واقع العرب اليوم.. وما فيه من صراعات طائفية ومذهبية أفضت الي تلك الصور القاتمة التي نراها اليوم لعالمنا العربي الممزق الأوصال والذي أصبح ساحة لمعارك شرسة تدمي القلب، ويحرك خيوطها القوي التي لا تريد أن يقام قائمة للعرب.. فقاموا بتشويه صورة الإسلام، وشجعوا الأفكار المتطرفة لتظهر إن الاسلام دين التوحش وقطع الرقاب.. لا دين الرحمة والتسامح، وهو الذي اشاع الحضارة والمدنية علي مدي عصور حين كانت أوروبا غارقة في بحار الجهل والتخلف. هذه الصور القاتمة جعلتني أقرأ في كتاب قديم شديد الأهمية، وترجع أهميته إلي أنها شهادة من رجل أوروبي لعب دورا سياسيا مهما لانجلترا عندما كان وزير دولة في حكومة إيدن التي هاجمت مصر مع فرنسا واسرائيل عام 1956 واستقال احتجاجا علي هذا العدوان الثلاثي انه أنتوني ناتنج وكان من الطبيعي ان تهاجمه اسرائيل وتقف منه موقفا عدائيا مما حدا به الي تأليف كتابه »العرب تاريخ وحضارة» وقد ترجمه محمود مسعود وصدر عن دار الهلال. والكتاب متعة للقارئ، ومنصف للاسلام وحضارة الإسلام.. أنه يأخذنا في رحلة بالغة الأهمية في التاريخ الإسلامي، منذ ظهور الإسلام علي يد النبي محمد صلي الله عليه وسلم مرورا بكل العصور حتي عصرنا الحديث. انه يتحدث عن الانتصارات والهزائم التي مرت بالعالم العربي من خلال تصوير الشخصيات التي لعبت أدوارا مهمة في تاريخ العالم العربي حتي عصر جمال عبدالناصر الذي نادي بقومية عربية جديدة اخذت تنتشر في مشاعر الجنس العربي. يقول انتوني ناتنج عن هذه الشخصيات انها ليست سجلا للاحداث بقدر ما هي معرض صور للشخصيات التي جعلت الاحداث محتومة واقعة ويظهر المؤلف عظمة رسول الاسلام وهو يتساءل كيف استطاع رجل واحد - يقصد الرسول- أن يقود هذه الكثرة الهائلة من تابعيه لكي ينبذوا حياتهم القائمة علي عبادة الاصنام والملذات، مؤثرين عليها حياة صارمة وعرة قوامها الإيمان الخالص. انه يري أن دعوة الإسلام وما انطوت عليه هذه الدعوة من التوحيد، وما انطوت عليه رسالته الروحية- من دعوة إلي العدل الاجتماعي هي دعوة مست بصفة خاصة قلوب السواء الاعظم في الحجاز ممن كانوا مستضعفين في الارض، وكانت دعوة الاسلام هي الحافز الاكبر وراء الفتوحات العربية الكبري التي اعقبت وفاة النبي وهكذا غيرت دعوة محمد بلاد العرب، وحولت العرب انفسهم في الشطر الاكبر من شبه الجزيرة الي امة متحررة منظمة قادرة علي الدفاع عن وطنها الام وتوسيع حدودها. كما تجلي في الاحداث التالية الي اقاصي الارض، ومن خلال القواعد الدينية للعقيدة غرس في نفوس الطبقات الحاكمة في الحجاز، احساسا جديدا بالمسئولية حيال رعاياها، وهيأ للجماهير المحرومة قاعدة جديدة للعدالة الاجتماعية. ويتحدث عن شخصية الرسول الآسرة، وما اتسمت به من سمات الرحمة، وفهمها للتصور البشري فيقول: انه كان عزوفا عن متاع الحياة وعند وفاته لم يترك سوي درع وقميص وعمامة وثوب مرقع وقربة وحشية من سعف النخيل وكان نصيبه من الغنائم هو الخمس ينفقه كله في سبيل الإسلام. ويقول : ولقد كان آية في الرحمة حتي للعدو المنهزم وأروع ما تجلي ذلك في مكة والطائف حتي اقرت قريش بهزيمتها واصبحت اخوة له في الإسلام. ويلخص رؤيته لأعظم رسل السماء بقوله: هذا هو محمد إذن الانسان العادي الذي اختاره الله رسولا، والذي احس منذ صباه انه مدعو لتغيير العالم الشرير الفاسد الذي كان يعيش فيه.. والذي ادت رسالة الاسلام الذي بعثه الله بها الي توحيد العرب في عقيدة دينية قوامها الايمان بالله الواحد الأحد. وما أعظم رسالة الاسلام لو فهمناها علي حقيقتها كما فهمها المنصفون للاسلام ونبي الاسلام وهم ليسوا علي دين الاسلام. انه دين العلم والتقدم والحضارة.. وهو الذي غزا القلوب والعقول، وامتدت اضواء حضارته فيما بين اسوار الصين الي الاندلس في قلب اوروبا. ولا أعرف لماذا تداعي الي خاطري بعد أن انتهيت من صفحات هذا الكتاب الهام الذي يعطي صورة واقعية للإسلام، وما حققه للحضارة الانسانية. لا أعرف لماذا تداعي إلي خاطري قول نزار قباني: أنا يا صديقة متعب بعروبتي فهل العروبة لعنة وعقاب أمشي علي ورق الخريطة خائفا فعلي الخريطة كلنا أغراب! لماذا وصلنا إلي هذا الحال؟! تأملات شاعر الشاعر اسماعيل صبري »1854- 1923» شاعر من اهم شعراء مصر والعالم العربي- وكان محبا لوطنه الي اقصي حد، وهاجم الاستعمار الانجليزي الذي كان جاثما علي صدر الوطن. وهذا الشاعر الكبير درس الحقوق في مصر وفرنسا وترقي في سلم الوظائف في مصر الي ان اصبح وكيلا لوزارة العدل، واعتزل الخدمة عام 1907 وعندما اقرأ قصائد هذا الشاعر وما فيها من حس مرهف ووطنية، احس ان الشعر الصادق يصل الي القلوب بسهول ويسر لانه تعبير مباشر عن الوجدان. وهو كشاعر مفكر انتابته الافكار التي تراود اي مثقف عن الحياة ومغزاها ، وعن المصير الإنساني. ومن اجمل تأملاته الصوفية الفدية الرقيقة قوله: يارب أهلني لفضلك واكفني شطط العقول وفتنة الافكار ومر الوجود يشف عنك لكي أري غضب اللطيف ورحمة الجبار يا عالم الأسرار حسبي محنة علمي بأنك عالم الأسرار وما أروع الابحار في مثل هذه الأشعار الصوفية الخلابة كلمات مضيئة إذا ساعدت الاجنبي علي أخذ بلادك فلا تغضب إذا نام في فراشك عبدالله النديم