منذ بداياته الشعرية، استطاع الشاعر الكبير محمد سليمان أن يلفت أنظار النقاد إليه، فهو من الشعراء أصحاب التجارب الخاصة، التي لابد من التوقف عندها، وهو- أيضا- من الشعراء أصحاب »الإنسانية العالية» لمست ذلك فيه عندما جلسنا مرات كثيرة.. عندما يتحدث يجب أن تصمت، لتستمع لتجرية إنسانية ثرية.. ذات يوم سألته عن أحوال الصيدلية، فهو طبيب صيدلي، ضحك وقال إنه تخلص منها منذ سنوات، وحكي لي المتاعب والمصاعب التي جلبتها له.. في مجملها مشاكل لا تتعلق بإدارته، وإنما بإحساسه بالناس حوله، هذا الاحساس الذي كان يدفعه للتهاون في أن يحصل علي ثمن الدواء، فشعوره بالمريض وربما بفقره، تعدي شعوره بأنه مسئول عن أسرة يجب أن يوفر لها حياة رغدة، مثل غيره من الصيادلة. هذه الرحابة في العطاء، شعرت بها عندما كنت أستأذنه في أن يكون عضوا في لجنة تحكيم شعر الفصحي، في المسابقة التي تنظمها «أخبار الأدب»، إذ كان حريصا علي أن يقرأ بدقة متناهية الدواوين المقدمة للجائزة، وكان لا يكتفي بوضع الدرجات أمام كل ديوان، إذ كان يقدم ما يشبه دراسة قصيرة عن كل ديوان، فرحا بمستوي ما يقدم، محللا في كلامه معني مستوي الدواوين، ملمحا إلي أنه يشعر بالسعادة البالغة أن يكون واحدا ممن يقدمون الأجيال الجديدة، ويري أن هذا الأمر جزء من دوره، فرحته لا توصف عندما يري ديوانا متميزا، وشابا يسير علي طريق أن تكون له تجربته المتفردة. سليمان الذي أحتفل بيت الشعر بعيد ميلاده السبعين، يدرك جيدا قيمة أن يكون للشاعر صوته الخاص وتجربته المتفردة، وقد تبدي ذلك واضحا منذ بداية مشواره.. فقد كان واحد من القلائل الذين بشروا منذ ديوانه الأول، بأننا أمام شاعر يمتلك تجربته الخاصة، التي يجملها د. عبد الناصر حسن في مقدمته للأعمال الكاملة لسليمان في أمرين، الأول موهبته الخاصة في كتابة الشعر، والآخر ذلك الرصيد الضخم الذي ثقفه سليمان من تجارب شعرية سابقة عليه تجمع بين أطياف التراث وعلامات الحداثة في الشعر والعرب. صاحب السبعينية يؤمن بأن علي الشاعر والأديب الحقيقي أن يثقف نفسه وأن يختزل مختلف التجارب في عقله وجدانه: استفدت من عدد هائل من الشعراء خاصة الشعراء المفكرين الذين يميلون إلي التأمل مثل أبي تمام والمتنبي والمعري وأحمد شوقي وصلاح عبدالصبور وصلاح جاهين وأحمد عبد المعطي حجازي وإيليا أبو ماضي وأدونيس ويوسف الخال ومحمد الماغوط وسعدي يوسف وعفيفي مطر، وشعراء أجانب في مقدمتهم كفافي وإليوت ورينيه شار. ومن المصادر القوية لتجربة سليمان، ما وصفه بالأثر الأقوي لأبعاد المكان في تجربته، وهو الإرث الشعبي الفني: إن التراث الشعبي يأتي من القري والحقول والأحياء الشعبية، فالثقافة الشعبية هي التي تحرك الوطن. من مميزات سليمان الشعرية، أنه صاحب تجربة ممتدة من السبعينيات وحتي الآن، من ذلك دواوينه: قصائد أولي، سليمان الملك، بالأصابع التي كالمشط، هواء قديم، أعشاب صالحة للمضغ، تحت سماء أخري، اسمي ليس أنا، دفاتر الغبار، أوراق شخصية، أكتب لأحييك، إضاءات، كالرسل أتوا بالإضافة لمسرحيتين شعريتين: العادلون- الشعلة.