتر والدهشة لهذا الجمال الخارق، إلا أن حضراوي يستخدم صورًا قوية وطازجة؛ استمدها من الطبيعة في واقعه المُحيط. تتسم الصور كذلك بالامتداد والثراء: نظرتها تشبه شمس الغروب في يوم مُمطر، وجسدها يُشبه شجرة يانعة تنمو علي قمة جبل، سرعان ما تتحول إلي ساحة رقص يدور حولها طقس اختيار شريك الحياة. نال حضراوي مكانة دولية كبيرة باعتباره شاعرًا وسياسيًا يسعي إلي تحقيق السلام في بلاده. وفي عام 2012، حصل علي جائزة "برنس كلاوس" لإسهاماته في تحقيق السلام عن طريق الشعر. إلا أن الجائزة الحقيقية التي حصل عليها حضراوي هي التقدير الشعبي الكبير لشخصه ولأشعاره منذ مطلع السبعينيات، جعله حالة نادرة بين شعراء العصر الحديث، إذ يحمل له أبناء شعبه التقدير والاحترام، ويطلقون عليه لقب "شكسبير الصومال".