ربما يري الكثيرون أن الأممالمتحده أو بيت الزجاج.. لم تعد سوي حديقه خلفيه لتظاهرات.. لكن هذه المره كانت أشبه بهايد بارك للقاده والزعماء من كل العالم.. الملتهب والمتوتر وفي قلبه »الشرق الأوسط».. الذي بات غارقا في حمامات دم.. يغمض الضمير الغربي عينه عنها.. بل يرتدي لباس البحر الأحمر »بفعل الدماء» مستمتعا برائحه الموت. الآن يبدو أغلب ضيوف نيويورك في إنتظار ضمير شعب مصر وصوتها.. لا أدري لماذا قفزت إلي ذهني قبل كتابه هذا التقرير.. ما قرأته عن زياره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للأمم المتحده عام 1960.. ربما هناك تشابه أو تباين.. لكن كلا الزعيمين عبد الناصر والسيسي أحاطت بهما ظروف دولية.. متشابهه.. واستهداف متزامن لمصر والمنطقة. في فترة الصعود الثاني لمصر وقف عبد الناصر في أكتوبر 1960 علي منصه الأممالمتحدة.. يتحدث عن حق الشعوب في التحرر وفي ذروه أجواء الحرب الباردة يطالب القاده السوفييت والأمريكان ببدء مفاوضات الحد من التسلح.. لحمايه العالم من خطر اي مغامرات محتمله. لم تكن مصر ابدا مغلقه علي نفسها.. لكن قدر انفتاحها ارتبط بطموح قادتها. الأسبوع الماضي بدأ رئيس مصر عبد الفتاح السيسي مدافعا عن حق الشعوب في الحياه..بعد ان تسببت مغامرات الغرب في سلب شعوب المنطقه هذا الحق.. بينما يحاصرونك بحقه في التظاهر. أوائل الأسبوع الماضي وصل الرئيس السيسي إلي نيويورك وقد شهدت حادثا ارهابيا في أهم ميادينها..في نفس شهر سبتمبر الذي اطاح الإرهاب بأكبر برجين بها.. وهو الرئيس العربي الذي حذر أوروبا والغرب من تفشي الإرهاب ووصوله إلي أسرتهم. كانت الأجواء مختلفه تماما..رئيس مصر حذر الغرب بنبره حازمه من الاثار السلبية للعولمة علي شعوب ودول العالم النامي الرئيس ناقش في العلن وفي الغرف المغلقه قضايا العرب في سوريا وليبيا واليمن. فضمير مصر لم يصمت ولن يصمت علي دماء مئات الالاف من العرب التي نزفت حتي القطرة الأخيرة.. ملايين العائلات العربية حزمت ما مكنها قصف المدافع من حمله..والتيه في بلاد الغرب والشرق. السيسي عاد بنا في هذه الرحله التي باتت غايه في الأهميه.. والمنظمه بكل دقه.. إلي ما يبدو الصعود الثالث لمصر. هذا العام بدت مصر أكثر قوه داخل »القفص الزجاجي» كما وصفها بطرس غالي.. وفي مقر إقامه الرئيس في قصر نيويورك وحتي في شوارع مدينه ال gbs الرئيس السيسي كان محط أنظار كثيرين من قاده العالم.. بريطانياوفرنسا ورومانيا وحتي الرئيس المقبل للإتحاد الأوروبي -مالطا- طلب رئيس وزرائها لقاء الرئيس وتعهد بتعاون الإتحاد الأوروبي مع مصر في حمايه الشرق الأوسط من الغرق في بحور الدم. الرئيس الأمريكي المقبل »هيلاري -او ترامب» طلب لقاء السيسي ليسمع منه ويطلب مزيدا من التعاون..