مع وصول الجمهورى دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض رغم قلة خبرته السياسية من جهة وتشكيك قطاع كبير من قيادات الحزبين الجمهورى والديمقراطى فى قدرته على أن يكون رئيسًا، يتطلع الجميع لنائبه مايك بينس الجمهورى المخضرم حاكم ولاية إنديانا. فهل سيتتبع الجمهورى المحافظ خطى سابقه ديك تشينى ويكون الرجل الأقوى بالبيت الأبيض خلال عهد تلك الإدارة أم سيصطدم بترامب في قضايا رئيسية قد تكون محل الجدل مثل العلاقة مع روسيا والوضع فى سوريا وتصريحات ترامب المسيئة للمسلمين ؟ ظاهريًا يبدو أن بينس الرجل المناسب فى المنصب المناسب مع انعدام الخبرة السياسية للرئيس الحالى الذى يراهن أكثر على نجاحه كرجل أعمال واقتصادى، وبحسب "النيويورك تايمز" فإن بينس على العكس من ترامب تماما، فهو ذو سجل حافل بالخدمة العامة فقد خدم فى الكونجرس وأدار ولاية انديانا، يعتبر بطلا لدى المحافظين الذين يعشقون إيمانه المسيحى القوى ومقاومته للتحرر الاجتماعى المتصاعد بالبلاد، منضبط جدًا فى تصريحاته ويحتفظ بآرائه بعيدًا عن تويتر، يحظى بعائلة داعمة وزواج مستقر منذ ثلاثة عقود، لديه من الخبرة الكافية حول كيفية إدارة الأمور والسياسة بواشنطن وهو ما يفتقر له ترامب. انقسمت عدد من الصحف ووسائل الإعلام حول مدى النفوذ الذى سيتمتع به مايك بينس فى البيت الأبيض فى ظل ما عرف عن ترامب من اهتمامه باستشارة دائرة واسعة من المستشارين الرسميين وغير الرسميين ولكنه فى نهاية المطاف يفعل ما يشاء ضاربا بكل تلك الاستشارات عرض الحائط. ولكن نظرا لوجود حالة من انعدام الثقة فى ترامب سواء بين الديمقراطيين وبين صفوف حزبه ممن يؤمنون بأنه غير مؤهل لأن يكون رئيسًا للولايات المتحدةالأمريكية فإن بينس قد يصبح رقمًا فارقًا فى إدارة ترامب وربما يصبح نائب الرئيس الأكثر نفوذا خلال العقود الأخيرة منذ ديك تشينى الذى لعب دورًا مؤثرًا فى إدارة جورج بوش الإبن، بنس نفسه استشهد بتشينى، معتبرا إياه نموذج يحتذى به فى هذا المنصب خلال مقابلة له الشهر الماضي مع "ايه بي سي نيوز". وبالتأكيد قد يساهم ويتدخل لمنع الكثير من الفوضي، خاصة وأن الجمهوريون كانوا يعولون عليه فى إعادة بناء الحزب إذا ما خرج ترامب من السباق فى ظل مؤشرات تراجعه أمام كلينتون فى الأسابيع الأخيرة قبل أن ينجح فى النهاية بقلب الطاولة لصالحه. يقول بينس إنه ولد من جديد كمسيحى عندما التقى زوجته كارين فى الكنيسة الإنجيلية أثناء دراسته وتزوج منها في عام 1985 ولديهم ثلاثة أطفال: مايكل، شارلوت وأودري. قبل دخوله الكونجرس عمل فى محطة إذاعية يمينية، أمضي بينس خمسة عشر عاما بالكونجرس كعضو أولا ثم كحاكم لولاية انديانا منذ 2013. دافع خلال منصبه من أجل خفض الإنفاق الحكومى، واكتسب سمعة باعتباره محافظ فى مجال الاقتصاد والمالية، ينظر له ترامب وحملته باعتباره خيارًا آمنا لهم، فهو مسئول جمهوري قضي فترة طويلة فى بناء علاقات وثيقة على حد سواء لتأسيس الحزب وقاعدته الشعبية. وأعرب عن تأييده تيد كروز في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين عام 2016، ونال الثناء من قبل بول راين، رئيس مجلس النواب، الذي وصفه بأنه "صديق شخصي".وشغل بينس منصب رئيس مؤتمر الحزب الجمهورى – ثالث أرفع منصب قيادى بالحزب. لعب بينس دورا مهما فى حملة ترامب الانتخابية خاصة فى دعم الحملة بولايات الغرب الأوسط وولايات البحيرات العظمى باستغلال علاقاته هناك لدعم الحملة واتساع شعبيتها، وتعهد بينس بأن البيت الأبيض تحت قيادة ترامب سيطبق "المبادئ المحافظة العريقة" مثل خفض الضرائب والتنظيم، وزيادة الإنفاق العسكري. يعتز بينس كثيرًا بإيمانه ويصف نفسه بأنه كاثوليكى انجيلي، ويتحدث حول ذلك خلال المقابلات معه، وتعهد بأنه سيكافح الإجهاض وتنظيم الأسرة إذا ما نجح وترامب بالوصول إلى البيت الأبيض، مستندا إلى علاقاته الضاربة مع شريحة واسعة من المحافظين سواء على المستوى الدينى أو الاجتماعى. ومن الأمور الأكثر جدلًا فى تاريخه السياسي توقيعه على قانون استعادة الحرية الدينية عام 2015 لصالح الأفراد عندما كانت السياسة الحكومية تتعارض مع معتقداتهم، وقد أثار القانون جدلا كبيرا ووصفه معارضوه بأنه يتضمن تمييزا ضد المثليين، وحظى بانتقاد عدد من رجال الأعمال أبرزهم تيم كوك الرئيس التنفيذى لشركة أبل. كما صوت في عام 2007 ضد قانون حظر التمييز ضد الأشخاص على أساس ميولهم الجنسية.