صدق المشاركون في المؤتمر السنوي السادس لمركز الدراسات الأرمنية بآداب القاهرة علي مشروع بإنشاء دورية لمركز الدراسات الأرمينية بالتعاون مع جامعة يريفان الحكومية بأرمينيا، مع القيام بمشروعات بحثية مقارنة وتقابلية عن صورة الأرمن في الأدب العربي، وصورة العربي في الأدب الأرميني، وتقديم الخبرة عن الثقافة الأرمنية للمؤسسات الثقافية في مصر، واتفق المشاركون في المؤتمر علي موضوع المؤتمر القادم في دورته السابعة علي ان يكون عن (التعايش السلمي: الأرمن والعرب نموذجا) مع ضرورة تقديم مختصرات عربية وإنجليزية للأوراق البحثية المقدمة. وكان مركز الدراسات الأرمينية برئاسة الدكتور صلاح محجوب إدريس، قد عقد مؤتمره السنوي السادس، الأسبوع الماضي، وارتكز المحور الرئيسي لأوراقه العلمية حول "الدراسات الأرمينية في العالم العربي". ومن بين هذه الأوراق البحثية، قدم د. فهر محمود شاكر دراسة عن رحلة المخطوط العربي في أرمينيا، أكد فيها أن العلاقات العربية الأرمينية مغرقة في القدم منذ العصر الجاهلي، فأرمينيا معروفة لدي العرب في قلب الجزيرة بسبب نشأة التجارة بين العرب وآسيا منذ القدم، فقد كانت من أهم مراكز التجارة بين الحضارات العربية القديمة مثل الحميرية والسبئية في اليمن، وحضارات الرافدين في العراق، وكذلك بين القبائل العربية المنتشرة في قلب الجزيرة، ثم مع الفتح الإسلامي وخضوع أرمينيا للحكم العربي، زادت العلاقات توطدا، ومع توسع العلوم وانتشارها أصبحت آرمينيا أحد أهم مراكز العلم قديما في آسيا الصغري، مشيرا الي انه بسبب هذه العلاقات وجدت مخطوطات كتبت بالعربية والفارسية في أرمينيا، وقد قام معهد المخطوطات العربية في القرن الماضي بزيارة ليريفان عاصمة الدولة الآن، لتصوير بعض المخطوطات العربية هناك وشرعت في صنع فهرس تفصيلي بقوائم المخطوطات بيد أن هذا العمل للأسف لم يكتمل وظلت المخطوطات العربية حبيسة حتي اليوم دون فهرسة موثقة لا يدري أحد عددها، ولا قيمتها . وعن الأرمن في مصر (منذ البداية حتي 1922) قدمت الباحثة كناريك أفاجيان "لمعهد التاريخ، أكاديمية العلوم بأرمينيا)، ورقة استعرضت فيها تاريخ الأرمن في مصر بداية من الفراعنة وعصر الامبراطوريات اليونانية والرومانية والخلافة العربية والعثمانية ثم السيادة البريطانية والفترة اللاحقة، وأكدت ان الأرمن خلال جميع الفترات التاريخية لعبوا خلال هذه الفترات مستفيدين من تساهل السلطات المصرية تجاه المسيحيين دورا هاما في الميادين العسكرية والحكومية والسياسية والاقتصادية والتجارية والصناعية والثقافية والمهنية وغيرها في البلاد المختلفة، كما أنشأوا منظمات وطنية جماعية "الكنائس والمدارس والدوريات". وأشارت د. كناريك الي انه في العصر الفاطمي كانت الجالية الأرمينية قد شكلت حوالي 30 الف ارميني، ولعبت دورا هاما في الحكومة والجيش والحياة السياسية والاقتصادية والثقافية. وبرزت أسماء الوزراء ذوي الأصول الأرمينية وهم. بدر الدين الجمالي (1074/1094م)، الذي قمع بأفواجه من مواطنيه الأرمن، تمردات الأتراك السلاجقة، والأمراء النوبيين والزنوج، ثم حارب الصليبيين وثبت السلام في الدار المصرية، كما وجدنا ابنه (شاهنشاه 1094، 1121م) وكذلك الجيوشي (1130/1131م)، يانس (1132/1134م) وبهرام الأرمني: أي فاهرام بالهافوني (1135/1137م) طلائع بن رزيق (1154/1161م) بن رزيق عادل (1161/1163م) وغيرهم، تولي الأرمن في مصر خلال العهد الفاطمي مناصب عالية جدا، ولذلك سمي المؤرخ الألماني المتخصص (غاستون ينيتن) تلك الفترة باسم الدائرة الأرمينية. وفي عام 1867 حصل اتباع آكم المصري اسماعيل باشا بفضل الدعم النشط لوزير الخارجية نوبار باشا، سياسة تعاون مرنة مع الاوروبيين علي اللقب الوراثي للخديو نوبار باشا، وفي عام 1857 تم تعيين نوبار باشا في منصب مدير دائرة السكك الحديدية والنقل، ثم تولي منصب وزير الدولة للشئون الخارجية لأربع مرات وفي منصب رئيس الوزراء ثلاث مرات. وأضافت انه حتي القرن ال19 كان الأرمن اساسا يقيمون في القاهرة والاسكندرية وكان عدد قليل من الأرمن يسكنون في رشيد ودمياط في النصف الثاني من القرن ال19، وانتقل بعضهم الي الزقازيق وطنطا وأسيوط والفيوم وقدر