ويعلن عن الإعجاب.. هيلاري قالت أنها تتابع كل انجاز في مصر خلال العامين الماضيين مشاهد كثيره ومؤشرات عديده كانت واضحه هذه المره الرئيس السيسي استرد جانبا كبيرا من قوه مصر.. وباتت مصر هي الحاضر مسموع الكلمة في معظم الإجتماعات النوعيه. صعود مصر الثالث مختلف تماما عن مصر الستينات..مصر هذه المرة أكثر استقلاليه من محاولتي ناصر وسابقه محمد علي.. مصر تتحدث عن نفسها ومحيطها من واقع المصلحة الوطنيه لشعوب كل دوله. مشاهد هامه يجب التوقف عندها كثيرا في رحله الرئيس هذه المرة..الصوت المصري كان عاليا في الدفاع عن سوريا الموحده.. وشعبها مزقت أوصاله صواريخ يطلقها الجميع وحرب يقتل ويقاتل فيها كثيرون شعب سوريا الذي فقد تقريبا نصف مدنه وقراه..قرابه 400 ألف من الأشقاء. فارقونا بعدما صرعتهم ألاعيب وملاعيب »شيحه» الشرق وأموالها. لغه الرئيس في الحديث عن سوريا كانت نابعه من الحرص علي الشعب أكثر لا الدفاع عن نظام يحكم..الرئيس كان يتحدث وتمر أمام عينه صور اطفال ونساء السوريين في طوابير اللجوء في عواصم أغلبها تآمر ضده ولو بالصمت.. أو العالقين في عرض البحر انتظارا للقبض عليهم ونقلهم إلي معسكرات اللجوء واعلن الرئيس بحزم وبصوت الضمير المصري والعربي والإسلامي »إن نزيف الدم في سوريا وغياب الأفق السياسي أمر لم يعد مقبولا استمراره». ليبيا الشقيقه والمؤثره علي أمننا القومي كانت حاضره في أكثر من لقاء وإجتماع للرئيس.. وكان السيسي حاسما في كل نقاشاته.. عكس مراهقات بعض من تصوروا أنفسهم دولا محوريه..ولم يفطنوا أن مصر عادت وبقوه..الرئيس -الذي رفع الليبيون صوره في بنغازي- طالب برفع الحظر الذي -تغلفه الشبهات- عن تسليح الجيش الليبي.. وقال أن مصر تدعم إتفاق الصخيرات.. »تقوم مصر بدور نشط لجمع الفرقاء الليبيين ودعم تنفيذ الاتفاق كسبيل لاستعادة وحدة وسلطة الدولة الليبية علي أراضيها، والعمل من خلال مؤسساتها الشرعية، من مجلس رئاسي وحكومة وحدة وطنية ومجلس نواب وجيش وطني. المشهد البارز الذي يكشف عن ضمير لاتتحكم فيه الأيدلوجيا في رحله الرئيس وتحركاته، كان انتقاده اللاذع لأحد جوانب العولمه التي تتجاهل الدول النامية وتزيد مساحات الفقر وعدم المساواه داخلها.. ومطالبته للمجتمع الدولي العمل علي دعم مؤسسات الدول النامية للقيام بواجبها.. »ما زلنا نرصد وجها آخر للعولمة بما أفرزته من بعض التحديات الاجتماعية والاقتصادية، حيث ارتبط بها زيادة الفقر واتساع فجوة عدم المساواة واهتزاز العقد الاجتماعي بالعديد من الدول النامية، وقد وضع تضافر تلك العوامل ضغوطاً علي تماسك الكيان المؤسسي لتلك الدول». الرئيس السيسي الذي كان واضحا لأقصي الحدود في كل إجتماعاته داخل وخارج مبني الأممالمتحده.. لم يترك قضايا المنطقه والعالم إلا وناقشها من منظور الدوله المحوريه التي استردت الجانب الأكبر من عافيتها. في قصر نيويورك أيضا كان يقيم الرئيس الأمريكي المنصرف أوباما.. ويحيط بتحركاته حجم هائل من الإجراءات الأمنيه.. إغلاق للشوارع المحيطه بالقصر القريب من تفجير نيويورك الإرهابي.. وكأن أصدقاء الأمس باتوا أعداء. فهناك من الأمريكيين من يري أن أوباما قدم دعما مباشرا لجماعات العنف السياسي -أو غير مباشر عبر تابع ذليل- في الشرق الأوسط حالما..