حالة اليأس وانعدام أي أمل في فرصة عمل توفر الحد الأدني للحياة الكريمة، هي ما دفعت المئات للهجرة غير الشرعية،.. وما يحدث لهم من موت محقق كل يوم في حكايات مأساوية، ليست بالدافع القوي لاثنائهم عن خوض التجربة.. فاليأس ومذلة الحاجة تجعل الإنسان يري نهايته واحدة ولا مفر منها وهي »الموت».. إما الموت جوعا أو الموت في عرض البحر ليس المهم فالنتيجة واحدة. وتري ذلك في حكايات الناجين من رحلة مركب رشيد.. والأغرب هو ان يدفع أهاليهم ثمن هذه الرحلة.. فنجد البعض يدفع لابنه فلذة كبده.. والآخر يحمل زوجته وفلذة كبده معه في الرحلة ولا يبالي الموت.. فالنتيجة واحدة »كده ميت وكده ميت». مأساة تتكرر حسب الاحصائيات علي فترات متقاربة أسابيع أو شهورا، والحكومة تشاهد وتتابع ولا يتحرك لها ساكن وتلقي باللوم علي الإجراءات الأمنية التي سمحت بحدوث ذلك علي سواحلها، بل أكثر من ذلك علي قوانين الدولة المهاجرين إليها.. ولا تلقي باللوم علي نفسها في فشلها في تأمين المأكل والمشرب وتوفير حياة آدمية لهؤلاء الذين اشتروا الموت بايصالات أمانة وذل واستدانة بدلا من العيش في بلد يمزقهم فيها الجوع والمرض. نجد الحكومة بعد 4 أيام تتحرك لانقاذ ما تبقي من ناجين!!.. ولا يتحرك رئيس الوزراء ولا يقطع إجازته التي لا يعلم سوي الله وحده أين يقضيها ليخرج بيان عن مجلس الوزراء ان رئيس الحكومة يتابع بنفسه!!.. ثم تخرج شائعة بريئة انه سيزور محافظة البحيرة ثم العدول عن السفر كالعادة، فهو دائما ما يقرر زيارات ميدانية ثم يتراجع عنها!! ولماذا يزور أهالي الضحايا؟ أو موقع الحادث؟.. فهم في نظر الحكومة خارجون عن القانون، وجايبين لها وجع الدماغ. لسان حال أهالي الضحايا يؤكد ان الحكومة منذ وقوع الحادث تتعمد إذلالهم بداية من توقف عمليات البحث لعدة مرات وعدم توفير سيارات اسعاف وثلاجات لحفظ الموتي وتطويل مدة إجراءات استخراج تصاريح الدفن.. ويؤكدون ان الحكومة تعاقبهم علي الهروب من الفقر!!.. ولا تستحي الحكومة من روايات الناجين وأهالي الضحايا الذين أكدوا أنهم يبحثون عن فرصة عمل، واتخذوا الموت المحقق سبيلا لهم.. كالمقامر إما ان يخسر كل شيء وإما ان يكسب كل شيء.. ومركب رشيد ليس ببعيد عن الطفل الذي نجح في الهجرة لإيطاليا ليعالج أخاه مريض الدم، والذي لا يجد مصاريف علاجه في بلد تخلي عن مواطنيه في أبسط أنواع الرحمة بالأطفال، يختفي علاج الأطفال وألبان الأطفال، والكل ينتقل من أزمة لأزمة، يحاول بجهوده الذاتية ان يحلها. فلا توجد مؤسسات حقيقية يندمج فيها الأفراد سواء للتعليم أو الصحة وغيرهما. وهنا تفيق أو تتكسف الحكومة علي دمها، وتقول نحن أولي بأبنائنا وتتحرك سيارة الإسعاف لتنقل الطفل المريض بعدما تناقلت الصحف الإيطالية قصة أخيه، ولا تعيد التفكير في الأزمة وتتحول المأساة إلي حكاية عادية. وعدت وربنا سترها.. وتتناول الأمر بطريقة بوليسية بتشديد الرقابة علي سواحلها التي أصبحت مرتعا للهجرة غير الشرعية للفارين من الحروب والجوع والفقر في الدول المحيطة.. وتخرج بيانات مجلس الوزراء عن توفير فرص العمل في المشروعات الصغيرة وتتهم الشباب بالعزوف عن الإقبال عنها ناسية ان البلاد تعاني من توقف العديد من الأنشطة وان رواج منتجات هذه المشروعات يحتاج لقوة شرائية في أسواق حقيقية تنخفض معها معدلات التضخم. إذا كان المهاجر في هجرة غير شرعية طور من نفسه واستطاع ان يعرف قوانين بلاد الهجرة التي لا تسمح بعودة الأطفال المهاجرين إليها وتؤهلهم وتعلمهم ولا تعيد الأسر التي تصطحب أطفالا.. فعلي حكومتنا الرشيدة ان ترعي أبناء هذه الدولة أو ترحل، وتأتي حكومة تهتم بأبنائها الأحياء والأموات. علي فكرة الناجين وأهاليهم يحتاجون إلي علاج نفسي لإعادة تأهيلهم ودمجهم في وطنهم مرة أخري.