وافقت اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية، علي مذكرة تفيد بتحويل بعض المباني والمناطق الأثرية إلي عناصر جذب سياحي، بمعني تحويل بعضها إلي فنادق أو مطاعم ومزارات سياحية. الخطة وفق تصور وزارة الآثار تهدف للمشاركة في تنمية المجتمع المحيط بالمبني والحفاظ علي الطابع العمراني التراثي للمنطقة، وتوصيل الرسالة الثقافية والإنسانية والفنية التي يحتويها المبني إلي الأجيال الجديدة بصورة واضحة من خلال معايشة المبني ذي القيم للعصر الحاضر وأداء دور إيجابي في المجتمع، فضلاً عن ابتكار نظرة حضارية جديدة تساعد علي تدعيم الشعور بالانتماء، عبر دمج ماضي المدينة وحاضرها ومستقبلها في وحدة متميزة تعطي الشعور بالاستمرارية الحضارية وتعطي زائرها إحساسا بتميز هذه المدينة وتفردها. محمد عبد العزيز، معاون وزير الآثار لشئون الآثار الإسلامية والقبطية والمسئول عن القاهرة الأثرية، أوضح أن توظيف المباني والمناطق الأثرية في الاتجاه الملائم لا يساعد علي تطويرها وإرجاع الحياة إليها فقط ولكنه يؤثر علي الكيانات العمرانية المجاورة ويمتد أثره إلي المناطق الأخري للمدينة خاصة إذا دخلت عملية توظيف هذه المباني واستثمارها النطاق الاقتصادي الحضاري، وتابع عبد العزيز: "نقوم بعمل حصر للوكالات الأثرية في مصر وقد وصل العدد إلي نحو 33 وكالة ومنطقة أثرية، ونحن الآن بصدد عمل الدراسات اللازمة لهذه الوكالات لبيان ما يصلح من عدمه، ولكن وكالة قايتباي بحي الجمالية أصبحت جاهزة لبدء العمل بعدما أثبتت الدراسات صلاحياتها لكي تدرج معنا ضمن المشروع". تم تشكيل لجنة مكونة من ستة وزراء هم وزراء الآثار، التخطيط، المالية، الإسكان، السياحة، ووزارة الثقافة، كي تشرف علي تنفيذ المشروع، الذي يري عبد العزيز أن من شأنه أن يثير العديد من الإجراءات التخطيطية والتنظيمية في المناطق المحيطة بها، ويساعد علي وضع قواعد جديدة للبناء والعمارة فيها، فتوظيف المباني والمناطق الأثرية بالتبعية سوف يدخل في نطاق التخطيط العمراني لهذه المناطق الأمر الذي سوف يظهر بالتبعية علي الأنماط المختلفة لاستعمالات الأراضي وتصميم شبكات الطرق للمرور والمشاة وبناء المرافق والخدمات العامة لاستكمال التوظيف الملائم للمناطق الأثرية ومحيطها العمراني وهذا ما يحتاج إلي فكر متجدد للتخطيط العمراني في المدنية الجديدة. وبخصوص التخوف من تغيير معالم هذه المناطق الأثرية يقول عبد العزيز أن من شروط المشروع هو ألا يترتب عليه أي تعديلات بتخطيط المبني فيما عدا المستلزمات الضرورية جدا، كدورات المياه وشبكة الكهرباء والمياه والصرف الصحي وخلافها، علي أن تكون غير مشوهة للمبني، وعناصره الفنية، ولا يترتب علي إدخالها أي أخطار محتملة تضر بالمبني، وإذا ما تطلبت الوظيفة شيئاً من الأثاث أو التجهيزات الداخلية فيجب أن تكون في أضيق الحدود، وأكثر بساطة، وسهلة الاستبعاد وقت اللزوم، بحيث تكون تلك الإضافات الجديدة للمبني الأثري استرجاعية يمكن إزالتها مستقبلاً دون أن يكون لها تأثير سلبي علي المبني الأثري أو شكله أو أصالته أو بيئته المحيطة. من جانبه يري المهندس طارق المري أن الحفاظ علي التراث المعماري جزء لا يتجزأ من عملية الحفاظ علي الهوية الإنسانية، مؤكداً أن إبداع الحاضر هو همزة الوصل بين الاحتفاء بالماضي العريق ومستقبل نرسم ملامحها بمفاهيم مبتكرة ومتجددة، تلبيةً للتوقعات