بعصابات تسيطر علي العالم العربي وتتحرك بالريموت كنترول من البيت الأبيض.. ليتفرغ هو لحربه الإقتصاديه مع الصين وروسيا. لذا بدا منسحبا من المشهد حتي أن من دعمهم بالأمس استقبلوه في نيويورك بتفجير اصاب 26 مواطنا. الرئيس المنصرف لم يكن علي أجنده الرئيس السيسي هذه المره.. لكن الرئيس المقبل للولايات المتحده كان يخطط للقاء الرئيس السيسي. في هذه الرحله لم يدخل دونالد ترامب قصر نيويورك الا في الموعد الذي حدده مساعدو الرئيس السيسي.. دونالد ترامب الذي اتهم أوباما صراحه بالمسئوليه الأخلاقيه عن أرواح مئات الالاف من ضحايا العنف في الشرق الأوسط بات حريصا قبل موعد وصول الرئيس بأسابيع علي طلب اللقاء.. ترامب الذي جدد إحترامه للمسلمين والدين الإسلامي كان يتحدث بلهجه الواثق من الوصول إلي المكتب البيضاوي في البيت الأبيض..كان حاسما في انتقاده للعنف ومن يدعمه. دونالد ترامب عبر عن إعجابه الشديد بالشعب المصري الذي وصفه بأنه حمي مصالح العالم بأسره. ومن دواعي فخر أي مصري هو حرص الرئيس الأمريكي المقبل »ترامب-اوهيلاري» علي لقاء الرئيس السيسي فهو الذي انتصرت رؤيته في النهايه..قلب العالم كان علي طريق الهاويه..»ومازلنا نذكر غناء الفلاحات المصريات في يوم 30 يونيو بمدينه المنصوره »غلطتنا وصلحناها..وبلدنا ورجعناها». يبدو أن غناء الفلاحات لاقي صداه هنا في لقاءات الرئيس المصري الوطني..بأغلب قاده العالم اقتنعوا تماما بأن المصريين حموا العالم من حروب دينية وطائفيه. عوده إلي حرص الرئيس الأمريكي المقبل..علي لقاء السيسي ترامب الذي وصل لتوه من فلوريدا.. قابل الرئيس ولحوالي الساعه كان يتحدث ترامب وإثنان من مساعديه هما الأبرز في الحمله عن إعجابهما بما قامت به مصر ورئيسها الشجاع.. »انني يا سيادة الرئيس حريص علي الشراكة القوية التي تربط الولايات المتحدة بمصر علي مدي سنوات طوال، وأعرف أن هذه الشراكة حيوية للغاية من أجل تعزيز السلام والاستقرار ليس في الشرق الأوسط وحده وانما في العالم، وأعلم ان لنا عدوا واحداً هو التطرف والإرهاب، وأن عملنا المشترك ضروري لهزيمته ليس فقط بالأدوات السياسية والعسكرية وإنما أيضا بالتعامل الفكري». ترامب الذي بدا سعيدا للغايه وهو يستمع من الرئيس عما قام به الشعب ضد فئه ضاله..