عدد الأرمن في مصر اوائل القرن ال20 بأكثر من 30 ألف أرميني. ومن جانبه تحدث الدكتور محمد أحمد صالح عن توظيف مذابح الأرمن في تقدم الخطاب الصهيوني في (بغداد بالأمس) عند ساسون سوميخ، مشيرا الي انه قد سعي الكاتب ساسون سوميخ في مسيرته الذاتية المعنونة ب(بغداد بالأمس) الي عدم الاعتماد علي المفردات الأساسية للقاموس الصهيوني، بل سعي الي هدمه عبر استعادة الدلالات والظلال لكثير من المفردات والألفاظ التي احتكرت الصهيونية دلالاتها وقصرتها علي استخداماتها هي فقط، كما رفض في كثير من الأحيان استخدام ألفاظ بعينها لمجرد استخدام الصهيونية لها. وأشار د. صالح الي أن ساسون قد استخدم الدلالة ذاتها التي تستخدمها الصهيونية وهي تتحدث عن (هولوكوست) ولكن في سياق مختلف يري انه من الصدق استخدامها فيه وليس عن الهولوكوست أو الأحداث التي تزعم الصهيونية حدوثها- أو تختلقها- ضد اليهود ففي معرض حديثه عن الجيران الأرمن، تحدث عن المذابح التي وقعت لهم من قبل الاتراك، فيستخدم ذات المفردات والعبارات مجردة من ظلالها ودلالاتها الصهيونية الرئيسة والفرعية. وصدقت د. نورا عبدالعظيم حجازي (مركز تحقيق التراث بدار الوثائق المصرية) علي ما جاء في ورقة د. كناريك افاجيان عن دور الأرمن العظيم في العصر الفاطمي، وذلك من خلال ورقة تقدمت بها بعنوان (إسهامات الأرمن الحضارية في مصر الفاطمية)، أكدت فيها ان العصر الفاطمي كان بمثابة العصر الذهبي للجالية الأرمينية حيث لعب الأرمن دورا عظيما في مختلف المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية والعمرانية. وقدم د. سامح الجارحي (جامعة القاهرة) بحثا عن (ميرزا ملكم خان) رائد الفكر التنويري في ايران الحديثة، ذاكرا انه من اصول ارمينية مشيرا الي اسهاماته في صياغة النهضة التنويرية الكبيرة التي حدثت في ايران الحديثة، وترويجه لأهمية العلوم والاستفادة من الخبرات والتكنولوجيا الغربية والغرب ومنها ما كان جريئا لدرجة رفض المجتمع الايراني له كليا وجزئيا الا وهي فكرة الأبجدية العربية للغة الفارسية وضرورة تغييرها لأنها احد أهم أسباب التخلف والجهل في المجتمع الايراني من وجهة نظره. ومن بين الأفكار التي نادي بها ميرزا ملكم خان اهمية التعليم ومحو امية الشعب الايراني وأهمية الصحافة التي قد دخلت الي ايران بفضل مساعي ميرزا ملكم خان، وكان اول من اسس صحيفة تحمل اسم (قانون) اشهر الصحف الايرانية في القرن ال19 وال20 وهي احدي اهم الأدوات التنويرية التي ساهمت في صياغة العقل الجمعي التنويري واسس التنويرية في ايران الحديثة. واختصت (د. سونا توينكيان) رئيس قسم اللغة العربية جامعة يريفيان الحكومية المؤتمر ببحث تناولت فيه ترجمة القرآن الكريم الي اللغة الأرمينية مشيرة الي انه نتيجة للفتوحات العربية لجأ الي القرآن الكريم في نفس الوقت الذين اعتنقوا الإسلام بهدف تفسيره والمؤلفون المسيحيون بهدف الاطلاع علي الكتاب المقدس للديانة الجديدة، ادي ذلك الي ظهور تقليدين اثنين لدراسة القرآن الكريم: داخل الإسلام وخارجه، وكانت ترجمة القرآن الكريم موجودة في بيزنطة في القرن العاشر وترجم الي اللغة السريانية في القرن الحادي عشر، وظهرت ترجمات الأولي الي اللغات الأوروبية ابتداء من القرن الثاني عشر وكان المؤلفون الأرمن في القرون الوسطي يقومون بالترجمة بالتعاون مع المؤلفين الأجانب، وكانوا يقومون بالترجمة الحديثة اما المحررون الأرمن فكانوا يقومون بصياغتها بالصورة النهائية؛ ولهذا السبب فإن الترجمات الأرمينية احيانا تبتعد الي حد كبير عن اصلها وتصبح حرة التعبير. وأشارت الي انه في القرن ال17 ترجم القرآن إلي اللغة الأرمينية بأكمله وقام بذلك سطيفانوس ليهاتسي وكانت الترجمة تضم 124 سورة لانها كانت تعتمد علي الترجمة اللاتينية التي كان عدد سورها 124 وكان "ليهاتسيي" يذكر عدة نماذج لترجمة سورة واحدة ومثال ذلك سورة الفاتحة. أما ترجمة القرآن الكريم الي اللغة الأرمينية من أصله العربي فقام بها أمير خانيانتس أوائل القرن ال20 حيث إنه كان يجيد اللغة العربية كما تم ترجمة القرآن الكريم، خلال السنوات العشر الماضية الي اللغة الارمينية من اللغتين الفارسية والتركية، وكلتاهما غير علمية.