المشروعة لمواطني المدن التاريخية، وتحويل أحلامهم وتطلعاتهم إلي واقع ملموس، وأضاف : " تقدمت منذ سنتين بمشروع مماثل يهدف إلي إحياء تلك المناطق الأثرية التي باتت خرائب لا يستفيد منها سوي الحيوانات الضالة التي تجد فيها ملجأ ومخبأ، ولكن المشروع رفض حينها، وعلي ما يبدو أن الوزارة قد استجابت ولكن علي نطاق أوسع فكان مشروعي لا يعدو إعادة ترميم وتجهيز وكالتين فقط من الوكالات الأثرية القديمة، اللتين لا يعرف لهما اسما معروفاً، وعلي كل حال فإن البدء في هذا المشروع سوف يعود بالنفع الكبير علي الجميع لأن المناطق الأثرية فقدت رونقها وتاريخها ووحدها عملية إعادة الترميم هي القادرة علي بعثها من جديد إلي الحياة". كما لفت المري إلي أن إهمال أحد المباني الأثرية هو فقدان لأحد عناصر المدينة وعدم توظيفها يجعل منها مكانا مهجوراً لا يتفاعل مع المجتمع المحيط فالتوظيف للمباني هو تنمية لها في إطار بيئتها المحيطة وإنعاش الحياة داخل هذا الإطار وتكامل عناصر الوجهة الحضاري للمدينة خاصة إذا ما كانت الوظيفة منسجمة ومتفقة مع الطابع العام للمدينة، وضرورة أن يتناسب مع القيمة الحضارية للمكان والقيمة الاقتصادية للزمان. من جانبه اعتبر الدكتور حسام إسماعيل أستاذ الآثار الإسلامية المشروع خطوة جيدة جداً، وقال :"أنا أدعمه بكل قوة، فهذا الأمر منتشر بقوة في جميع أنحاء العالم، ولا يجب أن يقتصر الأمر علي الوكالات المسجلة فقط، فلدينا مثلاً في شارع المعز بعض الوكالات التي قد تصلح للترميم مثل وكالة السلطان الأشرف برسباي علي ناصية شارع الضبابية مع شارع المعز وهي متروكة للباعة والأهالي الذين يسكنونها وهذا أمر مرفوض ويجب استغلال هذه الوكالة، كما أن هناك وكالة أخري في شارع الصنادقية وكانت قد حرقت من قبل ولها موقع ممتاز ويجب تسجيلها والعمل علي ترميمها ضمن المشروع". أثناء زياراته لمدينة حلب السورية، قبل تغيير معالمها من قبل نظام بشار، رأي إسماعيل العديد من الوكالات والمناطق الأثرية التي تم تحويلها إلي مزارات سياحية عادت بالخير الوفير علي سوريا لأنها كانت ذات أسعار مرتفعة للغاية لأنها تكون أغلي من فنادق الخمس نجوم، فتستطيع بذلك أن تدر دخلاً هائلاً، كما كان روادها يزيدون يوماً بعد آخر، فهم يقيمون في فندق سياحي وفي الوقت ذاته يشهدون علي عظمة الماضي ويقفون حيث مر التاريخ من قبل، فهو حفاظ علي المباني الأثرية وليس هدماً لها وقضاءً عليها كما يتوهم البعض، واستطرد: "تفقد المباني الأثرية قيمتها بالكلية عندما يسكنها الناس العاديون فيخربونها، ولنا تجربة في ذلك متمثلة في عدد الدكاكين الموجودة أسفل مسجد الغوري وقد فوجئنا في الثمانينات بهؤلاء يحفرون في الحوائط لتوسيع رقعة دكاكينهم، هذه الحوائط التي يصل سمكها إلي ستة أمتار في بعض الأحيان، فما أفقنا إلا علي هبوط صحن مسجد الغوري نتيجة هذه التصرفات". واختتم إسماعيل كلامه بأن علينا السير علي غرار الدول المتقدمة التي انتبهت إلي أهمية الاستفادة من تراثها الثقافي والحضاري واستثمار المباني الأثرية، لأسباب كثيرة لا تقتصر علي عنصر الجذب السياحي فقط، رغم أهميته، ولكن يمتد تأثيرها إلي ضرورة أن يشترك المواطنون في استعمالها الاستعمال المناسب الذي يضمن استمرارها بالشكل الذي يضمن حمايتها ولا يضر بها كي تدخل في إطار المجتمع ولا يقتصر وجودها علي كونها بناءً جامداً يزوره الناس فقط.