وفي عام 2010 أعرب عن تأييده للسياسة العسكرية لعدم السماح للجنود أن يكونوا مثليو الجنس علنا. ووقع على قانون يحظر على النساء في ولاية إنديانا إجراء عملية إجهاض في حال ولادة طفل معاق. وأظهرت وثائق داخلية نشرت في عام 2015 أن إدارة بينس وضعت خطط لبدء تمويل وسيلة إعلامية من أموال دافعي الضرائب بحيث تديرها ولاية إنديانا، وتقدم خلالها الأخبار المكتوبة مسبقا والمحررة بمعرفتها بما فى ذلك التغطيات الحية والمباشرة للأخبار وبينها التغطيات الخبرية المباشرة عن إدارته. إلا أن ذلك قوبل بعاصفة من السخرية والانتقاد فى أنحاء الولاياتالمتحدةالأمريكية، وشبهها البعض بأن حاكم إنديانا يريد تحويلها إلى كوريا شمالية أو صين أخرى مما دفع بينس لقتل الفكرة وسحبها وإصدار بيان صحفى يؤكد فيه أن الفكرة تم إلغاؤها وسيتم استبدالها بنظام لإصلاح منظومة الإعلام ودعمها. وبرغم قدرته على الهجوم وهو ما أثبته أكثر من مرة فى انتقاداته لهيلارى كلينتون إلا أنه لا يسقط فى فخ الاستفزاز بسهولة ومن الصعب اصطياد الأخطاء له خلال تصريحاته ومقابلاته الإعلامية الأمر الذى يعتبره الجمهوريون وأعضاء حملة ترامب بأنه مصدر قوة لهم، وبالفعل صرح كيليان كونواى مدير حملة ترامب بعد إعلان فوز الأخير بأن بينس أحد أهم أسباب نجاح ترامب. شارك مايك بينس ضد تيم كين، المرشح الديمقراطي لمنصب نائب الرئيس، في مناظرة في اكتوبر الماضي، وخلال المناقشة، أثبتت بنس المهارات التي كانت غائبة بشكل كبير عن أداء رئيسه فى مناظرته ضد هيلاري كلينتون. فقد كان فصيحا وموجزة، وعندما سئل مجموعة من الأسئلة الصعبة حول تصريحات رئيسه الأكثر إثارة للجدل، سرعان ما حولها بينس إلى وصف إيجابي لخطط ترامب، وهجمات على خصومه. وهاجم القطب الجمهورى روسيا، لكونها حليفا رئيسيا لبشار الأسد، الرئيس السوري الذى طالما نددت به الولاياتالمتحدة كمجرم حرب.فى ظاهرة لافتة على خلافه مع مواقف ترامب فيما يتعلق بسوريا، وبرغم أنه وعد بقصف داعش وخروج تنظيم الدولة الإسلامية من العراق والشام. لكنه لم يتحدث عن الوقوف في وجه الأسد، أو، لا سيما حليفه الرئيسي، روسيا. ويعد ذلك تناقضا صارخا مع إشادة ترامب علنا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين فى أكتوبر الماضي وسياساته في سوريا، واصفا إياها بأنها "شيء رائع". كما وصف تصريحات ترامب حول الهجرة وحظر المسلمين بأنها "مسيئة وغير دستورية". وكشفت صحيفة "نيويورك بوست" وشبكة "سي إن إن" أخيرا أن بينس لم يكن خيار ترامب الأول، حيث سبق لترامب أن عرض على حاكم ولاية نيو جيرسي كريس كريستي أن يكون نائبه إلا أن كيليان كونواى مدير حملته ونجل ترامب أقنعاه بالتراجع وتغيير رأيه واختيار بينس الذى كان دوره فى البداية المساعدة فى إعادة صياغة تعليقات وتصريحات ترامب وتحويلها لمواقف أكثر قبولا لدى الناخبين. وبالفعل ساهم بينس فى التخلص من معظم الفوضي التى تسببت بها تصريحات ترامب خلال الحملة الانتخابية، فمثلا عندما اشتبك ترامب مع أبوين مسلمين أمريكيين قتل ابنهما أثناء خدمته بالجيش الأمريكى في العراق، كان بنس الذي أصدر بيانا جاء فيه أن "الأسرة يجب أن تكون موضع اعتزاز وتقدير من كل أمريكى". كما توجه بينس إلى الكونجرس فى جولة مكوكية أثناء الحملة لطمأنة أعضائه بأن ترامب يريد "التعاون الحقيقي" معهم، وهو يتمتع بعلاقات قوية ومتوازنة مع مجلس الشيوخ ومجلس النواب الأمريكيين، وتؤهله خبرته السياسية لتكوين رؤية حول القضايا التى يجب التعامل معها من منظور سياسي وآليات ذلك.