قال: »سياده الرئيس إذا أسعدني الحظ وفزت بالرئاسة في نوفمبر، فسوف أدعم مصر بلا حدود في حربها ضد الإرهاب، وستجدون أمريكا في إدارتي ليست فقط حليفاً لمصر، وإنما صديق وقد يمكنكم الاعتماد عليه في الأيام والسنوات المقبلة». الصحافه الأمريكية هنا اهتمت كثيرا بلقاء الرئيس مع مرشحي الرئاسه وقال محللون يبدو أن هناك تأثيرا لمصر هذه المره علي المزاج العام للإنتخابات الأمريكية.. وهو ما دفع وزير الخارجيه المصري النشط سامح شكري إلي نفي ما تناولته تحليلات أمريكيه بأن الرئيس السيسي أعلن دعمه للمرشح ترامب في حواره مع شبكه سي إن إن. تفسيرات ومقالات بعض الكتاب هنا عن تأثير لرئيس مصر علي الإنتخابات الأمريكية.. تكشف عن حجم مصر الحقيقي.. وصورتها الجديدة التي رسم ملامحها شعب هو الأقدم علي وجه الأرض.. شعور بالفخر. غادر ترامب قصر بالاس وهو علي بعد أمتار من الرئيس المنصرف أوباما.. وهو الذي وصفه أكثر من مره بالدجال الذي خدع شعوب الشرق الأوسط. قبل وصول ترامب ومن جراج الفندق الضخم تسللت هيلاري كلينتون بعيدا عن أعين الصحفيين..ربما الأزمه الصحيه التي مرت بها وتركت بعضا من آثارها علي ملامحها السيدة هيلاري. أو ربما ارادت أن تخفف من وقع خبر اللقاء علي حلفاء الأمس من الجماعات الإرهابيه الإخوانيه..أيا كانت الأسباب ف هيلاري كلينتون طلبت لقاء السيسي وهنا لقاء اخر كان مع رئيس أوكرانيا..ربما لتلعب هيلاري بالورقه الروسيه في الإنتخابات..أو هي رساله للرئيس الروسي الذي اتهمته وسائل إعلام أمريكيه بمحاولات التأثير علي حملتها وتشويه صورتها وهو ما نفاه الرئيس بوتين. صعدت هيلاري إلي حيث الرئيس.. فاستقبلها مساعدوه واصطحبوها إلي مكان اللقاء.. وتحدثت الرئيسه المحتمله لأمريكا بكثير من الإيجابيه عن دور مصر في المنطقه العربيه.. »سيدي الرئيس اتابع بإعجاب ما تحقق في مصر خلال العامين الماضيين». ورد الرئيس بأننا حريصون علي علاقات استراتيجيه مع الولايات المتحده..مؤكدا علي إستمرار مصرفي ترسيخ دعائم الديمقراطيه..وحاولت المرشحه الديمقراطيه استغلال اللقاء لتحقيق مكاسب سياسية وتحدثت عن مواطنه أمريكيه من أصول مصريه إرتكبت مخالفات في جمعية رعايه ايتام.. تقول النيابه أنها كانت تستغلهم في المظاهرات.. كان رد الرئيس واضحا أنه لا يمكنه دستوريا الإفراج عنها.. لأن القضية مازات منظوره أمام المحاكم.. ولابد من انتظار كلمه القضاء. إنتهي اللقاء مع هيلاري وخرجت بعيدا عن أعين وسائل الإعلام. كثير من المحللين قالوا أن سعي المرشحين الجمهوري والديمقراطيه إلي لقاء الرئيس القوي لمصر هدفه التأثير علي سير الإنتخابات الأمريكيه، والتنسيق مع مصر التي عادت إلي المسرح العالمي بقوة. الرئيس قابل الكثيرين.. وما سمعته من مساعديه أن السيسي بدا مصمما علي إنقاذ مصر والمنطقه العربيه.. والدفاع عن حق شعوبها في الحياه. وأن قاده دول كبري مثل فرنساوبريطانيا..باتوا واثقين بقدرات مصر علي قياده المنطقه إلي بر الأمان بعد سنوات من التمزق والارهاب وعدم الاستقرار. بل أن أحد الصحفيين في حمله ترامب قال لنا أن مصر مؤثره بشده في الأنتخابات الأمريكيه..إنه علي ما يبدو شمس الربيع المصري.