الأغلبية في عالمنا العربي راهنت علي حصان هيلاري كلينتون في سباق الرئاسة الأمريكية، دول خليجية دعمتها بملايين الدولارات، الرئيس الديموقراطي أوباما الذي ينتمي لنفس حزبها دعمها وساندها وحشد لها، كتيبة من نجوم السينما نزلوا بثقلهم وشاركوا بشهرتهم في الترويج لها. الأمريكان من أصول إسبانية ومكسيكية والسود تحمسوا لها، ليس حبا فيها إنما كراهية لترامب بسبب تصريحاته العدوانية تجاههم، أغلب أجهزة الإعلام وقفت في صف هيلاري ضد ترامب، الدنيا كلها تقريبا كانت ضده، تتعامل معه علي أنه أحمق، مجنون، معتوه، زير نساء، عنصري، لا توجد له خلفية سياسية، وتوقع الجميع علي الأقل في عالمنا العربي اكتساح هيلاري كلينتون لتصبح أول امرأة تجلس علي عرش البيت الأبيض، بعد أن جلس عليه رئيس أسود لأول مرة ! هيلاري كلينتون أنفقت ما يزيد علي أربعة أضعاف ما أنفقه ترامب في حملته الانتخابية، كل المؤشرات الأولية والنهائية، كل استطلاعات الرأي أكدت تقدم هيلاري كلينتون قبل ساعات من انطلاق ماراثون التصويت، وأثناء التصويت أيضا، زميلي مؤمن خليفة مدير تحرير الأخبار كتب علي صفحته قبل ساعات من إعلان النتيجة أنه حزين جدا لتقدم المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون في الانتخابات، وعبر عن غضبه بكلمات تعني أن واقعنا سوف يشهد المزيد من التخريب والتدمير لدول المنطقة، وقد كتبت له معقبا » اصبر يا أبا عمر المفاجأة قادمة »، وعلي ما يبدو أنه فضل أن يدخل سريره لكي لا يصاب بمزيد من الإحباط وتتالت التعليقات علي ما كتب من أصحاب العقلية العربية الكلاسيكية التي تبشرنا بأن أمريكا في طريقها للزوال والسقوط والانهيار، تلبية لرغبات في العقل الباطن ! لقد شكل فوز ترامب » الفيل الجمهوري » علي كلينتون مرشحة » الحمار الديموقراطي » صدمة شديدة ومفاجأة غير متوقعة بالمرة للدول والأشخاص الذين وقعوا أسري المؤشرات والاستطلاعات. لكني كان لدي يقين تام بعدم فوز هيلاري كلينتون وكنت علي ثقة بأن الفائز هو ترامب، ليس لأني لا سمح الله من المنجمين وقراء الطالع والفلك، إنما لقراءة موضوعية لما طرحه ترامب من وعود وتصريحات نارية واضحة وصريحة تتفق وتتوافق مع تطلعات قطاع كبير جدا من الشعب الأمريكي الذي يريد أمريكا القوية اقتصاديا، الذي يوافق ترامب في الحد من الهجرة، واتخاذ مواقف صارمة وحادة من التيارات الإرهابية المتأسلمة وفي مقدمتها » داعش »، ترامب الفقير في خلفياته السياسية لعب من خلال مستشاريه في الحملة الانتخابية علي حاجات المواطن الأمريكي، وحاجة أمريكا البرجماتية لاسترداد القوة وفرضها علي الآخرين حفاظا علي المصالح الأمريكية في العالم، المواطن الأمريكي يعنيه مستوي المعيشة التي سيحياها، والضمان الاجتماعي، والعلاج والتعليم وخلافه، أكثر ما يعنيه سياسة أمريكا الخارجية تجاه الدول التي لو سئل عنها أي مواطن أمريكي لفشل في تحديد مكانها علي الخريطة. مشكلة العقلية العربية بشكل عام أنها تنظر للانتخابات الأمريكية من منظورها الخاص الذي يتفق مع مصالحها هي، وما تريده هي من الرئيس المنتخب، وكأنها هي التي تنتخبه وتصوت له وليس الشعب الأمريكي الذي تتغير أمزجته وفق معادلاته الخاصة، لقد جاء ترامب ولنري كيف ستتعاطي معه الأنظمة العربية التي دعمت منافسته، ولنري مصداقية ما وعد به من عدمه.